فلسطين... القضية والبوصلة

الـ"سيانيم": الطابور الخامس للصهيونية!

الـ"سيانيم" (Sayanim)، أو "سايعانيم"، مفردها بالعبرية سايعان، ومعناها: "المساعدون"، وهو مصطلحٌ يُستخدم لوصف اليهود المُقيمين خارج إسرائيل، والمتطوّعين، والمجنّدين لخدمة الموساد. وتكمن خطورة الموضوع في أنهم يشكّلون سلاحًا سرّيًا إضافيًا يختلف عن "اللوبي الصهيوني" المعروف؛ فاللوبي الصهيوني معروف، ومراكزه ومنظماته علنيّة، يسهل حصرها وربّما مواجهتها عاجلًا أم آجلًا. وهؤلاء الـ"سيانيم" تُطلق عليهم تسمية "الطابور الخامس"، وهم العملاء المخفيّون عن الأنظار، والذين يتحرّكون في الظلام لخدمة مصالح الكيان الصهيوني، وتوجّهاته في العالم.

الـ

الـ"سيانيم" خلية سرّية بدرجةٍ كبيرة، ويقدّمون خدماتهم ومساعداتهم بطرقٍ خفيةٍ لا تلفت الانتباه، وهم من الطبقات الاجتماعية كافّة، ويمارسون حياتهم الطبيعية، وأغلبهم يشغلون مناصبَ كبيرةً في مراكز صنع القرار العالمي؛ ومنهم برلمانيّون، وإعلاميّون، وموظفو ومدراء بنوك، وموظفون عاديون في خطوط الطيران، والبلديات، والجيش... إلخ.

نجح الـ"سيانيم" في التغلغل في دوائر صنع القرار العالميّة

هم لا يعلنون إطلاقًا عن توجّههم في أماكن تمركزهم، ولا يوجد إحصاء رسمي لهم، وبالتالي لا يتمّ رصدهم، أو معرفة الغرض من أفعالهم، ويَفترض بعض المتخصّصين، ومنهم المحلّل السياسي الفرنسي اليهودي، يعقوب كوهين، أنّ عددهم يتجاوز خمسين ألفًا حول العالم، وأماكن تمركزهم الكبرى في مناطق صُنع القرار في العالم، والقوى المؤثّرة في السياسة الدولية؛ مثل أميركا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، كما أنّ عددًا منهم موجودون في البلدان العربية! ولعلّ من هؤلاء من العرب المُتصهينين، أو كما يُطلق عليهم الدكتور عبد الوهاب المسيري: اليهودي أو الصهيوني الوظيفي.

خلية "حرب الدعاية"

يتمّ تجنيد الـ"سيانيم" من خلال منظمةٍ يهوديةٍ تُسمّى "بناي بريث" (B'nai B'rith)، أي: أبناء العهد، والتي تضمّ أكثر من نصف مليون عميل حول العالم. ويتبع الـ"سيانيم" خليّة "حرب الدعاية" داخل الموساد، وهي وحدة سرية تابعة لجهاز الموساد، مُخصَّصة للقيام بأنشطةٍ متعلقةٍ بالحرب النفسيّة، والدعاية. وتدير هذه الوحدة حملاتٍ إعلاميةً، تستهدف التأثير على الرأي العام، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، بالإضافة إلى التأثير على الخصوم السياسيين، أو العسكريين، وتقوم هذه الخلية بإعداد وتوزيع مواد إعلامية عبر مختلف الوسائل، بما في ذلك وسائل الإعلام التقليدية، والرّقمية، بهدف تعزيز صورة إسرائيل، وترويج سياساتها، وأهدافها، كما تشمل مهمّاتها نشر معلومات مُضلّلة أو تشويه سمعة خصوم إسرائيل.

أساليب شيطانيّة

نجح الـ"سيانيم" في التغلغل في دوائر صنع القرار العالميّة، وكوّنوا عددًا من مجموعات الضغط، ولجان العمل السياسي والاستراتيجي، ومراكز الفكر، ومجموعة مراقبة وسائل الإعلام، والمنظّمات النّافذة. كما يستخدم عملاء الـ"سيانيم" أبواق الدعاية والإعلام بنجاحٍ منقطع النّظير، جعلت من اليهود ملوك الإعلام والدعاية بلا منازع. ويقوم الـ"سيانيم" بتوجيه الحملات الإعلامية عبر استخدام تقنياتٍ مختلفة، من ضمنها تسريب معلوماتٍ مُختارة، أو حتّى نشر معلوماتٍ مغلوطة أو مفبركة في وسائل الإعلام العالمية بهدف التأثير على الرأي العام العالمي، وإبراز إسرائيل كداعمٍ للاستقرار، أو لتقويض سمعة خصومها السياسيين.

يستخدم الـ"سيانيم" علاقاتهم السرّية مع وسائل الإعلام الدوليّة لتوزيع رسائل دعائية محدّدة، قد تشمل هذه الرسائل معلوماتٍ مختارةً بعناية، لتسليط الضوء على إنجازات إسرائيل، أو لتوجيه اللّوم على خصومها، وتشمل أيضًا حملات على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل: إكس، وفيسبوك، لخلق تأثير سريع وواسع، وكذلك لتوجيه الرّأي العام العالمي لدعم السياسات الإسرائيلية، وخلق حالةٍ من التعاطف الدائم مع اليهود، وإظهارهم دومًا في صورة الضحية في مقابل الأشرار العرب والمسلمين.

التفاعل مع الحروب العسكرية

في أثناء النزاعات والحروب، يتمّ تنسيق هذه الأنشطة الدعائية مع العمليات العسكرية لإحداث تأثير نفسي قبل أو أثناء العمليات العسكرية، عبر نشر رسائل توضح أو تبرّر الهجمات العسكرية.

يتمّ استخدام المال للضّغط على كيانات اقتصادية أو حكومات لفرض عقوبات أو تغيير سياسات

وعندما تتعرّض إسرائيل لانتقاداتٍ دوليةٍ بسبب عملياتها العسكرية، قد تعمل خلية الـ"سيانيم" على نشر رسائل توضح دوافع العمليات العسكرية، أو تبرير الاعتداءات الوحشية التي تقوم بها ضدّ العرب ومن ثمّ، يجعلون بأساليبهم الشيطانيّة "إسرائيل" الدولة المحتلّة، والتي تذبح الفلسطينيين أمام العالم، دولةً تراعي حقوق الانسان، وتصوّرها بأنّها واحة للديموقراطية، وبأنّها تدافع عن نفسِها ضدّ قوى الظلام والإرهاب والرجعيّة كما يزعم الكِيان الصهيوني.

من يملك الذهب يكتب الشريعة

يرتكز الـ"سيانيم" على القاعدة الذهبية التي تقول: "من يملك الذهب يكتب الشريعة"، اعتمادًا على سطوة المال والجنس، وغيرها من الوسائل الشيطانية، لتحقيق أهدافهم بسريةٍ مطلقة، وهم يقومون بتمويل الجواسيس، والعملاء، والأنشطة الاستخباراتية السرّية، مثل: التنصّت على الأعداء، أو جمع معلومات حيويّة من خلال التعامل مع مصادر غير رسمية. كما يستخدمون المال لدعم حركات أو أفراد معارضين للحكومات التي تعتبرها إسرائيل معادية، وفي هذه الحالة، يتمّ تقديم تمويلاتٍ لتقويض أنظمةٍ سياسيةٍ معينة، أو تشجيع أعمالٍ معارضةٍ داخل الدول المعادية لها.

كما يتمّ استخدام المال للضّغط على كيانات اقتصادية، أو حكوماتٍ لفرض عقوبات، أو تغيير السياسات تجاه إسرائيل، وتشمل هذه الاستراتيجيّة تحركاتٍ على مستوى الشركات، أو الحكومات، من خلال التأثير على استثمارات ومشاريع اقتصادية. هذا بجانب شراء المعلومات والتقنيات المتقدمة، أو قواعد بيانات حسّاسة، أو حتّى استخدام المال للحصول على مستندات، أو تقارير هامّة من داخل دول معادية. ولا يقتصر استخدام المال فقط في مجال الاستخبارات التقليدية، بل يوجّه نحو الحملات النفسية والدعائية، بهدف التأثير على الرّأي العام العالمي، وفي بعض الأحيان، يستخدم الـ"سيانيم" المال للاستثمار في قطاعاتٍ استراتيجية، يمكن أن تساعد إسرائيل في تحقيق أهدافها الأمنية.

ولقد تناول خطورة تأثير الـ"سيانيم" عددٌ من الشخصيات الحرّة في العالم، فتحدّث عنهم فيكتور أوستروفسكي (Victor Ostrovsky) ضابط الاستخبارات السابق في الموساد، الذي قام بفضح عمليات الموساد، وكشف عن عملياتهم القذرة ضدّ العرب في كتابه "عن طريق الخداع"، و"الوجه الآخر للخداع" بمساعدة الـ"سيانيم". وكذلك، تحدّث عنهم المحلّل السياسي البريطاني غوردون توماس (Gordon Thomas، ت 2017) في كتابه "جواسيس جدعون - التاريخ السرّي للموساد".

كما كشف يعقوب كوهين الغطاء عن بعض مخطّطاهم الشيطانيّة للتغلغل في مؤسّسات كلّ دول العالم في كتابه "ربيع السيانيم"، وشرح كيف يقومون بتجميل صورة إسرائيل، وتبرير كلّ سياساتها العدائية والاستيطانية، من قتلٍ، وتشريدٍ للفلسطينيين، ويعملون على الدفاع عن الصهاينة عبر إنتاج برامج وأفلام لخدمة إسرائيل، وكلّ من تجرّأ على انتقادها يتمّ التشهير به، واعتباره "معاديًا للسامية".

خليّة الـ"سيانيم" تُـمثّل جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الحروب النفسية

كما أشار إليهم المخرج الدنماركي "رينيه هانسن"، الذي فضح عمليات ٍمتعدّدةً قام بها الـ"سيانيم" في الدنمارك، ومنها مراقبة الفلسطينيين، واقتفاء أثرهم في الدنمارك، وبناءً عليه تعرّض هانسن للاضطهاد الكبير، وقام عددٌ من الوزراء اليهود في حكومة كوبنهاغن بمنع عرض أفلامه عن مآسي الفلسطينيين، بسبب ولائهم التام لـ"إسرائيل".

هكذا نرى أنّ خليّة الـ"سيانيم" تُـمثّل جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الإسرائيلية (الصهيونية) في التعامل مع الحروب النفسية، والدعاية، ومن خلال هذه الأنشطة، يسعى الموساد لتوجيه الرأي العام في اتجاهٍ يحقّق مصالح إسرائيل الأمنيّة، والسياسية، خصوصًا في مواجهة الدول أو المنظمات التي تُشكّل تهديدًا لها.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن