أنهى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، زيارته، التاريخية، إلى منطقة الخليج، والتي شملت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، محققاً نتائج اقتصادية ضخمة. فقد نجح في تأمين استثمارات تقدر بأربعة تريليونات دولار لمصلحة المصانع الأمريكية، والخزانة الأمريكية، بالتبعية، فالتعاقدات التي أبرمتها شركة "بوينغ" الأمريكية، وحدها، كفيلة بضمان مبيعاتها لسنوات قادمة، فضلاً عما ستحققه الصناعات الحربية الأمريكية من مكاسب كبيرة، وهو ما جعل البعض يصف تلك الزيارة بأنها واحدة من أهم الزيارات الأمريكية، الرسمية، إلى الخليج.
إلا أنه، من وجهة نظري الشخصية، أن الرئيس الأمريكي سعى وراء هدف استراتيجي أكبر من المكاسب الاقتصادية، وحدها، وهو إبعاد الصين عن منطقة الخليج، التي بدأت منذ سنوات في إحراز وثبات اقتصادية، كبيرة ومتسارعة، أهلتها لأن تصبح، اليوم، ثاني أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، والعدو الاقتصادي الأول للولايات المتحدة،إذ يؤكد الخبراء الاقتصاديون، حول العالم، أن حفاظ الصين على معدلات نموها المسجلة، سيجعلها الاقتصاد الأكبر، عالمياً، بحلول عام 2030.
وللتصدي لتلك التوقعات، المدعومة بالأدلة والإحصاءات، بدأت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات جادة لمواجهة تقدم الصين، وإضعاف قوتها الاقتصادية، بدأتها بتهديد تجمع "بريكس"، الذي تأسس في 2009، ويضم كلا من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، قبل أن تنضم إليها مصر، أثيوبيا، والإمارات، وإندونيسيا وإيران في مطلع عام 2024، مع احتمال انضمام السعودية، بعد انتهائها من دراسة الأمر.
ارتكزت فكرة بريكس على إقامة تجمع استثماري، تحوّل، لاحقاً، إلى تكتل جيوسياسي قوي. حيث يضم 45% من سكان العالم، وتمتلك دوله الأعضاء 44% من حجم الوقود في العالم. وعلى إثر تفكير أعضاء ذلك التجمع في إطلاق عملة جديدة، وما يشكله ذلك من تهديد مباشر لمكانة الدولار الأمريكي، كعملة دولية، فقد هدد الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية تصل نسبتها إلى 100% على دول بريكس، إذا ما اتخذت خطوات لتنفيذ تلك الفكرة، بل وأصدر قرارات تنفيذية لفرض تلك الرسوم الجمركية، على عدد من الدول، كما تابعنا في الأسابيع القليلة الماضية.
فقد أدرك ترامب أن انضمام دول الخليج، خاصة الإمارات، مع احتمال انضمام السعودية، من شأنه تعزيز وتقوية ذلك التجمع، وهو ما دفعه لزيارتهما، ليس فقط لتوقيع الصفقات الاقتصادية وجذب الأموال، بل أيضاً للإعلان عن تحالف استراتيجي مع هذه الدول، بهدف حرمان مجموعة "بريكس" من القوة الاقتصادية الخليجية، خاصة الصين، التي اقتحمت الأسواق الخليجية، مؤخراً، بعروض استثمارية وصفقات تجارية. ولن أكون مبالغاً في وصف هدف الزيارة الأمريكية، بأنه لحرمان الصين من الوجود في منطقة الخليج العربي، سواء اقتصاديا أو عسكرياً.
فقد أثبتت التجارب العملية قدرة الصين على توفير منتجاتها الصناعية والحربية بأسعار تنافسية مقارنة بنظرائها في أوروبا وأمريكا، مما جذب اهتمام دول الخليج، لا سيما بعد الحرب الهندية الباكستانية، التي أثبتت فيها الأسلحة الصينية، خاصة المقاتلات ومنظومات الدفاع الجوي، تفوقاً ملحوظاً على نظيراتها الأوروبية. هذا التفوق قد يدفع دول الخليج إلى تعزيز علاقاتها التسليحية مع الصين، نظراً للقيمة والجدوى الاقتصادية، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي لعقد اتفاقات تسليح كبيرة، خلال زيارته لمنطقة الخليج لضمان عدم قيامها بإبرام اتفاقات تسليح مع الصين. كل تلك المعطيات كانت حاضرة في ذهن ترامب، وإدارة الدولة العميقة في الولايات المتحدة، في أثناء التخطيط لإضعاف الصين اقتصادياً، وهو ما يفسر أن تكون أولى زياراته الخارجية، إلى الخليج العربي، لمنع أي تقارب بين بكين ودوله.
كذلك تعمل الصين على مشروع استراتيجى، آخر، وهو "إحياء طريق الحرير القديم"، المعروف باسم "الحزام والطريق"، لربط قارتي آسيا وأوروبا، والذي يضم محورين؛ أحدهما بري عبر آسيا إلى أوروبا، من خلال طرق برية وسكك حديدية، والآخر بحري يمر عبر دول جنوب شرق آسيا والخليج العربي، ثم قناة السويس، وصولاً إلى أوروبا، وهو ما قامت الصين لأجله ببناء سفن حاويات ضخمة، تمهيداً لبدء تشغيله بحلول عام 2026. لذلك، كان من أهداف زيارة ترامب توقيف دول الخليج عن التعاون مع الصين، ودعمها، في تطوير هذا المحور البحري، الذي تُعد منطقة "جبل علي" الإماراتية أحد مراكزه المحورية، أو Hub، وفي حال تمكنت الصين من ترسيخ نفوذها هناك، فستحقق نجاحات كبيرة في تنفيذ طريق الحرير الجديد، ليضيف لقوة الصين الاقتصادية.
وكانت الصدمة الكبرى، من دول المنطقة، في عودة ترامب دون التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، أو إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، رغم المناشدات الدولية والأممية بتدهور الأوضاع ووصولها لكارثة إنسانية، واقتصر الأمر على طرح "فكرة اتفاق" بتسليم كامل للرهائن مقابل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وتشكيل حكومة فلسطينية، من 15 شخصا لا ينتمي أي منهم للفصائل المعروفة. ورغم ما أظهرته حماس من مرونة كبيرة، وتسليم الرهينة الأمريكية دون المطالبة بأي مقابل، فإن ترامب عاد من المنطقة، مع الأسف، دون تحقيق السلام، مما يمثل خسارة سياسية كبيرة له أمام العالم.
وهكذا، جاءت الزيارة الأمريكية محمّلة بأهداف اقتصادية واستراتيجية كبرى، تمحورت حول عرقلة النمو الاقتصادي الصيني، ويُعتقد أنه بعد توقيع الصفقات الاقتصادية وعقد الشراكات الاستثمارية مع دول الخليج، تكون الولايات المتحدة قد أحرزت خطوة كبيرة في كبح النفوذ الصيني في المنطقة، والحد من نموها الاقتصادي، الذي تعتبره واشنطن التهديد الأول لمكانتها العالمية.
(الأهرام المصرية)