صحافة

"المشهد اليوم"…"الصحوة" الأوروبية تحاصر اسرائيل ومعاناة غزّة تتفاقمعون وعباس يؤكدان أن زمن السلاح انتهى وجولة جديدة من المفاوضات الايرانية - الاميركية

وفد دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي بالقرب من المدخل الشرقي لمخيم جنين خلال زيارة للمدينة الأربعاء (أ.ف.ب)

لم يكن التبدل الحاصل في المواقف الغربية تجاه اسرائيل وليد الساعة أو ردة فعّل اعتباطية ولا حتى "صحوة" أخلاقية متأخرة، بل جاء نتيجة تراكم العديد من الاسباب والضغوط التي تواجهها هذه الدول على مختلف الاصعدة وأهمها حدة الانتقادات الشعبية والمظاهرات التي تجتاحها رفضًا للقتل والتجويع في غزّة وذلك بعد مرور عام ونصف العام من حرب الابادة. الا انه ورغم تضافر الجهود واتخاذ بعض الدول خطوات غير مسبوقة لمحاسبة اسرائيل، تشكل الانقسامات الداخلية التي تشهدها أوروبا عقبة رئيسية أمام اتخاذ قرارات موحدة، خاصة في ما يتعلق بسياساتها المعتمدة تجاه قضايا الشرق الأوسط.

فبينما تنتقد كل من اسبانيا وايرلندا وفرنسا والسويد وبريطانيا التصعيد الاسرائيلي الاخير في غزّة، ترفض النمسا والمانيا وهنغاريا توجيه أي انتقاد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته رغم ان استمرار الحرب بات يشكل عبئًا اضافيًا على قادة هذه الدول الذين يفشلون في تبرير صور الاطفال المشوهة والدمار الشامل والإبادة المتواصلة أمام الرأي العام وسط اتهامات علنية لهم بالمشاركة والتواطؤ بالدم الفلسطيني، خصوصًا ان اهداف الحرب باتت غير واضحة بعد تخلي نتنياهو رسميًا عن الرهائن المحتجزين لدى "حماس"، وهذا ما أدى، بدوره، الى تصاعد حدة الانتقادات الموجهة له داخل اسرائيل نفسها ومن زعماء وقادة اعتبروا ان الحرب هدفها تعزيز مكانة نتنياهو وائتلافه اليميني الحاكم.

وعليه، فإن ما يحدث يشكل فرصة يمكن التعويل عليها خاصة أن ما اتخذته هذه الدول على مستوى القرارات، رغم محدوديته، سيكون له تداعياته على اسرائيل لجهة سحب "الغطاء" السياسي عنها كما فرض عزلة اقتصادية عليها ستؤدي الى المزيد من انكشاف تل أبيب على الساحة الدولية، لاسيما اذا ترافقت هذه الخطوات الغربية مع ضغوط أميركية، لا تزال دون المستوى ولا ترتقي الى محاولة فرض وقف الحرب جديًا على نتنياهو الذي حدد أمس شروطًا جديدة لوقف القتال وهي: نفي قيادة "حماس" من غزّة ونزع سلاحها واعادة جميع المختطفين كما شدد على تنفيذ خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بشأن التهجير.

ويلوح نتنياهو باحتلال كامل غزّة وتقسيم القطاع الى مناطق منعزلة عن بعضها البعض وحشر السكان ببقع جغرافية محددة وتوفير المساعدات عن طريق شركات أمنية تخضع لحماية من الجيش الاسرائيلي بحجة عدم وصول المساعدات الى "حماس"، التي علّقت على شروط نتنياهو واضعة اياها في اطار "إحباط المسار التفاوضي وتدمير فُرَص الإفراج عن الأسرى". وتُعقد الخلافات الجوهرية بين الطرفين اي فرصة للتوصل الى اتفاق ينهي المعاناة المتفاقمة للفلسطينيين الذين خرجوا في الايام الماضية بمسيرات ومظاهرات رافضة لاستمرار الحرب وداعية لوقفها فورًا بعدما حاصرهم الجوع والعطش والنزوح المضني مع توسيع اسرائيل من أوامر الاخلاء التي تشمل مناطق واسعة في القطاع.

أما في اطار "لغز" المساعدات، فإن اسرائيل التي وافقت على مضض لادخال مواد أساسية للقطاع بهدف تبرير استمرار حربها وعدم تأليب بقية الدول عليها، تستخدم التجويع كورقة ضغط وتتعمد الموافقة على مساعدات "شحيحة" لا تتناسب مع حاجة سكان القطاع الذين يعيشون على شفا مجاعة بعد 11 أسبوعًا من الحصار المُطبق. وفي هذا الاطار، قال جيش الاحتلال إن إسرائيل سمحت بدخول 100 شاحنة مساعدات محملة بالطحين وأغذية الأطفال والمعدات الطبية إلى قطاع غزّة أمس الأربعاء، في حين أكد مسؤولون من الأمم المتحدة أن مشكلات التوزيع أدت إلى عدم وصول أي مساعدات حتى الآن إلى من يحتاجونها. هذا وكان منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشير، حذّر بأن 14 ألف طفل رضيع سيموتون في القطاع خلال الساعات الـ48 القادمة إذا لم تسمح إسرائيل بدخول المساعدات فورًا.

ومن غزّة الى الضفة الغربية التي كانت أمس شاهدًا اضافيًا على الاعتداءات الاسرائيلية، بعدما فتحت قوات الاحتلال النار بشكل مباشر على دبلوماسيين أوروبيين وعرب خلال زيارة دعت لها وزارة الخارجية الفلسطينية للوقوف على مجريات ما يحدث في مخيم جنين الذي يتعرض منذ أشهر لهجوم إسرائيلي الى جانب غيره من مخيمات الضفة الغربية المحتلة لتفريغها من سكانها. وتوالت ردود الفعل الاجنبية والعربية المستنكرة والمنددة وقررت كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والدانمارك استدعاء سفراء إسرائيل لديها. وكالعادة برر الجيش الإسرائيلي هذا الاعتداء بالقول إن الوفد الدبلوماسي "انحرف عن مساره" ودخل منطقة محظورة في المخيم.

وفي السياق نفسه، اعترض الجيش الاسرائيلي صاروخًا أُطلق من اليمن باتجاه إسرائيل في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس، وتسبب باغلاق مطار بن غوريون كما أفاد الإسعاف الإسرائيلي بإصابة شخص خلال توجهه لملجأ بعد اطلاق صفارات الإنذار في عدة مناطق. ورغم الضربات الإسرائيلية التي استهدفت اليمن مؤخرًا، يواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل بهدف "إسناد الفلسطينيين في غزّة"، بحسب ما يؤكد الناطق الرسمي بإسم الجماعة يحيى سريع. ومؤخرًا عقدت ادارة ترامب اتفاقًا مع الحوثيين بوساطة عُمانية ما ادى الى وقف استهداف السفن الاميركية ولكن دون ان يشمل ذلك الجانب الاسرائيلي.

تعقيدات المشهد في غزّة لم تحجب الانظار عن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى لبنان واللقاء الذي عقده مع رئيس الجمهورية جوزاف عون بظل الظروف والمعطيات المحلية والاقليمية. فالزيارة الأولى لعباس منذ عام 2017 هدفت الى مواكبة الخطوات اللبنانية الساعية الى بسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيها وبالتالي البحث الجدي في ملف السلاح داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ووفق البيان المشترك الصادر، فإن الجانبين شددا على أن "زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى". كما اتفقا على "تشكيل لجنة مشتركة لبنانية - فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات في لبنان، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للاجئين، مع احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين اللبنانية".

وحاليًا، تتوجه الانظار الى الطريقة التي ستتعامل معها حركة "حماس" لمواكبة هذه المستجدات خاصة انها أبدت انفتاحها على أي أمر يؤدي إلى استقرار لبنان، لكنها انتقدت تصريحات الرئيس عباس وما صدر عنه لجهة نزع "الشرعية" عن سلاح الفصائل الفلسطينية مؤكدة أن "أي قرار بهذا الشأن لا بدّ أن يتم بعد التشاور والحوار معها". ويخطو لبنان بشكل ثابت باتجاه حل المعضلات الامنية التي تقوض سيادة الدولة ويسعى لحل ملف السلاح المتفلت الخارج عن السلطة الرسمية في محاولة لضبط الاوضاع الامنية واعادة الاستقرار والشعور بالامن والامان.

ايرانيًا، تُعقد الجولة الخامسة من المفاوضات الايرانية - الاميركية، الجمعة في روما، بحسب ما أعلن وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي. وتأتي هذه الجولة على وقع تصاعد التوترات ورفع سقف المواجهة بين واشنطن وطهران وزيادة الهوة بينهما رغم تأييدهما للمسار التفاوضي. وكان وزير الخارجية عباس عراقجي جدد تمسك بلاده بتخصيب اليورانيوم قائلًا "سنواصل ذلك سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا". وأضاف: "أي مطالب إضافية تهدف إلى حرمان إيران من حقوقها المشروعة غير مقبولة إطلاقًا". من جانبه، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن إدارة الرئيس ترامب تسعى للتوصل إلى اتفاق يسمح لإيران ببرنامج نووي مدني دون تخصيب اليورانيوم، مؤكدًا أن واشنطن لن تسمح لإيران بأي تخصيب، وستستمر العقوبات المتعلقة بالصواريخ والإرهاب حتى بعد الاتفاق.

وتشكل هذه التباينات عائقًا جديًا امام التوصل لاي اتفاق ما يضع طهران في موقف صعب خاصة مع تصاعد حدة الازمات الاقتصادية داخل البلاد بعد اعتماد الادارة الاميركية سياسة "الضغوط القصوى" ما ادى الى تراجع قيمة العملة وزيادة البطالة وتردي المستوى المعيشي للسكان. وكانت وكالة "رويترز" افادت، نقلًا عن مصادر، بأن إيران قد تلجأ إلى الصين وروسيا "كخطة بديلة" في حال استمرار التعثر بالمحادثات مع الولايات المتحدة. لكن في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وانشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، تبدو خطة طهران البديلة هشة، بحسب قولها.

أما على الصعيد الدولي، فقد خطف البيت الابيض مجددًا الاضواء بعد السجال الذي تم بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، بحيث اتهمه باضطهاد المواطنين البيض بعدما طلب ترامب بعرض مقاطع فيديو تتعلّق بمزاعم الإبادة ما سبب إحراجًا لرامافوزا الذي حاول أن يفنّد الاتهامات الموجهة اليه ولحكومته. وأعاد ما حصل أمس الى الذاكرة زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في شباط/ فبراير الماضي والتي شكلت حينها سابقة ديبلوماسية لم يعهدها العالم من قبل.

ملفات المنطقة وتعقيداتها تناولتها الصحف العربية الصادرة اليوم. وهنا ابرز ما ورد في الجولة الصباحية:

اعتبرت صحيفة "الوطن" القطرية أن الموقف الاوروبي "لا يمثل تطورًا بقدر ما يشكل نوعًا من تصعيد ردّ الفعل أمام بشاعة المذابح المتواصلة في قطاع غزة والحرج أمام الرأي العام الداخلي"، واضعة اياه في اطار "الموقف السياسي الذي تحكمه أجندات انتخابية وإكراهات حزبية وإملاءات مرحلية وليس موقفا مبدئيًا ثابتًا من القضية الفلسطينية أو من قضايا العرب والمسلمين بشكل عام".

وفي الاطار نفسه، خمنت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الدول الثلاث (فرنسا وبريطانيا وكندا) وأوروبا مجتمعة ما كان لهما أن تتحرك دون ضوء أخضر من الرئيس ترامب"، مشددة على أن "اتساع الهوة بين ترامب ونتنياهو ستضر بموقف الاخير كثيرًا في الداخل الإسرائيلي وذلك تخوفًا على طبيعة العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، والأهم أنها ستشجع كثيرين على حذو الدول الثلاث الاوروبية للتحرك. خلاصة ذلك أن يضيق الخناق على نتنياهو لكبح جماحه كما لم يحدث من قبل".

إلى ذلك، اكدت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "زيارة ترامب للخليج، في حد ذاتها، ليست مجرّد تحرّك شخصي أو دعاية انتخابية، بل هي تعبير عن إدراك عميق من قِبل شخصية لها وزنها في السياسة الأمريكية بأن الشرق الأوسط لا يزال عنصرًا حاسمًا في معادلة الاستقرار العالمي". مضيفة ان "العلاقة بين السعودية وأمريكا علاقة إستراتيجية عابرة للإدارات. لا نراها من منظور شخص أو حزب، بل من منظور مصالح إستراتيجية واقتصادية وأمنية مشتركة. بيد أنه من الإنصاف القول إن إدارة ترامب كانت واضحة في شراكتها مع الرياض. تعاملت معنا كدولة محورية في المنطقة، لا كلاعب تابع أو هامشي…".

بدورها، اشارت صحيفة "القدس العربي" الى أن "السلطة الجديدة في سوريا، التي وضعت دستورًا جديدًا مؤقتًا يضمن الحرية والمساواة بين جميع السوريين لم تفرض سيطرتها على الوضع تمامًا رغم توقيعها اتفاقًا مع "قسد"، مؤكدة أن "سوريا مع كل هذه المحاولات التي تسعى لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية، أو الإدارة الذاتية بدعم إسرائيل التي صرحت بوقاحة وبلغة استعمارية إمبريالية أنها تسعى لتفكيكها أنها في خطر حقيقي يتربص بها لتحويلها لكيانات متناحرة تقضي عليها، وتكون بداية لتفكيك الشرق الأوسط و"إعادة صياغته".

الموضوع السوري أيضًا تطرقت له صحيفة "الغد" الأردنية التي اشارت الى أن "القرارين الأميركي والأوروبي، كانا استجابة لنصائح عربية للطرفين، مفادها أن استمرار العقوبات يعني سقوط الدولة السورية الجديدة في دائرة الفشل، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر أمنية وسياسية على دول المنطقة والجوار الأوروبي والعالم برمته، الذي عانى من تحول سورية لمصنع كبير للكبتاغون والإرهاب"، لافتة الى أن "العرب ومن بعدهم القوى العالمية المؤثرة فعلوا الصواب في التعامل مع الحالة السورية".

من جهتها، ركزت صحيفة "اللواء" اللبنانية على زيارة الرئيس الفلسطيني وتداعياتها "فالسلاح المتفلت في المخيمات يجب أن توضع له نهاية سريعة، في إطار المسار الذي تعتمده الدولة بحصر حمل السلاح مع الأجهزة الأمنية اللبنانية"، موضحة أن "السلاح فقد دوره النضالي، ولم يعد ينفع في موازين القوى المختلة مع العدو الإسرائيلي، فضلاً عن قرار السلطة الجديدة في لبنان الحاسم بمنع إستخدام الأراضي اللبنانية لإطلاق الصواريخ والقذائف بإتجاه الأراضي المحتلة."

(رصد "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن