ثمة تساؤلات مطروحة أهمها: هل تستمر الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو برغم كل ما تواجهه من خلافات وصراعات مستمرة منذ اليوم الأول لأحداث 7 أكتوبر؟ وما هو البديل المطروح، خاصة بعد أن تزايدت حدة الخلافات بين نتنياهو والرئيس الأميركي ليس فقط في مسار التحرك الأميركي، بل فيما ستواجه نتنياهو من تحديات حقيقية للاستمرار؟
ومن أهم هذه التحديات: الأول: أزمة المحاكمة، والتي تؤرق بالفعل نتنياهو في التعامل، خوفاً من أن تؤدي إلى أية تغييرات محتملة في مكونات الائتلاف في الإطاحة به من موقعه وتسريع المحاكمات، خاصة أن هناك تطورات مفصلية في القضايا، واحتمال أن تعمد المحكمة إلى توجيه اتهامات جديدة خاصة وأنه حاول، وما زال يعمل على ربط أي محاكمات بالحرب على غزة، وأن الأولويات لبقاء الدولة، وليس إجراء المحاكمات التي تعطلت كثيراً طوال الأشهر الأخيرة.
الثاني: تربص القضاء بنتنياهو، خاصة أن الرجل نجح في تمرير سلسلة من التشريعات محل الجدال السياسي والحزبي، ما يؤكد أن الأمر يتجاوز خلافاً سياسياً أو حزبياً إلى صراع مكتوم لن يحسم إلا بخروج نتنياهو شخصياً من المنصب، خاصة أن فصل السلطات في إسرائيل واضح، وتحكمه ضوابط ومعايير عدة، لا يمكن التنصل منها، أو الخروج عن تقاليدها، وأن تسيس القضاء صار إشكالية حقيقية قد تهدد بقاء الحكومة.
الثالث: تصاعد حضور حركات الاحتجاج في إسرائيل بصورة لافتة، وتضم عشرات من الشخصيات السياسية والعسكرية والأكاديمية المؤثرة في المجتمع الإسرائيلي، والتي تطالب بوقف الحرب في غزة، والعمل على استعادة المجتمع السياسي والعسكري، وهذه الحركات باتت تمثل صداعاً حقيقياً لحكومة نتنياهو، خاصة أن بعضها انضم لحركة تظاهرات تجري في إسرائيل أسبوعياً.
الرابع: تصاعد مد المعارضة الإسرائيلية في الشارع الإسرائيلي، والتي تشير إلى أن وجود بيني جانتس/ يائير لابيد زعيم المعارضة في الواجهة السياسية مجدداً، سوف يشكل تحدياً لسلطة رئيس الوزراء نتنياهو في الوقت الراهن، وبرغم أن الخلافات ليست كبيرة في موضوع حرب غزة، فإن الصعود الكبير ليائير لابيد تحديداً في الفترة الأخيرة، يمثل أحد الخيارات التي يمكن أن تعلن عن نفسها في الفترة المقبلة حال استمرار حالة التأزم الراهن والمرشح للتصعيد.
الخامس: تحفظ المؤسسة الدينية على إدارة الأوضاع الكبرى في الدولة وأداء نتنياهو شخصياً، وهو ما برز بالفعل في ما يجري من مواقف متعلقة بصراع الداخل ومكونات الائتلاف، وبين ممثلي عناصر المجتمع المدني والعسكري، وبرغم أن التقدير الرئيس الراهن بأن إسرائيل يديرها الحاخامات الكبار إلا أن الواضح أن اسرائيل المدنية ومكونات الائتلاف باتوا يواجهون تحديات حقيقية واعتراضات حتي من الحاخام الأكبر نفسه.
السادس: اعتراضات مكونات الائتلاف الحاكم نفسه على بعض قرارات نتنياهو، ولعل التهديدات المستمرة من أفيجدور ليبرمان ما يشير إلى هذا الأمر، ويؤكده بالفعل ومع استمرار تهديدات وزير المالية سيموستريتش من جانب ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، ما يشير إلى أن مكونات الائتلاف بوضعها الراهن، لا يمكن أن تدوم في حال بقاء كل مقومات الخلاف، إلا أن كل الأطراف التي يتكون منها الائتلاف حريصة على الاستمرار برغم وجود خلافات بالجملة، إلا أن الجميع يريدون عدم المشاركة في تفكيك الائتلاف على الاقل في الوقت الراهن.
السابع : بدء ظهور مراكز القوى في المجتمع الإسرائيلي، والتي تعمل بحسابات كبيرة وتتجاوز الجهات المعلنة إلى مراكز التأثير في المجتمع من عائلات كبيرة اقتصادية تحكم إدارة النمط الاقتصادي، إضافة لبعض الشخصيات الأمنية السابقة، والتي تتعامل انطلاقاً من حسابات محددة ومصالح منضبطة ولا تعمل في سياق معلن، أو تعبر عن حضورها السياسي المعلن، بل تُغذى من حدة الصراع الراهن في المجتمع الإسرائيلي، ولها تأثيراتها الكبيرة القادرة على اسقاط الحكومة.
الثامن : وجود حالة من التردي الاقتصادي وبرغم تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو بأن إسرائيل قادرة على التخلي عن الدعم الاقتصادي إلا أن هذا الأمر اعتبرته القوى الحزبية مجرد هراء، وأن إسرائيل التي تعتبر نفسها في مركز مالي واقتصادي كبير غير قادرة على مواجهة تحديات عديدة، خاصة مع قيام الحكومة بالبدء في سلسلة إجراءات الاقتصادية المرتبطة بالأجور وفرض الضرائب التراكمية ما يشير إلى أن الضغط الاقتصادي قد يكون أيضاً أحد الأمور الدافعة للتغيير في إسرائيل، خاصة أن الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوج فشل في إقرار خطوة للتوافق السياسي.
التاسع : ظهور رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت في المشهد الحزبي مجدداً كبديل جاهز، والرجل شكّل حزباً سيخوض به الانتخابات المقبلة وترى فيه الإدارة الأميركية أنه بديل واقعي، وقد ينضم إلى الوزير في الحكومة الحالية، وكان أحد المرشحين بقوة لخلافة نتنياهو من داخل الليكود قبل استيعابه وقبوله بدخول الحكومة وتوسيه مكوناتها الرئيسة الحالية، والواقع يشير إلى أن بينت يحظى بقبول أميركي لافت وقد يغير المعادلة في أي توقيت.
وأخيراً فإن رؤية الرئيس الأميركي للمشهد الراهن، قد تكون أحد أهم المحركات للتغيير في الحكومة الإسرائيلية، خاصة أن الإدارة الأميركية ترى في شخص نتنياهو- برغم عدم وجود خلافات في أسس العلاقات بين الجانبين- دافعاً إلى التغيير الحقيقي لكيلا تبقى إسرائيل في واقعها السياسي المأزوم، وفي ظل التخوف الأميركي من حدوث حالة من عدم الاستقرار في الداخل.
(الاتحاد الإماراتية)