تشهد سوريا مرحلة جديدة بكل المقاييس بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية التي كانت تحاصرها وتمنعها من معالجة تداعيات الحرب الدموية وآثارها. وتستفيد دمشق اليوم من "الفرصة الذهبية" التي أتيحت لها جراء التحول الكبير في السياسة الغربية والاحتضان العربي، لاسيما الخليجي منه، ناهيك عن الدعم التركي اللامحدود. فمنذ سقوط نظام بشار الاسد كانت أنقرة من أوائل الدول الداعمة للادارة السورية الجديدة وتوفير كل عوامل النجاح لها، الا انها أيضًا ورغم اهتمامها بارساء الامن والاستقرار في البلاد تملك "مفاتيح" مهمة وتسعى لحل ملفات ضخمة تعود بالفائدة عليها، واهمها قضية تسليم وحدات حماية الشعب الكردية سلاحها واندماجها في قوات الأمن السورية الى جانب اهتمامها البارز في نزع سلاح "حزب العمال الكردستاني".
ومن هنا يمكن فهم الزيارة الثالثة، غير المُعلن عنها رسميًا، والتي تمت بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره السوري أحمد الشرع في توقيت شديد الحساسية والاهمية بظل التحولات الجوهرية التي تشهدها دمشق. وضمن السياق، أفاد بيان صادر عن الرئاسة التركية بأن اللقاء تناول جملة من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، في مقدمتها تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا ومسارات التعاون بين البلدين على مستوى الطاقة والدفاع والنقل. هذا وأكد الرئيس أردوغان، خلال المباحثات، أن "أيامًا أكثر إشراقًا وسلامًا" تنتظر سوريا، مشددًا على توفير كل انواع الدعم خلال المرحلة المقبلة.
تزامنًا، برز اللقاء الذي عُقد بين الشرع والسفير الأميركي لدى أنقرة توم باراك بعدما تم تعيينه رسميًا من قبل واشنطن مبعوثًا خاصًا إلى سوريا. وغداة اعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق من المملكة العربية السعودية توالت الخطوات الاميركية، وهو ما أكده باراك الذي نوه الى أهمية "مواصلة العمل المشترك لتطوير الاستثمارات في القطاع الخاص داخل سوريا لإعادة بناء الاقتصاد"، كما أشاد بخطوات الشرع الملموسة "التي اتخذها لتنفيذ توصيات الرئيس ترامب فيما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، والتدابير الرامية إلى مكافحة "داعش" والعلاقات مع إسرائيل، والمخيمات ومراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا". وعليه تقف سوريا المستقبل لا سوريا الاسد أمام منعطف تاريخي وفرصة يمكن ان تستعيد فيها البلاد ازدهارها وتقدمها ما سيكون له تداعيات ايجابية على صعيد المنطقة والعالم.
وأدت الاطاحة ببشار الاسد الى استعادة الدور العربي بعد انحساره وتراجعه نتيجة النفوذ الايراني الذي تغلغل بكل مفاصل البلاد ومؤسساتها الرسمية وحاول تنفيذ "ترانسفير" طائفي مستغلًا الدعم الذي وفره للنظام هناك ليبقى في سدة الحكم ويقضي على كل اشكال المعارضة له. الا ان المعادلة اليوم اختلفت وفتحت دمشق ابوابها لمسار تغييري جديد تشكل فيه القضايا الامنية الاولوية المطلقة خاصة بعد القرار القاضي بدمج جهازي الشرطة والأمن العام في جهاز واحد كما استحداث ادارات جديدة كإدارة لحرس الحدود وإدارة للحماية والأمن الدبلوماسي وتعزيز إدارة مكافحة المخدرات وتطويرها، بحسب ما أعلن عنه المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نورالدين البابا. وتتخذ الادارة الجديدة خطوات جدية وملموسة لاستعادة الامن ما يمكنها من توفير ارضية خصبة لاستقطاب الاستثمارات الاقتصادية من اجل احياء الاقتصاد السوري واطلاق مرحلة اعادة الاعمار.
ورغم ان طريق التعافي في سوريا سيكون طويلًا ومليئًا بالتحديات الا ان الطريق معبدٌ، حتى اللحظة، امام ادارة الشرع. فيما طريق غزة لا يزال محاطًا بالتعقيدات والاشواك بعد سحب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وفده التفاوضي من العاصمة القطرية الدوحة رغم كل الانتقادات الاوروبية ووجود رغبة اميركية لانهاء الحرب، الا ان الاخير يعرقل اي فرصة للتوصل الى اتفاق لوقف النار مدفوعًا برغباته الشخصية ومطامعه بالسيطرة على كامل قطاع غزة وتهجير سكانه نحو دول اخرى مستخدمًا التجويع كورقة مساومة الى جانب تضييق مساحة القطاع وحشر الفلسطينيين في بقع جغرافية ضيقة ناهيك عن توسيع العملية العسكرية بعدما قرر دفع كل ألوية المشاة والمدرعات النظامية إلى القطاع.
في غضون ذلك، تتركز العمليات حاليًا في شمال غزة ومنطقة خان يونس التي تشهد على قصف عنيف وتدمير كل ما تبقى في وقت تتزايد الاصوات المعارضة لاستمرار الحرب في الداخل الاسرائيلي وترتفع وتيرة التظاهرات الداعية لابرام صفقة فورًا تعيد 24 أسيرًا اسرائيليًا لا يزالون، وفق المعطيات، على قيد الحياة. الا ان المسار المُتخذ لا يشي بأي حلحلة ممكنة بعد اتخاذ قرار توسيع عملية "عربات جدعون" لمحاصرة القطاع بالكامل والسيطرة عليه بالتزامن مع تنفيذ خطة اميركية - اسرائيلية جديدة لتوزيع المساعدات عن طريق منظمة تُدعى "مؤسسة غزة الانسانية". وتلقى هذه الخطة معارضة شرسة، بحسب تحقيق لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، حيث اشارت فيه الى أن المنظمات الإنسانية والجهات المانحة المحتملة وكبار الضباط الإسرائيليين شككوا في جدوى مشروع آلية المساعدات، وما إذا كان الهدف منه إعادة احتلال غزة.
فبعد محاصرة "الاونروا" والانقضاض عليها بحجج واهية ساقتها اسرائيل لاستبعادها عن تقديم المساعدات، تشرع تل ابيب اليوم نحو ارساء نظام وآلية جديدة تتوافق مع مساعيها الرامية نحو تهجير الفلسطينيين وهو حلم يتوق اليه نتنياهو. الى ذلك، لا تزال خطوة تعيين اللواء ديفيد زيني رئيسًا لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) تثير غضبًا في الشارع الاسرائيلي خاصة بعد تسريب تصريحات سابقة له قال فيها إنه يعارض إنجاز صفقة تبادل مع حركة "حماس" باعتبار أن الحرب الحالية هي حرب "أبدية". ويحاول رئيس الوزراء الاسرائيلي تعيين شخصيات مقربة منه ومن عائلته تلتزم نفس نهجه وخطه التصعيدي وترفض اي محاولات للتوصل الى هدنة في القطاع المنكوب والمحاصر.
من جهتها، تواجه حركة "حماس" ضغوطًا كبيرة بعد القضاء على كبار قياداتها وشخصياتها وفشل كل المقترحات الايلة لوقف حرب غزة نهائيًا حيث بدأت اوراقها التفاوضية تتقلص وسط عدم وجود رغبة اسرائيلية لانهاء ملف الاسرى المحتجزين لديها. والضغوط على الحركة لا تشمل غزة والضفة الغربية المحتلة فقط بل تمتد الى لبنان بعد وجود قرار صارم وحاسم بنزع سلاح كل الفصائل الفلسطينية من داخل المخيمات وخارجها. وكانت معلومات تحدثت عن ان الخطة التي تم الاتفاق عليها بين الجانب اللبناني والرئيس الفلسطيني محمود عباس ستنطلق بعد عيد الاضحى وستباشر مهامها من بيروت، وتحديدًا من مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس، على ان تنتقل بعدها الى الشمال والبقاع وصولًا الى مخيمات جنوب الليطاني.
هذا الواقع الجديد سيحتم على "حماس" كما الفصائل الفلسطينية التعاطي بطريقة مغايرة عما كانت عليه الاوضاع في السابق خاصة ان الظروف السياسية والاقليمية تعزز السير في هذه الخطة التي تتزامن مع مباحثات لبنانية جدية لسحب سلاح "حزب الله" وتطبيق كامل القرار 1701. هذه المعطيات تأتي بينما تواصل اسرائيل خرق اتفاق وقف النار وتصعيد انتهاكاتها بحجج القضاء على الحزب وقياداته ومخازن اسلحته. أما "حزب الله" فيعمد، من جهته، إلى التعويض عما يمرّ به باستعادة المشهد السياسي الذي توج أمس بالجولة الرابعة والاخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية، والتي تحولت الى اشبه بمعركة استفتاء على شعبيته وقاعدته الجماهيرية. ففيما وافقت معظم القرى والبلدات على التزكية، شهدت اخرى انتخابات لم ترقَ الى مستوى المعارك الحاسمة ضد "الثنائي الشيعي" الذي اعاد ضبط الايقاع.
ومن لبنان الى ايران التي تشهد على استمرار جولات المفاوضات بينها وبين واشنطن بوساطة من سلطنة عُمان. ورغم ان الجانبين يحاولان التشدد بمواقفها واعلاء سقف المواجهة، الا ان ما يُقال في الغرف المغلقة قد لا يعكس حقيقة ما يتم نشره والتداول به. وفي هذا الاطار، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مسؤول اميركي اشارته الى أن ادارة ترامب تدرس إمكانية تعليق بعض العقوبات المفروضة على ايران، موضحًا أن واشنطن عرضت اتفاقًا تمهيديًا تؤكد فيه إيران استعدادها للتخلي عن محاولة حيازة سلاح نووي. اما طهران التي تحبس انفاسها بانتظار ما ستؤول اليه المباحثات الجارية، تحذر من أي تحرك عسكري ضدها وتتوعد بـ"رد مفجع وحاسم وخارج عن نطاق توقعات العدو" وسط تقارير متزايدة في الأيام الأخيرة عن احتمال شنّ إسرائيل هجومًا على المنشآت النووية الإيرانية.
وفي الأحداث الاقليمية، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى فرض عقوبات دولية إضافية على روسيا لإجبارها على القبول بوقف لإطلاق النار، بعد وقوع عدة اصابات جراء هجوم روسي بواسطة مسيرات وصواريخ على العاصمة كييف. وجاء ذلك رغم اعلان وزارة الدفاع الروسية عن إجراء عملية تبادل أسرى جديدة مع الجانب الأوكراني، في إطار اتفاق تم التوصل إليه خلال الاسبوع الماضي في مباحثات إسطنبول. ويؤكد ما يجري ميدانيًا بأن اي اتفاق بين موسكو وكييف لا يزال بعيد المنال، رغم المساعي الاميركية الدؤوبة في هذا الاطار.
ومن المعطيات السياسية والمستجدات الاقليمية إلى الجولة الصباحية على الصحف العربية والتي نرصد فيها:
رفعت صحيفة "الخليج" الاماراتية الصوت عاليًا لجهة ما تتعرض له غزة من تجويع حيث كتبت "المساعدات، التي زعمت إسرائيل دخولها إلى القطاع، لم تصل إلى أهدافها ولم تسدّ رمق الجياع، حيث يتكدّس النازحون في العراء، وتحت خيام مثقلة بغبار القصف والغارات"، منبهة الى ان ما يجري "لا تتحمل وزره إسرائيل وحدها، بل المجتمع الدولي أيضًا، الذي ما زال يدعي العجز عن وقف هذه الإبادة الشنيعة، ولا يتحرك بالسرعة المطلوبة لإيصال المساعدات الإنسانية وتوفير الممرات الآمنة والدائمة لها بما يحفظ أرواح المدنيين المحاصرين، ويصون شرف القانون الدولي الذي انتهكته إسرائيل وعبثت به أيّما عبث".
من جانبها، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "إسرائيل بكل ما تمتلكه من أسلحة ورؤوس نووية لا توجد لغيرها في المنطقة تعمل ليل نهار لتبييض المناطق المحيطة بها من أي سلاح مهما كان متواضعًا"، معتبرة أن "نتنياهو أجاد تضخيم واستغلال عقدة الخوف لدى الإسرائيليين. سمى نفسه "سيد الأمن" فإذا به يهدر أمن الإسرائيليين ويستغل خوفهم مجددًا لتأخير الإجابة عن سؤال متى يشعر الإسرائيليون بالأمان، وماذا عساهم يفعلون أكثر من امتلاك أضخم ترسانة عسكرية يتوجها احتكار السلاح النووي!".
صحيفة "عكاظ" السعودية فنّدت دقة الوضع الذي تواجهه سوريا لجهة التحديات والمخاطر، لكنها قالت "إن الشعب السوري، وقادته الجدد، على درجة عالية من النزاهة والوطنية. الأمر الذي يبعث على شيء من التفاؤل بأن سوريا ستجتاز المرحة الانتقالية بإتقان وسلام"، داعية المجتمع الدولي للضغط على من أسمتهم بـ"الانقلابيين كي يمهدوا لقيام حكومة شرعية، في أقرب فرصة ممكنة، سواءً بمساعدة خارجية، أو بدون هذه المساعدة. وأن يساعدوا الانقلابيين على العمل على دعم استقرار، وأمن، ووحدة دولتهم"، على حدّ تعبيرها.
وفي مقال لافت نشرته صحيفة "الجريدة" الكويتية طالبت فيه بـ "وضع شروط صارمة، ليست اقتصادية فحسب بل سياسية" مقابل تقديم مساعدات الى لبنان. واضافت "يجب عدم تقديم دولار واحد دون نزع سلاح "حزب الله" حتى لا يتهور ويطلق صاروخاً تجاه إسرائيل، كما فعل خلال الـ 25 عاماً الماضية، لتأتي إسرائيل وتدمر كل قدمناه من مساعدات، كما لا يجوز أن تذهب قروضنا ومِنحنا نحو الجنوب حيث الحزب الذي ارتكب كل تلك العمليات الإرهابية بالكويت، والذي كاد يغتال أميرنا الراحل الشيخ جابر، واغتال رئيس وزرائهم"، في اشارة الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
بدورها، لفتت صحيفة "الصباح" العراقية الى أن "الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة انتهت وسط أجواء ضبابية غير واضحة المعالم في آلية الوصول لاتفاق يٌنهي تداعيات الملف الإيراني الشائك والمعقد إقليميًا ودوليًا"، مشددة على أن "المشكلة الحقيقية في كل ذلك انعدام الثقة بين الجانبين ؛ وللأسف لم يقدم الجانبان وحتی الوسيط العُماني ما يعزز الثقة لأنه الأرضية المناسبة لاحتضان أي اقتراح أو برنامج للتوصل لاتفاق بين طهران وواشنطن أو لتقصير المسافة للوصول لهذا الاتفاق العتيد"، وفق كلامها.
(رصد "عروبة 22")