تأتي زيارة الرئيس الايراني مسعود بزشكيان الى سلطنة عُمان في توقيت شديد الحساسية خاصة بعد 5 جولات من المفاوضات بين واشنطن وطهران من اجل التوصل الى اتفاق نووي جديد أسفرت عن تقدّم محدود لكنها لم تحسم الخلافات الجوهرية التي بقيت عالقة بين الطرفين، لاسيما ما يتعلق بالعقدة الرئيسية والمتمثلة بتخصيب اليورانيوم. ففي وقت تؤكد ايران، وعلى لسان كبار مسؤوليها، حقها السيادي في التخصيب وتضعه ضمن "الخطوط الحمراء"، تصرّ ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب على ضرورة حسم هذا الموضوع بما يتوافق مع رؤيتها القاضية بوقف التخصيب بشكل كامل.
وتلعب مسقط دورًا بارزًا في تقريب وجهات النظر وردم الهوة بين الجانبين ومن هنا يأتي مقترحها الاخير الذي يمكن وصفه بـ"الحل الوسط" الذي يرضي البلدين ويخفف من هواجسهما ويمنع المباحثات من الوصول الى طريق مسدود خاصة أن طهران والولايات المتحدة يسعيان، كل وفق مصالحه الخاصة، الى إبرام اتفاق. ومن هنا كان رفض الجانب الاميركي اعتماد الحلول العسكرية بل السعي لفتح خط مفاوضات مباشر مع ايران التي بدورها تلقفت المبادرة "بحذر" بظل ما تمر به على صعيد المنطقة والاقليم بعد تراجع دورها وانحسار نفوذها نتيجة الحرب الاسرائيلية الاخيرة على "حزب الله" والإطاحة بحليفها بشار الاسد في دمشق. دون أن نغفل الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة للسكان نتيجة العقوبات المفروضة على إيران واعادة تفعيل سياسة "الضغوط القصوى" من قبل الرئيس ترامب.
هذا وأتت الزيارة الايرانية تلبية لدعوة عُمانية وجهها السلطان هيثم بن طارق آل سعيد وشهدت الى جانب الملف النووي التطرق الى عدد من القضايا الاقليمية كما العلاقات الثنائيّة بين البلدين، حيث كشف الرئيس بزشكيان أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 2.3 مليار دولار. ولطالما كانت مسقط من أبرز داعمي ايران، حتى في ذروة الضغوط عليها، وشكلت لها الرئة والمتنفس الاقتصادي للتهرّب من العقوبات الدولية والتخفيف من آثارها داخليًا. وبانتظار ما ستحمله الايام المقبلة على الصعيد النووي واذا ما كانت الامور ستتجه نحو المزيد من المرونة او التعقيد والتشدد، تقف طهران عند مفرق طرق، وهي التي لطالما وظفت نفوذها وتغلغلها في منطقة الشرق الاوسط ووضعته كورقة ضغط في اي مفاوضات ولكنها اليوم تعيش على وقع تبدل موازين القوى والتحولات السياسية الضخمة ما يحتم عليها اعتماد مقاربات مختلفة.
المفاوضات الجارية والآمال المعقودة على التوافق الايراني - الاميركي تواكب ما يحصل على الساحة العربية من تطورات خاصة ان ملف غزة يشهد المزيد من التعقيدات على وقع التصعيد العسكري الاسرائيلي والقصف المكثف الذي يحصد يوميًا المزيد من الارواح بظل أوضاع كارثية ترقى الى مستوى الابادة الجماعية والتطهير العرقي. فالحصار المشدّد ووقف المساعدات في اطار المخططات الاسرائيلية الساعية الى تهجير الفلسطينيين بالتزامن مع قصف متعمد للمستشفيات واخراجها عن الخدمة انعكس بشكل مأساوي على سكان القطاع الذين يواجهون الموت قصفًا وجوعًا وحرقًا.
ورغم الانتقادات الواسعة ورفض الأمم المتحدة للخطوات المُعتمدة، باشرت "مؤسسة غزة الانسانية"، المدعومة من الولايات المتحدة، توزيع المساعدات في أول يوم لتطبيق الآلية الاسرائيلية الجديدة بحجة منع وصول الامدادات الانسانية الى حركة "حماس". وقد شهد التوزيع فوضى عارمة بعدما تدافع عدد كبير من السكان ما ادى الى فرار عناصر الشركة الأمنية الأميركية الخاصة التي كانت تشرف على الموقع وفتح القوات الاسرائيلية النيران على الجموع الغفيرة ما ادى الى سقوط شهداء وجرحى. وهذه المشاهد دفعت المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الى تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن "حالة الانهيار الغذائي في غزة، واستخدام المساعدات سلاح حرب وأداة ابتزاز سياسي"، واصفة ما جرى "بالمجزرة الحقيقية وجريمة الحرب المتكاملة الأركان".
أما حركة "حماس"، فاعتبرت أن الآلية الاسرائيلية "تحوّلت إلى فخّ يُعرّض حياة المدنيين للخطر، ويُستغل لفرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة تحت غطاء المساعدات". ومع الفشل الذريع في اليوم الاول للتوزيع تطرح العديد من علامات الاستفهام عما سيكون مصير الغزاويين في ظل الحصار المُطبق من قبل اسرائيل واستخدامها الغذاء والدواء كورقة مساومة. في حين لا تزال مفاوضات وقف النار في حالة من التأرجح وسط محاولات جادة من الوسطاء لتحقيق خرق ما يؤدي الى التوصل لهدنة، ولو مؤقتة. ووفق المعلومات، فقد وافقت "حماس" على مقترح المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف بحسب ما جاء على لسان عضو المكتب السياسي في الحركة باسم نعيم الذي أشار الى أن المقترح "جوهره الوصول إلى وقف الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية، والتأسيس لوقف إطلاق نار دائم، وننتظر رد إسرائيل عليه".
وتعرقل اسرائيل أي فرصة للتوصل الى هدنة خاصة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يبشر في كل تصريح بـ"النصر العسكري" والقضاء على "حماس" واعادة الرهائن رغم انه فشل قي تحقيق ذلك بعد مضي أكثر من عام ونصف على بداية الحرب. ويرفض نتنياهو الاستماع الى مطالب الداخل الاسرائيلي بعدما تعالت الاصوات الداعية لوقف الحرب وابرام صفقة فورًا حيث أفادت صحيفة "هآرتس" بأن ضباطًا وجنود احتياط إسرائيليين وجّهوا رسالة مفتوحة جديدة ضد استمرار القتال في غزة. في وقت كشفت "هيئة البث الاسرائيلية" عن رفض نتنياهو لقاء عائلات الاسرى في غزة الذين جددوا مطالبهم بإقالة وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر من رئاسة فريق التفاوض.
في سياق متصل، ندّدت العديد من الدول العربية بالاستفزازات الاسرائيلية والتي تمثلت باقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وعدد كبير من المستوطنين المسجد الأقصى وعدّته "تصعيدًا إسرائيليًا" وطالبت بوقفه. بينما تتجه الاوضاع في الضفة الغربية الى المزيد من التأزم بعدما صعّدت القوات الاسرائيلية من عملياتها وأغلقت العديد من محلات الصيرفة وصادرت أموالها ونفذت اعتقالات عشوائية واقتحامات في عدد من مدن وبلدات الضفة بالتزامن مع الاعتداءات اليومية للمستوطنين بحماية أمنية. ويأتي ذلك وسط تهديدات من حكومة اليمين المتطرف بفرض السيادة على الضفة، ردًا على انتقادات دول غربية لانتهاكات الاحتلال وتلويح هذه الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية مع اقتراب انعقاد المؤتمر الدولي لـ"حل الدولتين" الذي تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك ما بين 17 و20 حزيران/ يونيو المقبل، برئاسة سعودية - فرنسية مشتركة.
ويمثل التغيّر في المواقف الاوروبية وزيادة انتقاداتها لتوسيع العملية العسكرية في غزة "خطوة ايجابية"، ولكنها لا تزال دون تطبيق فعلي وحشد جهود رسمية للضغط على اسرائيل التي تتفلت من أي عقاب وتعربد في المنطقة دون حسيب او رقيب. وفي الاطار، كشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن مجلس الوزراء الأمني وافق في تصويت سري، الأسبوع الماضي، على إنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية وذلك وفق مشروع قدمه وزيرا الدفاع يسرائيل كاتس والمالية بتسلئيل سموتريتش. ومنذ حرب غزة ارتفعت وتيرة الخطط الاستيطانية الهادفة نحو تهجير المزيد من الفلسطينيين والاستيلاء على ممتلكاتهم وأرزاقهم.
الى ذلك، كان بارزًا ما نقلته وكالة "رويترز" عن 5 مصادر مطلعة بأن إسرائيل وسوريا أجرتا خلال الأسابيع القليلة الماضية لقاءاتٍ مباشرةً وجهًا لوجه، بهدف احتواء التوتر والحيلولة دون اندلاع صراع في المنطقة الحدودية بين الجانبين. وأفادت المصادر بأن الاتصالات تجري بقيادة المسؤول الأمني الكبير أحمد الدالاتي، الذي تم تعيينه بعد الإطاحة بالأسد محافظًا للقنيطرة المتاخمة لهضبة الجولان. وتمثل هذه الاتصالات، في حال صحة المعلومات الواردة، تطورًا كبيرًا في العلاقات بين الجانبين خاصة بعد رفع العقوبات الاميركية وتشجيع واشنطن على فتح خطوط للتواصل مع الجانب الاسرائيلي الذي لا يدخر اي فرصة من أجل قصف سوريا واثارة القلاقل وتحريض الأقليات وتوسيع المنطقة العازلة ناهيك عن الاعتداءات والتوغلات البرية.
هذه التغيرات تأتي على وقع اعلان الرئيس أحمد الشرع بدء معركة "البناء والتنمية" بعد "انتهاء الحرب ضد الطغاة"، داعيًا، من مدينة حلب، السوريين إلى العمل بجد واستثمار هذه المرحلة لتحقيق مستقبل مزدهر لإعادة بناء سوريا من جديد. ويمثل رفع العقوبات الاميركية والاوروبية والاحتضان الخليجي والتركي الواسع للادارة السورية الجديدة فرصة ذهبية لدمشق للانطلاق نحو اعادة اعمار ما هدمته الحرب واستقطاب المشاريع الاستثمارية والاقتصادية. من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، عن توجيه دعوة رسمية إلى نظيره السوري أسعد الشيباني لزيارة موسكو. وقال لافروف إن الجانب التركي "قدم اقتراحًا كريمًا باستضافة الشيباني وبحث كل الملفات معه". وتشكل هذه الدعوة المفاجئة خطوة جديدة من جانب موسكو التي وفرت للرئيس السوري السابق بشار الاسد وأفراد عائلته ملاذًا آمنًا للهروب بعد الاطاحة بنظامه.
على الصعيد الدولي، تتسع الفجوة بين واشنطن وموسكو على خلفية الحرب الاوكرانية وتصعيد القوات الروسية لهجماتها على طول جبهة الحرب، اذ افادت صحيفة "واشنطن بوست" نقلًا عن مصدر دبلوماسي إن وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين تعدان حزم عقوبات محتملة ضد روسيا. وكان الرئيس ترامب اتهم نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "يلعب بالنار"، وأضاف "ما لا يدركه بوتين هو أنه لولا وجوده (ترامب) لكانت روسيا قد شهدت بالفعل أحداثًا سيئة للغاية". يُشار الى أن أنقرة تحاول عقد جولة جديدة من المفاوضات بعد اللقاء الذي عُقد في اسطنبول الأسبوع الماضي، وقد أشارت معلومات الى أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي يزور موسكو منذ الاثنين، ينوي التوجُّه إلى كييف لبحث تطورات الاوضاع.
وقد انعكست هذه المستجدات العربية والدولية على عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم والتي ركزت على:
أكدت صحيفة "الوطن" العُمانية أن زيارة الرئيس الايراني لمسقط "تعكس الكثير من المضامين وتحمل العديد من المعاني.. فقد تبدو من حيث الشكل استمرارًا للعلاقات الثنائية القوية بين البلدين، لكنها تحمل أكثر بكثير من مجرد لقاءات دبلوماسية عادية؛ كون توقيتها لا يُمكن تجاهله حيث جاء في لحظات إقليميّة بالغة الحساسية وسط مشهد جيوسياسي متغيِّر، وحرب في غزة تجاوزت كل الخطوط الحمراء وصراع إقليمي يتطور بسرعة"، داعية الى "تعاون دولي لإحلال السلم والاستقرار في كل مكان فنحن في زمان أحوج ما نكون فيه للاستماع لصوت العقل وتفادي الانفعال والتصلب في الرأي".
من جانبها، تناولت صحيفة "الراي" الكويتية ملف سحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات وخارجها في لبنان، ونقلت عن مصادر اشارتها الى أن "الرئيس جوزاف عون يُبْدي حرصًا على معالجة قضية سلاح المخيمات بهدوء ومسؤولية، رغم كل الضجيج الإعلامي، تماماً كما يقارب ملف سلاح "حزب الله" في لبنان، أي بالحوار والتفاهم ومن دون الجنوح إلى نزْعه بالقوة، وذلك في محاولةٍ لإنجاح الاتفاق دون أي عراقيل أو توتير أمني يعوق مسيرة العهد الجديد في لبنان".
ورأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ الثورة السورية في 2011، وحتى نهاية حكم بشار الأسد لم تكن لديها استراتيجية ثابتة بشأن سوريا، حيث تغيرت الأهداف الأميركية على مدى تلك السنوات"، لافتة الى أن هناك من يطالب "بأن يكون لاميركا تأثير على دمشق دون الانخراط في تفاصيل الملفات السورية، ويطالب هذا الرأي بتقييم مواقف دمشق (خطوة خطوة) بعد رفع العقوبات وردها على المطالبات الأميركية بالتخلص من المقاتلين الأجانب، وتحجيم النفوذ الإيراني ومنع عودة داعش، والتطبيع مع إسرائيل!".
في الشأن الفلسطيني، اعتبرت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "مصلحة الرئيس الأميركي تتعارض، مع مصلحة رئيس حكومة المستعمرة (بنيامين) نتنياهو، بشأن وقف العدوان والحرب ووقف إطلاق النار في قطاع غزة". وقالت "المعركة العسكرية على الأرض، وفي الميدان لم تحسم لصالح أي طرف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالإسرائيلي أخفق وفشل ولكنه لم يُهزم بعد، والفلسطيني صمد ولكنه لم ينتصر بعد، وقد انعكس ذلك على شكل المفاوضات ومضامينها وتعقيداتها"، على حدّ تعبيرها.
بدورها، شددت صحيفة "الغد" الأردنية على أن "المسجد الاقصى امام خطر كبير، خصوصًا، مع السكوت العربي والدولي، على المستوى الرسمي والشعبي، وتعامي المجتمع الغربي، وتشظي الوجود الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية بعد الارهاق الامني الذي تم ايقاعه على الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948، والتنكيل اليومي بحق اهل القدس". وخلصت للقول "نحن امام تطورات سياسة خطيرة جدًا داخل الحرم القدسي، وهي تختلف عن كل الفترات السابقة، بما يعني اننا ندخل مرحلة مختلفة جدًا بخصوص المسجد الاقصى".
الموضوع عينه ركزت عليه صحيفة "القدس العربي" التي نبهت الى أن "الاقتحامات الإسرائيلية لباحات الأقصى تبقى جبهة إيديولوجية تستهدف على الدوام تضخيم المرجعيات التوراتية في قلب العقيدة الصهيونية، وإبقاء الأبعاد الدينية ماثلة على الدوام أمام أعين الصهاينة". واضافت "تستهدف اسرائيل تحويل ذريعة الشعائر الدينية إلى أداة لمزيد من عمليات تهويد القدس، وتغيير الواقع الزماني والمكاني للأقصى خصوصًا، إلى جانب إضفاء الصبغة التوراتية على مصادرة الأراضي والاحتلال وتعزيز الاستيطان".
(رصد "عروبة 22")