قضايا العرب

"الاتحاد المغاربي".. عندما تُخرّب السياسة علاقات العرب ومصالحهم!

الرباط - حسن الأشرف

المشاركة

فرص تنموية ضخمة مُهدرة بشكل فادح تلك التي تنجم عن غياب التنسيق والتعاون بين البلدان الخمسة المشكلة لدول "الاتحاد المغاربي"، أو "اتحاد المغرب العربي"، وهي: المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، والذي تأسّس في شباط/ في فبراير 1989 بمدينة مراكش جنوب المغرب.

كانت الآمال عريضة في ذلك اليوم عندما تعانق الزعماء الخمسة في تلك الفترة: الملك الراحل الحسن الثاني، والرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.

وبعد تلك الصورة الشهيرة التي جمعت القادة الخمسة لاتحاد المغرب العربي منذ 34 عامًا، تعاظمت الآمال في تشكيل تكتل وحدوي يضاهي التكتلات القوية في العالم، وبالخصوص الاتحاد الأوروبي، غير أن واقع الخلافات السياسية على وجه الخصوص أجهضت كل تلك الآمال، وبدّدت فرصًا تنموية واقتصادية هائلة كان بالإمكان استغلالها بأفضل شكل متاح.

ضياع الفرص الاقتصادية

يقول في هذا السياق الخبير الاقتصادي في مركز "السياسات من أجل الجنوب الجديد" وأستاذ المناهج الكمية والاقتصاد الاجتماعي، عمر إيبورك، لمنصة "عروبة 22" إنّ "منطقة الاتحاد المغاربي تزخر بإمكانات بشرية اقتصادية كبيرة، إلا أنّ الافتقار إلى الوحدة السياسية والصراعات الداخلية بين بعض الدول أعاقت تحقيق هذه الفرص وتطوير التعاون الاقتصادي الواعد"، موردًا أنه "لإحداث تغيير إيجابي وتعزيز التنمية المستدامة، من الضروري معالجة الفرص الضائعة الناتجة عن التكامل غير المستغل بين التوازنات التجارية والتوقعات الاقتصادية لهذه البلدان".

من حيث الإمكانات البشرية، يكمل إيبورك، بلغ عدد مجموع سكان المنطقة في عام 2020 حوالى 102.1 مليون نسمة، وكانت الجزائر الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان، حيث بلغ عدد سكانها 41.5 مليون نسمة، تليها المغرب بـ34.9 مليون نسمة، ورغم ذلك يكمن مصدر قلق كبير في معدلات البطالة، حيث سجلت ليبيا أعلى معدل عند 18.7٪، تليها موريتانيا بنسبة 22.8٪، وتشكّل معدلات بطالة الشباب مصدر قلق بشكل خاص، حيث تصل إلى 45.2٪ في ليبيا و36.8٪ في تونس.

التكامل الاقتصادي يشكل فرصة ذهبية لتعزيز التجارة الحرة وزيادة فرص الاستثمار المشترك

واسترسل الخبير الاقتصادي "الافتقار إلى الوحدة السياسية والصراعات بين بعض الدول أعاق تحقيق هذه الفرص وتطوير التعاون الاقتصادي الواعد، فبناءً على دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، كان التكامل بين بلدان المنطقة ليساهم في تحسين توزيع الموارد وزيادة إنتاجية العوامل، وتبادل البضائع والنمو والوظائف، فيما تشير عدة تقديرات إلى أنّ النمو في المدى الطويل كان ليكون أعلى بنسبة 1٪ في كل من بلدان المنطقة.

واستطرد المحلّل الاقتصادي بأنّ "توفر الموارد الطبيعية الوفيرة في المنطقة والسكان المهرة يشكلان أساسًا قويًا للنمو الاقتصادي، ومع ذلك فقد أعاقت الخلافات السياسية التعاون الكامل والاستخدام الأمثل لهذه الأصول الحيوية"، متابعًا بأنّ "التكامل الاقتصادي يشكل فرصة ذهبية لتعزيز التجارة الحرة بين الدول الأعضاء وزيادة فرص الاستثمار المشترك، لكنه هدف لا يزال بعيد المنال بسبب التوترات السياسية".

ويرى إيبورك أنّ "تسخير الإمكانات الاقتصادية الكاملة للاتحاد المغاربي يستدعي تعاونًا مكثفًا بين الدول الأعضاء فيه، حيث إنه من خلال تنفيذ التخطيط الفعال والشراكات البناءة، يمكن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، مما يؤدي إلى تحقيق الرخاء للمواطنين والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة بأكملها.

المغرب والجزائر... "قطيعة رحم"

ضياع الفرص ليس اقتصاديًا وتنمويًا فقط، بل يطال المجتمع والشعوب والمعيش اليومي أيضًا، فالخلافات السياسية الواقعة خصوصًا بين المغرب والجزائر بسبب نزاع الصحراء، والتي وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية بين البلدين الجارين، أفضت إلى مشاكل اجتماعية وحضارية ونفسية بالجملة بين شعوب هذه البلدان، سيما بين الشعبين المغربي والجزائري.

تقول الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير في هذا السياق لمنصة "عروبة 22"، إنّ ضريبة الفرقة وعدم الانسجام بين صنّاع القرار السياسي في البلدان الخمسة ينعكس سلبًا على الطبائع الاجتماعية والعلاقات السوسيولوجية بين الشعوب المغاربية.

نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يخلقون أجواء من الاحتقان النفسي بين الشعبين الجارين

ووفق الباحثة الاجتماعية ذاتها، فإنّ "ما يجري خصوصًا بين الشعبين المغربي والجزائري يجسّد بشكل واضح حالة التشرذم في الفضاء المغاربي، وبين البلدين الجارين"، مشيرةً في هذا الصدد إلى أمرين يظهران الضريبة الاجتماعية لعدم التوحّد والانسجام المغاربي، الأمر الأول، يتمثل في "قطع صلات الرحم" بسبب الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر على وجه التحديد، فكثير من العائلات في المغرب والجزائر على السواء تجمعها علاقات مصاهرة لا تستطيع اللقاء بينها إلا بمشقّة وعسر.

نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين معًا، إذ تنتشر عبارات السبّ والشتم والتحقير من كل طرف للطرف الثاني، الشيء الذي يخلق أجواء من الاحتقان النفسي بين شعبين جارين

وتشرح "بسبب الحدود البرية المغلقة منذ سنوات عديدة، تضطر هذه الأسر المترابطة برابطة الدم والمصاهرة لأخذ رحلات جوية مكلفة من مطار الدار البيضاء للوصول إلى وهران الجزائرية، وهي مشاق تدفع العديد من هذه العائلات إلى الكفّ عن اللقاء المباشر، فتنقطع الصلات الأسرية والاجتماعية".

وأما المظهر الثاني، تردف العوفير، فيتجسّد في "العلاقات المتوترة بشكل لافت بين العديد من رواد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين معًا، إذ تنتشر عبارات السبّ والشتم والتحقير من كل طرف للطرف الثاني، الشيء الذي يخلق أجواء من الاحتقان النفسي بين شعبين جارين".

3 مداخل التعاون

ومن جهته يحدّد الدكتور إدريس لكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي (هيئة مدنية)، في تصريحه لمنصة "عروبة 22"، ثلاثة مداخل رئيسية لتحقيق التعاون والتنسيق على المستوى الاقتصادي والإستراتيجي، وكسب رهانات التنمية بدل تكريس واقع الخلافات والجمود التنموي.

أوّل مدخل، وفق لكريني، هو "استحضار التجارب الدولية الرائدة مثل تجربة الاتحاد الأوروبي التي استطاعت دولها تحويل مظاهر الصراعات والحروب والأحقاد التي استمرت قرونًا من الزمن، وسبّبت المعاناة والدمار، إلى فرص لإرساء السلام والتنمية المستدامة وتعزيز التعاون الاقتصادي، والتحرّك تدريجيًا لكسب رهانات كانت في صالح الشعوب الأوروبية، وترسيخ التنمية داخل هذا الفضاء، ما جعلها تترك خلفها ذكريات الحروب والمآسي لتنفتح على المستقبل بكل فرصه وتحدياته".

والمدخل الثاني، يواصل الأستاذ الجامعي ذاته، يتمثل في "ضرورة استيعاب حجم التهديدات والمخاطر التي تواجه المنطقة برمتها، مثل التهديدات الأمنية المتزايدة، وتنامي التكتلات في عالم اليوم، والتي تحيل إلى عدم كفاية التحرك في إطارات قُطرية ضيقة في سياق ما يشهده العالم من تحولات وتغيّرات وتموقعات تؤشر إلى بوادر نظام دولي جديد قد تلعب فيه كل من روسيا والصين أدوارًا طلائعية في المستقبل".

الديمقراطية هي الكفيلة بإفراز نخب واعية وقادرة على التطلّع إلى منطقة بلا حدود ولا قيود

ويشدّد لكريني في هذا الصدد على "أهمية وحتمية الاستعداد للعمل الجماعي الذي يتيح الاضطلاع بأدوار ووظائف تواجه التكتل الأوروبي المهيمن، والذي ينفرد بالدول المغاربية، كل دولة على حدة، في قضايا مصيرية وحيوية، من قبيل ملفات الهجرة غير النظامية ومحاربة الجريمة العابرة للحدود ومكافحة التطرف والإرهاب، والتنسيق الأمني وغيره من القضايا".

وزاد لكريني مدخلا ثالثًا يتمثّل في "بناء المؤسسات وتعزيز الممارسة الديمقراطية، باعتبار أنّ الديمقراطية هي الكفيلة بإفراز نخب واعية بكل التحديات التي تحيط بالمنطقة، ونخب قادرة على ترجمة الشعور المغاربي بالتقارب والتواصل، والتطلّع إلى منطقة بلا حدود ولا قيود، قوامها التواصل والتعاون واحترام المشترك الحضاري والثقافي".

وخلص لكريني إلى أنّ "الانكباب على إصلاحات سياسية بإمكانه أن ينعكس إيجابًا على الإطار المنظّم لاتحاد المغرب العربي بصورة يكون فيها أكثر استقلاليةً وأكثر قدرةً على المبادرة والتواصل البنّاء، الذي لن يكون إلا في صالح المنطقة وشعوبها، بعيدًا عن الخلافات المصطنعة، وبعيدًا عن كل ما من شأنه أن يكرّس الفرقة بين هذه الدول".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن