العرب وطموح الوحدة

عاهل المغرب يُجدّد الأمل في "الاتحاد المغاربي"!

يتبنّى عاهل المغرب الملك محمد السادس خطابًا سياسيًا مُعتدلًا في علاقات بلاده بالدول الجارة، ولا يُفوّت فرصةً إلّا ويعيد التأكيد على مبادئ خطابه السياسي المعتدل، الذي من طول تكراره يبدو وكأنّه سياسة مغربية استمرّت حتى استقرّت.

عاهل المغرب يُجدّد الأمل في

ليس هناك ما هو أنسب من ذكرى "عيد الجلوس" ليعود فيها محمد السادس إلى ما سبق تأكيده، وهذا ما جرى في احتفال "عيد الجلوس" الأخير الذي حلّ في الثلاثين من يوليو/تموز، فلقد اعتلى الملك عرش بلاده في مثل هذا اليوم من عام 1999.

الاتحاد المغاربي لا يمكن أن يقوم وينجح إلّا إذا انخرطت فيه المغرب والجزائر معًا

وعلى الرَّغم من أنّ الحدود المباشرة للمغرب هي مع الجزائر وموريتانيا فقط، إلا أنّ الخطاب السياسي المغربي يفتح القوس على آخره، ليمتدّ إلى دول "الاتحاد المغاربي" الذي يضمّ إلى جانب المغرب والجزائر وموريتانيا كلًّا من ليبيا وتونس. ففي يومٍ من الأيام، كان اتحادٌ قد قام بين الدول الخمس، وكان اسمه "الاتحاد المغاربي"، وكانت نشأته في فبراير/شباط 1989 في مدينة مراكش المغربية، وكان مقرّه في العاصمة الرّباط، وكان الأمل أن يتطوّر من اتحادٍ الى وحدة، ثمّ إلى ما هو أبعد من الوحدة، ولكنّه تعثّر وما لبث أن تناثرت حبّاته فلم يعد له وجود.

وفي الذكرى السادسة والعشرين لـ"عيد الجلوس" المغربي، عاد محمد السادس إلى الموضوع من جديد، وقال إنّ بلاده حريصة على الاتحاد المغاربي، وإنّ اتحادًا بهذا المسمّى لا يمكن أن يقوم، فضلًا عن أن ينجح، إلّا إذا انخرطت فيه المغرب والجزائر معًا.

والحقيقة أنّ كل العوامل تقول إنّ اتحادًا كهذا لا بدّ أن يقوم، وألّا يتأخر، وأن تصادف دعوة ملك المغرب الاستجابة الواجبة، ليس في الجزائر وحدها، وإنّما أيضًا في تونس، وفي ليبيا، وفي موريتانيا، وأن تجد الدعوة صداها اليوم لا الغد. من بين العوامل التي ستُسعف الاتحاد إذا أرادت له الدول الخمس أن يقوم، أنّه قام بالفعل من قبل، ولذلك، فالعودة سوف تكون بناءً على ما تمّ، وإحياؤه لن يستغرق الجهد الذي يتطلّبه إنشاء اتحاد للمرة الأولى. هذه واحدة! والثانية أنّ ما يجمع بين الدول الخمس أكثر ممّا يفرّق، فهي تمتد على شاطئ متوسطي واحد من شرق ليبيا إلى غرب المغرب، فإذا امتلك المغرب شاطئًا مُضافًا على المحيط الأطلنطي ومعه موريتانيا، فهذا الشاطئ هو امتداد لشاطئ المتوسط وليس انقطاعًا عنه، لأنّ الشاطئَيْن يتصلان عند مدينة طنجة المغربية ولا ينقطعان.

التقارب الاقتصادي قائم بين دول الاتحاد المغاربي

وبخلاف الشاطئ الواحد الممتدّ، تتقارب مستويات المعيشة بين الدول الخمس ولا تتباعد، وبالطبع فهي ليست متطابقةً ولا متماثلةً، ولكنها قريبة من بعضها البعض، حتى ولو كانت دولتان من دول الاتحاد كالجزائر وليبيا مُنتجتَيْن للغاز والنفط بكثرة. فليست هناك فروق بعيدة بين مستوى معيشة المواطن في المغرب عنه في الجزائر، ثم في تونس، أو في موريتانيا، أو في ليبيا. كذلك الأمر فيما يتّصل بأعداد السكان، إذ لا يمكن القول إنّ دولةً من دول الاتحاد تعاني اكتظاظًا في عدد سكانها، بالمقارنة بدولةٍ أخرى تعاني الندرة.

إنّ أوّل شرط بين شروط نجاح أي تجمّع اقتصادي، أن تتقارب الدول الأعضاء فيه على المستوى الاقتصادي بالذات، وهذا التقارب تجده قائمًا بين دول الاتحاد المغاربي الخمس، وإذا كانت دولة من أعضائه هي موريتانيا قد عانت من شُحّ الموارد الطبيعية لديها لفترة فعاشت على التعدين والصيد وحدهما، فالأخبار الواردة منها تقول إنها على وشك أن تدخل سوق الغاز عالميًا، وأن تكون دولةً منتجةً له بكثرة، وأن يعود ذلك بالضرورة على حياة الناس في عاصمتها نواكشوط.

لا يوجد سبب يجعل "المغاربي" يتعثّر و"الخليجي" يربح

وإذا كان هناك عائق أمام الاتحاد المغاربي، فهذا العائق هو الخلاف الذي تعتمده الجزائر في سياستها الخارجية مع المغرب حول إقليم الصحراء. وعندما خطب محمد السادس في ذكرى "عيد الجلوس" السادسة والعشرين، فإنّه عاد لينتهج من جديد سياسة اليد الممدودة إلى الجزائريين في شأن هذا الإقليم بالذّات. ومن حُسن الحظ أنّ تبعيّة الإقليم للمغرب تكتسب مؤيدين وداعمين مُضافين في كلّ يوم، وهذا ما سوف يجعل من مبدأ "الحكم الذاتي" الذي يتبنّاه المغرب تجاه الإقليم حصانًا رابحًا في آخر المشوار.

تتوافر للاتحاد المغاربي من العناصر اليوم ما توافر منها لمجلس التعاون الخليجي في الأمس، ولا يوجد سبب يجعل "المغاربي" يتعثّر و"الخليجي" يربح، ولو أنصف المغاربيون أنفسهم لاستمعوا إلى صوت المغرب الداعي دائمًا إلى إحياء الاتحاد، والحريص عليه، والمُدرك لضرورته بالنسبة للمغاربيين في الإجمال.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن