ليبيا تنتظر ميلاد حكومة جديدة أو الفوضى!"الدبيبة" في مهبّ التفاهمات المصرية - التركية

دخلت الأزمة الليبيّة مرحلةً جديدةً من التسويف والمُماطلة، بطرح فكرة تشكيل حكومة جديدة، بدعوى إنهاء الانقسام السياسي الراهن، على حساب البحث عن حلٍّ حقيقيّ يُنهي معاناة الشعب من تلك الفوضى العارمة، التي اكتسحت البلاد على مدى السنوات الـ14 الماضية.

ليبيا تنتظر ميلاد حكومة جديدة أو الفوضى!

بينما طرحت البعثة الأممية، ما وصفته بخياراتٍ سليمةٍ فنيًّا وقابلةً للتنفيذ لحلّ الخلافات، التي تُعرقل إجراء الانتخابات المؤجلة، سارع مجلس النواب، الذي يَعتبر نفسه صاحب السلطة التشريعية والوحيدة في البلاد، وولي أمر أي حكومة قديمة أو جديدة، لإجهاض هذا المسار عبر تشكيل حكومةٍ جديدة، تحلّ محل حكومتَي "الوحدة" المؤقتة في المنطقة الغربية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وغريمتها "الاستقرار" الموازية في المنطقة الشرقية برئاسة أسامة حمّاد. وشرع البرلمان بقيادة عقيلة صالح، في دراسة ملفّات المرشحين لحكومةٍ، قد لا ترى بالضرورة النّور أبدًا، بسبب انقسام النواب وتكالُبهم على الترشّح للمنصب، مقابل تمسك الدبيبة بالبقاء.

لا تعكس هذه المناورات السياسية، حقيقة الوضع الأمني والعسكري المُتدهور في العاصمة طرابلس، بعدما أعيد مُجدّدًا رسم خريطة تواجد ميليشياتها المُسلّحة، بسيطرة "اللواء 444"، بقيادة محمود حمزة رئيس الاستخبارات العسكرية في حكومة الوحدة، على مواقع تابعةٍ لجهاز "دعم الاستقرار"، في منطقة أبو سليم جنوب غرب العاصمة طرابلس.

وتُعدّ السيطرة على هذه المنطقة التي شهدت مؤخّرًا اشتباكاتٍ داميةً، عقب مقتل عبد الغني الككلي رئيس "جهاز الدعم"، مؤشرًا إلى ميزان القوى العسكرية، وموقعها الاستراتيجي وأهميتها الجغرافية والأمنية القريبة من وسط طرابلس، وكونها تُمثّل بوابةً نحو أحياء أخرى عدّة.

لهذا يُنظر إلى مقتل الككلي، الذي كان وللمفارقة، أحد أبرز قادة الميليشيات في المدينة، التي يعتمد عليها الدبيبة في تثبيت حكومته، على أنّه بمثابة تغيير كبير في موازين القوى لصالح الدبيبة، المُتحالف مع تركيا.

بيد أنّ ما حدث فاقم النّفوذ التركي وعزّز قبضة الدبيبة، على السلطة التي يتولّاها منذ عام 2021 بدعمٍ من عملية السلام، النّاتجة عن حوار جنيف برعايةٍ أممية.

وتُرسّخ هذه الجولة من القتال، التي أسفرت عن تبادُل تحشيدات عسكرية، تُنبئ بحربٍ طاحنةٍ مقبلةٍ، من سيطرة حكومة الوحدة على العاصمة، وتُعزّز الانقسام السياسي الأوسع في البلاد.

وعلى هذا، فإنّ ثمّة حربًا أخرى مقبلة وأكثر شراسةً ستندلع في طرابلس، لإعادة تشكيل المشهد الأمني، حيث ترفض ميليشيا "قوة الرّدع"، بقيادة الشيخ الملازم عبد الرؤوف كارة، تمدّد النفوذ التركي، خصوصًا بعدما تصدّت لمحاولة سيطرة اللواء 444 على مناطق خاضعة لها.

صراع الصلاحيات

في متاهة المعارك الكلاميّة، نصَّب محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، نفسَه وليًّا على الحكومة الجديدة، مُعتبرًا أنّ تسمية رئيسها هو اختصاص رئاسي فقط.

تنازع الاختصاصات مستمرّ كمعركةٍ علنيةٍ مفتوحةٍ بين "الرئاسي" والنّواب، على الرَّغم من تهديد الجمود السياسي لوحدة ليبيا وسلامة أراضيها، ومصداقية جميع المؤسّسات وشرعيتها.

فصَلت اللجنة الاستشارية الأممية، الانتخابات البرلمانية عن الرئاسية، لكنّها منحت كلّ الموجودين في المشهد السياسي الحالي عامَيْن إضافيَيْن من دون تغيير، ممّا يتعارض مع مطالب الشارع الليبي.

من بين الألغاز التي طرحتها هذه اللجنة، الحديث عن السّماح بإجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ لاحقةٍ في حال فشل الفائز في التخلّي عن الجنسية الثانية، مما قد يؤدّي إلى دوّامةٍ جديدةٍ من الفوضى.

كما تجاهلت اللجنة آليات تأمين الانتخابات، بما في ذلك تحديد القوات الأمنية والعسكرية، التي ستحميها وصناديق الاقتراع.

غضب الشارع

في الواقع، تعني مُهلة عامَيْن إضافيَيْن للأجسام السياسية الحالية (مثل حكومة الوحدة ومجلس الدولة في طرابلس، ومجلس النواب في طبرق)، استمرار الوضع الراهن والاصطدم المُباشر بمطالِب الشارع بحلٍّ سريعٍ للأزمة السياسية وإجراء انتخاباتٍ فورية.

باعتراف المبعوثة الأممية هانا تيتيه، فإنّ استمرار الاعتراف الدولي بحكومة الوحدة، على الرّغم من انتهاء ولايتها وما تواجهه من احتجاجاتٍ شعبيةٍ داخل طرابلس وغرب البلاد، لا يجعل الوضع مثاليًا.

وفيما كان يُفترض أن تؤدّيَ التفاهمات، التي أنهت الخلافات الحادّة بين مصر وتركيا منذ 2013، إلى عمليةٍ سياسيةٍ، تحافظ على أمن واستقرار وسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية، فقد تزايد النفوذ التركي في طرابلس، حيث تدعم أنقرة حكومة الدبيبة عسكريًا وسياسيًا.

وخلافًا لترويج أنقرة، لإيجابية التأثّر الاقليمي بتحسّن العلاقات مع القاهرة، فلم يتغيّر واقع الهيمنة التركية، بل ربّما منحها شرعيةً غير مباشرة.

وللمفارقة، فقد سجّل نائب رئيس جهاز المخابرات التركية، جمال الدين تشاليك، نفسه كأوّل مسؤول دولي يزور طرابلس بعد معاركها، بينما أبلغ اللواء حسن رشاد، رئيس المخابرات المصرية، رئيس مجلس النواب الليبي في القاهرة، دعم الحلّ الليبي التوافقي، وتقليل التدخلات الخارجية!.

بدا أنّ مصر، المحتفظة بتواصلٍ غير مباشرٍ مع حكومة الدبيبة عبر تركيا، وبموطئ قدمٍ في طرابلس، من دون التخلّي عن دعم الجيش الوطني بقيادة المُشير خليفة حفتر في الشرق، قد خفّضت سقف خطّها الأحمر المتعلّق بوجود تركيا العسكري في ليبيا.

وفي كل الأحوال، يتعيّن على نحو 2.8 مليون ناخب، عدم انتظار اجراء الانتخابات، على الأقل في غضون العامَيْن المقبلَيْن، بينما يواصل الدبيبة بقاءه في السلطة، متحدّيًا الغضب الشعبي، ومعتمدًا على قوّة السلاح واعترافٍ دوليّ ودعمٍ تركي إلى أجلٍ غير مسمّى!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن