اختُتمت في جوهانسبرغ قمة مجموعة دول البريكس باتخاذ قرارات مصيرية تلخّص التحولات الجيوسياسية في عالم ما بعد كورونا وحرب أوكرانيا.
في البيان الختامي للقمة اتخذ قرار توسعة المجموعة بانضمام ست دول هي الإمارات، والسعودية، ومصر، وإيران، والأرجنتين، وإثيوبيا. وكان للقارة الإفريقية حصة الأسد في المناقشات والمواقف والقرارات بانضمام كل من مصر وأثيوبيا إلى المجموعة. ففي بيان صحفي أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين أنّ هذا الاجتماع سيركز على تعميق الشراكة بين دول بريكس وإفريقيا، وتعزيز النمو المتبادل، وتحقيق التنمية المستدامة، وتقوية الشمولية والتعددية. ونوّه وانغ بأن الأطراف ستتبادل وجهات النظر حول القضايا الدولية المهمة، وسبل تعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون الدولية، وتحقيق الاستقرار ونشر الطاقة الإيجابية في العالم.
السؤال الذي يُطرح في هذا المقام، يدور حول اهتمام الأفارقة بتعميق الشراكة مع دول البريكس. وهنا تأتي الإجابة صريحة من دول القارة التي تتنامى فيها المشاعر المعادية للهيمنة الغربية، فكثير من دول إفريقيا التي تذهب «دون أي غياب» إلى لقاءات الشراكة الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا، تطلب رسمياً الانضمام إلى مجموعة البريكس.
كما بات واضحاً أن معظم الدول العربية باتت معنية وبقوة بتعميق الشراكة مع المجموعة الاقتصادية الأولى في العالم، وهي دول لها من التنوع الاقتصادي والمواقع الاستراتيجية ما يجعلها قادرة على أن تتحول إلى أقطاب اقتصادية ضخمة إذا ما فتحت الشراكات مع البريكس وخاصة إذا ما تم اعتماد نظام العملة الجديدة التي ستكون هي عملة التعامل الرسمية بين الدول الأعضاء أو الدول الشريكة، أو اعتماد خيار التبادل بالعملات الوطنية بديلاً عن الدولار، وهذا أمر أكده الرئيس الروسي بوتين الذي قال في افتتاح القمة إنّ خيار التخلص من الدولار في التسويات بين دول بريكس عملية لا رجعة فيها.
القمة، يقف على أبوابها 23 دولة أعلنت صراحة الرغبة في الانضمام، وقد انضم منها ست دول، ثلاث منها عربية ذات ثقل اقتصادي ضخم على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر. وكلها ترنو إلى تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي في إطار جغرافيا سياسية جديدة هي «جنوب- جنوب»، وفي ظل وضع عالمي تميزه عدة ملامح لعل أبرزها الانكماش الاقتصادي الحادث في أوروبا والولايات المتحدة، واهتزاز عرش البنية النقدية الدولارية نسبياً مع تزايد الاعتماد على الذهب وبدء دراسات متعددة لدول متعددة لاستخدام عملات محلية أو مشتركة أو وسيطة بديلاً عن الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية فيما بين هذه الدول.
من الطبيعي أن تكون الردود في عواصم الغرب عمّا يحدث في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية متوجسّة من قادم تراه خطراً على الاستقرار العالمي، وخلاصة الرأي الغربي نشرتها وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية التي رأت في القمة أنها «القمّة التي تتطلع من خلالها روسيا والصين إلى كسب المزيد من الأرض السياسية والاقتصادية في العالم النامي في وقت وصلت فيه المشاعر المناهضة للغرب ذروتها». وهذا يعني أنّ الغرب يرى في تجمع البريكس بصيغته الحالية أو الموسعة هو العدو الاستراتيجي المستقبلي الذي قد يُعيد العالم لزمن الحرب الباردة، غير أن الرئيس الصيني حسم الجدل في افتتاح القمّة عندما قال: «لا نريد حرباً باردة جديدة ولا تكتلات تتنازع فيما بينها، وإنما نريد الاستقرار والازدهار، وهذا منطق التنمية الإنسانية». ولكن هل تصدق واشنطن أقوال غريمها وهي تراه يسحب البساط من تحتها؟
إنّ العالم أمام مفترق طرق، وفي مرحلة تاريخية مفصلية، فإمّا «تعاون وعمل جماعي وجب أن يتغلبا على الخلافات والنزاعات» كما قال الرئيس الصيني، وإما استمرار النزاعات المدمّرة التي تؤثر في الشعوب الضعيفة، والراغبة في الانعتاق من ربق الاستعمار الاقتصادي والتخلف التكنولوجي. وليس اهتمام الجنوب بهذه القمة إلا تعبيراً عن رغبة نصف سكان العالم في التحرر من كل العوائق التي كبّلتها طوال عقود من الزمن.
("الخليج") الإماراتية