صحافة

الحلّ المغشوش والسلام الدائم

الهاشمي نويرة

المشاركة
الحلّ المغشوش والسلام الدائم

دخلت الأزمة الإيرانية الإسرائيلية مرحلة خطيرة جداً وتحولت ردود الفعل المتبادلة إلى حرب مفتوحة بين الطرفين، وبدأت مؤشرات عديدة إلى إمكانية توسّع هذه الحرب لتشمل أطرافاً أخرى. ومعلوم أن هذا النزاع ابتدأ بهجوم إسرائيلي على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، إضافة إلى تصفية قيادات عسكرية بارزة.

ورغم الإدانة الإقليمية والدولية الواسعة للهجوم الإسرائيلي ضدّ إيران، إلا أن الدول الغربية الرئيسية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا والولايات المتّحدة، ساندت العملية الإسرائيلية ونزّلتها في إطار حقّ دولة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وقدمت شتّى التبريرات لهذه "الحرب الاستباقية" التي هي في انتهاك واضح للقانون الدولي، والذي يبيح للدول اللجوء إلى القوّة، فقط في إطار ردّ الفعل على عدوان أو في إطار تطبيق قرارات الشرعية الدولية بتفويض من مجلس الأمن، وإسرائيل ليست في الوضع ولا تمتلك تفويضاً أممياً لدرء الخطر النووي الإيراني.

وبلغت عملية التصعيد الذروة مع تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي عد فيه أن "حيازة" إيران السلاح النووي "مرفوض بالمطلق" داعياً بنفس المناسبة سكان طهران إلى "الإخلاء الفوري" للعاصمة الإيرانية، وأكد ترامب هذا التصريح لدى عودته من كندا. وأثار تصريح الرئيس الأمريكي قلقاً واسعاً ومخاوف جدية من إمكانية دخول أمريكا في الحرب إلى جانب إسرائيل، بعد مرحلة من التردد الكبير في الانخراط المباشر في الحرب، واتباع سياسة عدم التدخل والاقتصار على "الدعم الدفاعي" لإسرائيل.

ويتضافر هذا التصريح لترامب، الذي قطع مشاركته في قمة مجموعة السبع، مع رفضه التوقيع على بيان المجموعة الذي يدعو طرفي النزاع إلى وقف الحرب، ليزداد اليقين بأن أمريكا تمهد للدخول المباشر في الحرب. ويناقض هذا التطور اللافت بوضوح مواقف ترامب السابقة المطالبة بالحلّ الدبلوماسي للمسألة النووية الإيرانية، ما يدفع إلى القول إن هذه المواقف الجديدة تدخل في خانة الضغط والحرب النفسية لحمل إيران على القبول بالتفاوض حسب الشروط والأهداف الأمريكية، التي هي، التخلي عن البرنامج النووي، وتفكيك منظومة الصواريخ الباليستية.

ومع تطور الوضع ميدانياً، بدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو مدعوماً بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سباق مع الزمن لتحقيق أهدافه في الحرب على إيران، وهي أهداف تتغيّر يومياً نحو ترفيع سقفها. وأمكن لناتنياهو تحقيق بعضها ومن ذلك، أولاً، إجهاض مشروع اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة لوضع خارطة طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وثانياً، تحويل الأنظار عن الجرائم المرتكبة في غزة، وثالثاً، ضرب القدرات النووية والعسكرية لإيران وإضعافها بعد أن جرّدها من دعم "محور المقاومة"، ورابعاً، المزيد من إضعاف إيران بضرب أهداف اقتصادية حيوية، وخامساً، إجهاض مشروع ترامب بالتفاوض مع إيران.

ولأن "الشهية تأتي مع الأكل"، فإن غياب أية صعوبات في تحقيق بعض الأهداف وفي تخلص إسرائيل من أهم القادة العسكريين الإيرانيين ومن بعض المقربين من المرشد الإيراني الأعلى، رفع من سقف الأهداف السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي وأصبح ينشد إسقاط النظام السياسي في إيران بإضعافه ما أمكن له ذلك، وتقويض تماسكه الداخلي.

وبقطع النظر عن تقييمنا للنظام الإيراني، الذي فوّت عديد الفرص لإقامة علاقات طيبة مع جيرانه، فإنه من العبث تصوّر أن إسقاط الأنظمة يكون بقصف الشعوب ومقدّراتها الحياتية والاقتصادية، وإن تجارب الغرب الليبرالي كانت فاشلة في هذا الخصوص، وأدت في غالبيتها إلى نتائج عكسية. ولعله حان الوقت حتى تعي جميع الأطراف أن التصعيد الحربي، إذ يحلّ بعض المسائل وقتياً، فإنه يخلق على المدى المتوسط والبعيد الشروط الموضوعة لحروب أخرى قد لا تنتهي، وهو ما يدفع إلى القول إنه على إيران القبول بمفاوضات من أجل تحسين شروط عيشها مع جيرانها ومحيطها الإقليمي والدولي.

وإن إسرائيل، التي تخوض حروباً ومعارك من أجل تحقيق هيمنتها المطلقة وتأبيد احتلالها للأراضي الفلسطينية، تقترف أبشع الجرائم وأشدها من أجل ذلك، وهي إلى ذلك دولة تمتلك السلاح النووي في خرق واضح لاتفاقية منع الانتشار النووي، وتفعل كل ذلك، وهي مطمئنة إلى كونها محصنة ضدّ كل عقاب ومحاسبة، وهو أمر لن يساعد على تحقيق السلم والأمن والعدالة في المنطقة وفي العالم.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن