فرصة أخيرة لإنقاذ

لا ينبغي للعالم أن ينتظر أكثر من هذا للاعتراف رسمياً بدولة فلسطين. الأمر لا يتعلق بالعواطف أو الأبعاد الرمزية، بل يمثل خطوةً عاجلةً وضروريةً لإنقاذ عملية سلام تحتضر. فالاعتراف أداة دبلوماسية حاسمة لتغيير واقع راكد وخطير بشكل متزايد. لقد استمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأكثر من سبعة عقود. ولا يزال ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال أو في مخيمات اللجوء، دون أي أفق سياسي يلوح في الأفق.

وقد أدى غياب مسار موثوق نحو إقامة دولة إلى خلق فراغ امتلأ باليأس والتطرف. ويمكن للاعتراف بفلسطين أن يكون بدايةً لتغيير هذا الواقع. إنه آخر وسيلة سلمية متاحة. وللتوضيح، فالاعتراف لا يعني معاقبةَ إسرائيل أو منحَ الفلسطينيين انتصاراً غير مستحق. إنه خطوة سياسية ضرورية لإعادة طرح إمكانية السلام التفاوضي. إنه يمنح الدبلوماسيةَ قوةً، ويمنح الفلسطينيين حصةً في مستقبل مبني على الحكم الرشيد، لا على المقاومة.

واليوم، تخلت الحكومة الإسرائيلية علناً حتى عن مجرد التظاهر بدعم "حل الدولتين". ومع وجود أكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية وتصاعد الدعوات نحو الضم، فإن بنية الاحتلال الدائم تكاد تكتمل. إن الانتظار حتى تتوفر "الإرادة السياسية" الإسرائيلية للاعتراف بفلسطين هو أمر غير واقعي وخطير، ويوحي بموافقة ضمنية على المزيد من الضم، أي الحكم على المنطقة بصراع لا نهاية له.

الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو السبيل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من أمل لحل الدولتين، وهو الإطار الوحيد القادر على توفير أمن مستدام لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وتمكين إسرائيل من الاندماج الكامل في المنطقة. وهذا لا يتعلق فقط بحقوق الفلسطينيين، بل يتعلق أيضاً بأمن إسرائيل. فحل الدولتين القابل للتطبيق بات ضرورةً استراتيجية للمنطقة بأكملها.

لا يمكن أن ننتظر "اللحظة المثالية" للاعتراف، لأنها ببساطة لن تأتي. كل اعتراف يرسي الأساس المؤسسي والنفسي لسيادة فلسطينية، ويجعل فكرة الدولة أكثر واقعيةً ويصعب محوها. لقد أضافت الاعترافات الأخيرة من النرويج وإيرلندا وإسبانيا زخماً حيوياً للعملية الدبلوماسية المتعثرة منذ فترة طويلة. وتستحق هذه الحكومات التقديرَ على تعزيز التوافق الدولي المتزايد بأن الدولة الفلسطينية ضرورة لا مفر منها. وينبغي أن يشجع مثالُها الآخرين على الاقتداء بها.

وتلعب المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في هذا المضمار، وهي تتحرك من منطلق مصلحة طويلة الأمد لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعمل من أجل منطقة مستقرة ومزدهرة ومتكاملة. وتسعى الرياض إلى إيجاد شركاء في هذا الجهد، وتبعث برسالة واضحة مفادها أن السلام، وليس الجمود، هو الهدف. ولطالما كانت فرنسا شريكاً مهماً في هذا المجال أيضاً، وكان من المفترض عَقدُ مؤتمر أممي حول حل الدولتين، برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا، يوم الثلاثاء، لكنّه تأجّل بسبب الحرب بين إيران وإسرائيل. وقد أشار الرئيس إيمانويل ماكرون إلى التزامه الراسخ بالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية.

إن الاعتراف مهم، لأنه يعيد تشكيل الحوار الداخلي الفلسطيني. فهو يقوّي الإصلاحيين، ويُضعف المتطرفين، ويمنح القادة المعتدلين هدفاً يستحق السعي إليه، ويرسل رسالةً واضحةً بأن العالم لم يتخلَّ عن السعي لتحقيق حل سلمي، وأن الدبلوماسية لا تزال خياراً قائماً. الاعتراف وحده لن يُنهي الصراع، لكنه سيُعيد فتح بابٍ مغلق منذ زمن طويل. إنه ليس عملاً رمزياً، بل ضرورة استراتيجية، ومن شأنه أن يُنهي الضم التدريجي، ويُحافظ على الفرصة الأخيرة للتوصل إلى حل سلمي.

إن انتظار توقيت أفضل أو قيادة أكثر ملاءمة ليس سذاجة فحسب، بل هو تهور، كما أظهرت المأساة الحالية في غزة بوضوح مؤلم. الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو آخر ورقة سلام متبقية للعالم.. يجب لعبها، قبل أن تنهار الطاولة بأكملها.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن