صحافة

نوبل سلام ترامب وعقيدة "الحرب العادلة"

صبحي حديدي

المشاركة
نوبل سلام ترامب وعقيدة

اشتكى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن جائزة نوبل للسلام لم، ولن، تُمنح له؛ رغم أدواره في إبرام اتفاقيات سلام شملت مناطق عديدة من العالم: بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، الهند والباكستان، صربيا وكوسوفو، مصر وأثيوبيا، "اتفاقات أبراهام" بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية.

وبصرف النظر عن حقيقة أنّ حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ القطاع تزداد وحشية وهمجية بعد ستة اشهر على تولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وأنّ الهند أنكرت رسمياً أيّ دور له في التهدئة مع الباكستان؛ فإنّ مزاعم إغفاله عمداً من جانب لجنة نوبل للسلام مضحكة وبائسة في آن معاً.

اعتبار أوّل يبرّر هذه الخلاصة هو "لائحة الأوصاف" التي تعتمدها اللجنة النرويجية حين يقع اختيارها على الفائز السعيد، والتي يندر عملياً أن يكون إحراز السلام هو الامتياز الأول المؤهل للجائزة؛ وسجل الفائزين شاهد مفتوح على هذه الحيثية الحاسمة، الأمر الذي لم يردع اللجنة سنة بعد أخرى. وكي لا يذهب المرء بعيداً عن ساسة الولايات المتحدة، فقد حاز عليها ثيودور روزفلت (1906)، وودرو ولسون (1919)، هنري كيسنجر (1973)، جيمي كارتر (2002)، آل غور (2007)، باراك أوباما (2009).

ولعلّ ترامب، بصدد جائزة نوبل للسلام، كان قد أصاب في واحدة: أنّ أوباما لم يكن جديراً بالجائزة، كما صرّح خلال حملة الرئاسيات الأخيرة. الفوارق بين الرئيسين كثيرة، بالطبع، لكنّ المطابقات بينهما ليست قليلة أيضاً، خاصة في مسائل الحرب والسلام. وحين ألقى أوباما خطبة الوداع، بعد رئاستَيْن، كانت إدارته قد ألقت 26,171 قنبلة، على سبعة بلدان: سوريا، 12,192؛ العراق، 12,095؛ أفغانستان، 1,337؛ ليبيا، 496؛ اليمن، 34؛ الصومال، 14؛ باكستان، 3.

لكنه لم يحتسب هذا الرقم ضمن إنجازاته، بل لم يتطرّق إليه نهائياً، واعتمد العكس: سَوْقُ كلّ الإشارات، والإيحاءات، بأنه كان رئيس سلام، لا رئيس حرب؛ وأنّ خلق الوظائف، وإصلاح نظام التأمين الصحي، وتصفية أسامة بن لادن، هي الثلاثي الأبرز في منجزه الرئاسي. وفي الأصل، حين تسلّم الجائزة، فإنّ الخلاصة الوجيزة التالية كانت قصارى ما انتهت إليه خطبته: ثمة حروب عادلة، من الطراز الذي تخوضه الولايات المتحدة في أفغانستان وفي العراق. أو، في صياغة أخرى: ليس أوباما الفائز بالجائزة داعية سلام، ولا جنرال حرب، بل هو أولاً وأخيراً: محض رئيس أمريكي نموذجي!

كذلك كان 12 حائزاً على جائزة نوبل للسلام، ينتمون إلى أربع رياح الأرض، وسنوات فوزهم تمتد من 1976 وحتى 2011؛ قد وجهوا رسالة مفتوحة إلى زميلهم في الجائزة، أوباما، يسألونه فيها إطلاع الرأي العام، الأمريكي والعالمي، على محتوى تقرير أعدّه مجلس الشيوخ، حول لجوء أجهزة الاستخبارات إلى تقنيات تعذيب مختلفة أثناء التحقيقات مع معتقلين بتهمة الإرهاب، بعد 11/9/2001. البيت الأبيض، المنحاز دائماً إلى صفّ الاستخبارات في معركة حامية الوطيس ضدّ هيئات حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة، وافق على نشر 500 صفحة فقط، من أصل 6000؛ الأمر الذي عنى أنّ الأمريكي، والمواطن العالمي، والزملاء في الجائزة الرفيعة، مخوّلون بالاطلاع على 1/12 من الحقائق، ليس أكثر!

والحال أنّ نظرية "الحرب العادلة" يمكن أن تصبح مادّة للنقاش المشروع، في أيّ محفل فلسفي أو ديني أو أكاديمي أو سياسي أو عسكري؛ وأن تتصارع الحجج والحجج المضادة التي يسوقها فلاسفة أو ساسة أو مبشّرون أو محاربون؛ وأن يبدأ السجال من الخطيب الروماني شيشرو، ويمرّ بالقديس أوغسطين، ويعرّج على الفيلسوف جون ستوارت ميل، دون أن ينتهي عند أوباما. الأرجح، في المقابل، أنّ النظرية تلك لا تصلح في بلد، أو ثقافة، كما تصلح اليوم في أمريكا، ماضياً وحاضراً؛ ومستقبلاً أيضاً، أغلب الظنّ.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن