وجهات نظر

أسئلة ما بعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية!

تطرح نهاية الحرب الإسرائيلية - الإيرانية أسئلةً كثيرةً بخلاف ما يحاول الرئيس الأميركي الترويج له، من أنّه بِتدمير المنشآت الإيرانية حلّ السلام بين الدولتَيْن المتحاربتَيْن. ومن الأساس، فإنّ هذه الحرب بالغة التعقيد، إذ جرت بين دولتَيْن إقليميتَيْن كبيرتَيْن لا توجد بينهما أي حدود مشتركة. تمتلك إحداهما سلاحًا نوويًا ولم تنضمّ لمعاهدة حظر انتشار السلاح النووي، ومع ذلك فإنّها تعتدي على دولة عضو في المعاهدة بهدف تدمير برنامجها النووي. وتتدخّل القوة الأعظم في العالم من دون أن تحصل على موافقة مجلس الأمن ولا حتّى على موافقة برلمان دولتها، ويجري تشبيه تدخّلها بما فعلته في هيروشيما وناغازاكي، على هول هذا التشبيه. والخلاصة أنه وإنْ كانت المواجهة العسكرية الإسرائيلية/الأميركية - الإيرانية انتهت رسميًا، إلّا أنّها أثارت علامات استفهام حول مستقبل إيران والشرق الأوسط.

أسئلة ما بعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية!

مبدئيًا، هناك حزمة من الأسئلة تتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني من حيث حجم الدمار الذي أصاب منشآته وأجهزة الطرد المركزي خصوصًا الحديثة منها، وكذلك من حيث المدى الزمني الذي تحتاج إليه إيران لإصلاح هذا الدمار. ومعلومٌ أنّ هناك خلافًا كبيرًا حول تقييم النتائج بين إدارة ترامب ووكالة المخابرات المركزية الأميركية. وبافتراض أنّه تمّت إعادة البرنامج النووي سنوات عدّة إلى الوراء، فلا ننسى أنّ أي اتفاق كان سيتمّ التوصل إليه مع الولايات المتحدة قبل اندلاع الحرب، كان سيتضمّن تجميد تطوير هذا البرنامج لمدة طويلة. وقد سبق لترامب في ولايته الأولى أن صرّح بأنّه يتطلّع لاتفاقٍ يدوم لمائة عام. ولو أدخلنا هذا التصريح في حدود لامعقوليّات الرئيس الأميركي، فإنّ أي اتفاق معه كان سيسري لثلاثة عقودٍ على الأقل.

صرّح ترامب بأنّه لم تعُد هناك حاجة لاتفاق بعد تدمير البرنامج النووي الإيراني فعلى ماذا سيجري التفاوض؟

من جهةٍ أخرى، لو صحّت المعلومات عن قيام إيران بنقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى مكانٍ آمنٍ، فإنّ هذا سيؤدّي إلى إدخال متغيّرات أخرى في عملية التقييم. كما يمكن لإيران أن تمارس سياسة "الغموض النووي" بعيدًا عن أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد تصويت مجلس الشورى الإسلامي على وقف التعاون معها. وقد سبق للمجلس أن قام بالشيء نفسه في ديسمبر/كانون الأول 2020 وعرقل عمل المفتشين، وهو ما سمح لإيران بالمناورة الواسعة بشأن نسبة التخصّيب ومخزونها من اليورانيوم المخصّب.

ثمّة سؤال آخر يتعلق بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية التي أعلن عنها ترامب في قمّة حلف شمال الأطلسي الأخيرة، حيث صرّح بأنّه ليس من الضروري أن تُفضي هذه المفاوضات إلى اتفاق لأنه لم تعُد هناك حاجة لاتفاقٍ بعد تدمير البرنامج النووي الإيراني، فعلى ماذا سيجري التفاوض إذن؟.

ثم هناك حزمة أخرى من الأسئلة تدور حول علاقة إيران بكلٍّ من روسيا والصين اللذَيْن جرى التعامل معهما باعتبارهما حليفَيْن استراتيجيَيْن لها، فهناك اتفاقيتان مُتعدّدتا الأبعاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية بينها وبين كلٍ منهما، وتجمع بين ثلاثتهم عضوية منظمة شنغهاي التي تجعل من أهدافها الحفاظ على السلام الإقليمي، كما كان هناك تعاون روسي - إيراني وثيق في سوريا، وزوّدت إيران روسيا بالمُسيّرات في حرب أوكرانيا، وساهمت الصين في التخفيف من أثر العقوبات الاقتصادية على إيران.

ضعف موقف روسيا والصين حتّى على مستوى الإدانة اللّفظية للعدوان الإسرائيلي على إيران يُعَدُّ أمرًا لافتًا للنظر

إذن، نحن نتكلّم عن علاقةٍ وطيدةٍ بين الأطراف الثلاثة تدخل في إطار محاولة تحقيق نوعٍ من توازن القوّة في النظام الدولي. ومع أنّ أحدًا لم يكن يتصوّر أن تحارب روسيا ولا الصين إلى جانب إيران، لكن في الوقت نفسه فإنّ ضعف موقف هاتَيْن الدولتَيْن حتّى على مستوى الإدانة اللّفظية للعدوان الإسرائيلي على إيران، يُعَدُّ أمرًا لافتًا للنظر. وبالتالي يكون السؤال عن حدود الحاجة للاستثمار في العلاقة مع هاتَيْن الدولتَيْن، وعمّا إذا كان موقف كلتا الدولتَيْن من الحرب يمكن أن يشكّل عنصر ضغطٍ على إيران في قضايا أخرى كقضية نفوذها الإقليمي مثلًا، على أساس أنّ إيران لن تستطيع أن تراهن على دعم هذَيْن الشريكَيْن في حال استهداف الولايات المتحدة/إسرائيل لهذا النفوذ.

الحزمة الثالثة من الأسئلة تتعلق بمصير النظام السياسي الإيراني، وما إذا كانت دعوة نتنياهو لخروج الإيرانيين على نظامهم ثم دعوته لاغتيال المرشد الأعلى، قد توقّفتا بانتهاء الحرب بين البلدَيْن أم لا. لقد تبيّن للجميع مدى التغلغل المذهل لـ"الموساد" الإسرائيلي في الداخل الإيراني أثناء الحرب، وهذا يوفّر أرضيةً مناسبةً لمواصلة العمل على قلب نظام الحكم. يُضاف إلى ذلك أنّ إسرائيل تُجهّز رضا بهلوي ابن آخر "شاهات" إيران لاستلام السلطة. كما أنّ الاحتقان الإيراني الداخلي الذي تأجل أثناء الحرب قد ينفجر. وهذه جميعها عوامل ترجّح فرضيّة عدم التخلّي عن هدف إسقاط النظام.

رئيس الوزراء الإسرائيلي يستميت لتغيير خريطة الشرق الأوسط لكن لا شيء يجزم بأن يأتي هذا التغيير كما يشتهي

ويتفرّع عن هذه الفرضية أسئلة من نوع: ما هي فرص رضا بهلوي في تجديد حُكْمِ أسرته على الرَّغم من الثورة عليها؟ وفي أي شكلٍ يكون التجديد، أي باستعادة المَلَكيّة أم بالإبقاء على النظام الجمهوري؟ ألا يمكن أن يُنفِّذ الحرس الثوري انقلابًا يستولي به على السلطة لوقف المُخطّط الإسرائيلي؟ هل تكون الفوضى والاحتراب الداخلي من السيناريوات المحتملة؟.

نعلم جيدًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يستميت لتغيير خريطة الشرق الأوسط، لكن لا شيء يجزم بأن يأتيَ هذا التغيير كما يشتهي، فما زالت تطوّرات المنطقة حمّالة أوجه!.

خاص "عروبة 22"

يتم التصفح الآن