صحافة

ترامب وحكومة نتنياهو.. توافقات أم تجاذبات؟

طارق فهمي

المشاركة
ترامب وحكومة نتنياهو.. توافقات أم تجاذبات؟

انقسم الرأي العام في إسرائيل نتيجة تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في موضوع الاستمرار في محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وإمكانية صدور عفو عام عنه، وغلق الملف بالكامل، وبين التسليم بدور الرئيس ترامب في توجيه بوصلة التطورات الداخلية. يدرك نتنياهو أن ترامب يناور في الوصول إلى هدف الإطاحة به، وتغيير قواعد اللعبة في الداخل الإسرائيلي، وذلك كله رغم خطاب نتنياهو الإيجابي تجاه ترامب.

وبعد أن تأجل حسم الملف النووي الإيراني لبعض الوقت ورؤية نتنياهو بأن الفائز في كل الأمور التي جرت هو الرئيس ترامب وليس فقط الحكومة الإسرائيلية التي حققت "انتصاراً تاريخياً" على حد زعمه، ومن ثم فإن التباين بين الجانبين سيستمر، خاصة أن ما سيجري في الداخل الأميركي والإسرائيلي بشأن المواجهة مع إيران سيتكشف تدريجياً، وسيدخل على الخط أطراف رئيسية لمعرفة حجم الإنجاز الحقيقي الذي تم بعيداً عن التهويل. وسيخضع الرئيس الأميركي ترامب نفسه لتساؤلات داخل الكونجرس، أما نتنياهو فالأمر سيتضح من خلال الكنيست، بصرف النظر عن قوة مكونات الائتلاف ومسعاه لغلق الملف لاعتبارات متعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي، ما يؤكد أن نتنياهو ستتم محاصرته أيضاً من قبل الجمهور، بل ومن داخل "ليكود" والأحزاب خارج الائتلاف، بعد أن دعّمته بالفعل أثناء الحرب على إيران.

ومن المتوقع أن تزيد مساحات التجاذب بصرف النظر عن الاتصالات الراهنة (زيارة وزير الشئون الاستراتيجية ومساعد نتنياهو المهم رون ديرمر وترتيب زيارة نتنياهو لواشنطن في الفترة المقبلة، خاصة أن الاتصالات بين مسؤولي الإدارة الأميركية خاصة المبعوث ستيف وتكوف مع كل من نفتالي بينيت ويائير لابيد وبني جانتس لم تتوقف، وهذا ما يعتبره نتنياهو تدخلاً في الشأن الإسرائيلي، وأن القرار يتم اتخاذه من داخل الحكومة الإسرائيلية، وليس من البيت الأبيض عبر تدخل ترامب لإعادة ترتيب الأوضاع داخل الحكومة والعمل علي إعادة تغيير مكونات الائتلاف وتطويق خيارات نتنياهو في التمدد سياسياً وحزبياً ما لم يستمع للرئيس ترامب ويوقف الحرب في غزة، ويعيد ترتيب الأولويات الراهنة والمحتملة.

وعلى الرغم من كل هذا، إذا جرت انتخابات برلمانية فإن نتنياهو سيحقق نصراً في مواجهة كل منافسيه، وهو ما يدركه ترامب جيداً، والذي يريد- في مستويات التعامل مع نتنياهو - إتمام صفقة حقيقية ترفع عبء المحاكمات على نتنياهو مقابل تمرير صفقات سلام في الإقليم، باعتبارها أولوية لدى ترامب، وبالتنسيق مع إسرائيل الدولة وليس فقط حكومة نتنياهو فقط، وبما يدفع بترابط الصفقات مع الضغط في اتجاه المقاربة العربية الإسرائيلية بالسلام والتطبيع مع السعودية أولاً، ومنها إلى مزيد من إبرام صفقات أخرى، ستمتد إلى سوريا ولبنان وربما ليبيا، وهو ما سيحسب للرئيس ترامب أنه حقق الاستقرار في الإقليم وأعاد تعريف إسرائيل للشرق الأوسط الجديد، الذي يسعى نتنياهو لإقراره بعد مواجهات عسكرية تمت في المنطقة العربية بعد حرب غزة، وهو ما يؤكد الهدف الرئيس للإدارة الأميركية الانتقال من القضايا التي يمكن حلها وحسمها إلى التمهيد للأهم والمرتبط بالفعل بالقدرة على فرض الاستقرار في إسرائيل في ظل إجراءات وتدابير جديدة متفق بشأنها بين الجانبين.

وبرغم تشابك الخيارات أمام ترامب، فإن الإدارة الأميركية ستعمل على مسارات متزامنة وواضحة سواء في الترتيب لأية اختيارات جديدة بما في ذلك اليوم التالي في إسرائيل (بقاء أو رحيل نتنياهو) وعدم الانتظار إلى مراجعة موقف نتنياهو الانتخابي في الوقت الراهن، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية ستظل متماسكة في ظل خطاب نتنياهو القوي وعدم قدرة الأحزاب اليمينية في الحكومة على الخروج إلى صناديق الانتخاب. ويعلم ترامب أن شخصية نتنياهو ليست سهلة، وأنه لن يتقبل أي طرح أميركي أياً كان في هذا التوقيت، بل سيعمل على تمجيد نفسه واستمرار حكومته، وقد يرفض كل الخيارات الأميركية للتوصل لهدنة مرحلية، أو ما سيتم بشأن تفاهمات الولايات المتحدة – إيران.

فمسار ما يجري في غزة طويل وممتد، ولا يقارن بأي مسار آخر سواء في الجنوب اللبناني أو سوريا، ما قد يؤدي لتبعات مهمة قد يكون عنوانها التماهي الشكلي مع أي طرح أميركي قد يخدم مسار المخطط الإسرائيلي ورؤية نتنياهو شخصياً بالعمل على الأهداف الرئيسية في غزة وإنهاء وجود حركة "حماس" بصرف النظر عن إعادة النظر في ملف المحتجزين، ما قد يؤدي إلى تبعات أخرى تتعلق بحكم القطاع، وإعادة ترتيب الأجواء بما يمكن إسرائيل من إنهاء أية مخاطر محتملة، أو واردة من الفصائل الفلسطينية ولسنوات طويلة.

ويبدو أن إسرائيل كحكومة على رأسها نتنياهو قد تتجاوب مع بعض التحركات الراهنة للرئيس ترامب، ولكن لن تقدم له شيكاً على بياض، وهو ما يدركه الرئيس الأميركي جيداً، ويناور في التعامل معه من أجل إحراز مكاسب حقيقية في إطار علاقته بإسرائيل، وقرب إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وباعتبار أن ما ستأتي به نتائج الانتخابات ستكون داعمة له في الاستمرار في سياسات وتدابير في اتجاه واحد، وما سينطبق على إسرائيل سينطبق مع روسيا والصين من جانب، والنطاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة من جانب آخر بما في ذلك المنطقة العربية وملفاتها المفتوحة على مسارات متعددة.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن