صحافة

إنهاء حرب غزة.. وجوائز "اليوم التالي" الإقليمي

خالد عكاشة

المشاركة
إنهاء حرب غزة.. وجوائز

المطروح الآن على الطاولة، كمشروع مقترح للتسوية في قطاع غزة، يحظى بقدر أفضل من مقترحات وأوراق سابقة، وقد يحمل أخيرا كلمة النهاية للمأساة والأزمة المركبة داخل القطاع. المقترح الأمريكي الذي وصفه الرئيس ترامب الأسبوع الماضي بـ"الفرصة الجيدة"، التي تحمل إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار في غضون أيام، بالتأكيد لا يحمل جديدا جوهريا، بل يظل الأمر مجرد اختلاف في بعض التفاصيل التي تدفع إسرائيل للموافقة، والتجاوب مع الرغبة الأمريكية في تهدئة الداخل، الذي بات يرى ويذكر ما يجرى بالقطاع في كل مناسبة، باعتباره "مروعا للغاية"!

ذكر هذا التوصيف الأخير؛ خلال احتفال جرى في البيت الأبيض بمناسبة توقيع اتفاق للسلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية، بوساطة أمريكية تواجه السؤال حول غزة تقريبا في كل حدث داخلي أو خارجي، وصار العبء الأخلاقي ضاغطا بشكل حقيقي، حتى وإن جرى استخدام كلمات وعبارات، تحافظ على الحد الأدنى من المشاعر والنفوذ الإسرائيلي المقابل. الاقتراب الأمريكي من أرض الحدث عبر "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تقوم بتوزيع المساعدات الإنسانية، جعل تقارير الوضع الميداني تصل إلى واشنطن محررة بأقلام وعيون أمريكية، نقلت حقيقة مأساوية الوضع برمته، وكشفت عديد الانتهاكات الإسرائيلية المتعلقة باستهداف سكان القطاع في محيط نقاط التوزيع، الذي كان الرصد الأمريكي لها بمثابة العامل الحاسم لضرورة تجاوز واشنطن جميع أشكال التسويف الإسرائيلي، والإسراع بـ"جدية" إلى مربع التسوية وتفعيل ورقة "ستيف ويتكوف" التي جرى التوافق على أغلب بنودها من جميع الأطراف.

الورقة الأحدث تتضمن وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما، بضمان أمريكي مباشر من ترامب. وتحمل جدولا للإفراج عن الرهائن دخلت عليه بعض التعديلات عن سابقه الذي سقط في فخ الرفض من الطرفين إسرائيل وحركة "حماس". الجدول الجديد يحدد اليوم الأول لسريان الهدنة كموعد افتتاحي يشهد الإفراج عن 8 محتجزين أحياء، يعقبه تسليم 5 جثامين لمتوفين إسرائيليين في اليوم السابع. في اليوم الثلاثين تسلم 5 جثامين أخرى وفي اليوم الخمسين يطلق 2 من المحتجزين الأحياء، على أن تختتم المدة المقترحة في اليوم الستين بتسليم 8 جثامين إضافية.

وهناك شرط أساسي أن تجري عمليات تبادل الأسرى من دون احتفالات، يتوافق ذلك مع مضاعفة عدد شاحنات المساعدات الإنسانية، التي تدخل فور إرساء وقف اطلاق النار إلى داخل القطاع، على أن يكون للولايات المتحدة والهلال الأحمر دور في الاستلام والتوزيع على أهالي قطاع غزة. الورقة الجديدة مرفق بها خريطتان مقترحتان سيجري التوافق عليهما، الأولى تتضمن المناطق التي سينسحب منها الجيش الإسرائيلى في شمال القطاع فور الإفراج عن الدفعة الأولى من المحتجزين، والثانية حدد لموعد تنفيذها اليوم السابع بعد تسليم الجثامين خاصة بانسحابات إسرائيلية متتالية من مناطق جنوب القطاع.

ورقة ستيف ويتكوف نصت صراحة على بدء مفاوضات "الوقف الدائم" لإطلاق النار، فور بدء سريان الاتفاق، على أن تشمل أربع قضايا رئيسية. الأولى جدول زمني وآلية تبادل ما تبقى من محتجزين إسرائيليين لدى حركة "حماس"، والثانية تتعلق بالترتيبات الأمنية طويلة الأمد الخاصة بكامل قطاع غزة، والثالثة ترتيبات الإدارة وإعادة الإعمار فيما ذكر اختصارا بـ"اليوم التالي"، وتبقى الأخيرة لها علاقة بكيفية ومضمون صياغة الإعلان عن "وقف دائم" لإطلاق النار. هناك تعهد متبادل جرى النص عليه، تقدم بموجبه إسرائيل معلومات كاملة وتفصيلية عن الأسرى الفلسطينيين الذين جرى اعتقالهم، على خلفية عملية 7 أكتوبر 2023 ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن.

في مقابل التزام حركة "حماس" بتسليم جميع المعلومات والأدلة المتعلقة بالمحتجزين الإسرائيليين لديها، الأحياء منهم والجثامين، وقد يشتمل ذلك تقارير طبية لازمة. الوسطاء الثلاثة مصر وقطر والولايات المتحدة، عليهم تقديم التزام بجدية ورعاية بدء المفاوضات خلال فترة هدنة 60 يوما، وفي حال استدعى الأمر ـ بحسب تقييمهم لنجاح مراحلها ـ يمكن تمديدها لفترة إضافية، يعقب ذلك الوصول لاتفاق يتضمن بصورة رئيسية إطلاق جميع المحتجزين والجثامين الإسرائيليين المتبقين داخل قطاع غزة.

فرص نجاح المفاوضات اللاحقة التي سيترأسها ستيف ويتكوف، تبدو جيدة في ظل توافر مستوى جديد من الإرادة السياسية لدى الولايات المتحدة وإسرائيل على الأقل. الجائزة التي تلوح بها واشنطن لإسرائيل؛ ليس سرا أنها تنصب بشكل رئيسي على توسيع "الاتفاقات الإبراهيمية" مع دول عربية جديدة، وتسميها التسريبات الأمريكية والإسرائيلية بالسعودية وسوريا وإن لم يصدر من كلتا الدولتين ما يؤكد أو ينفي الخطوة. لكن الثابت أن العمل الأمريكي يذهب باتجاه إخضاع الوصول إلى تسوية في قطاع غزة، إلى مشروع أكبر له علاقة بـ"اليوم التالي" للإقليم وعلاقاته البينية التي في القلب منها إسرائيل.

وهناك ما يمكن تسميته بالقفز الحماسي في الهواء أو الفراغ أيهما أقرب، خاصة مع بدء الحديث عن إمكانية استعادة "حل الدولتين" في حال وضع كشرط حاسم، للانتقال إلى اليوم التالي للعلاقات بين إسرائيل ودول الإقليم، أحاديث أمريكية محمومة باتت تتردد في هذا الاتجاه، وتوصيف اتفاقية غزة في ظل اتفاق سلام أوسع وأشمل يتكرر يوميا في البيت الأبيض. بل هناك عدة عناوين جانبية بدأت تشهدها الأروقة واللقاءات الثنائية، وتنقل عبر الساعة في خطوط الاتصال الساخنة التي لم تهدأ منذ إيقاف الحرب الإسرائيلية الإيرانية.

اتفاقية أمنية بين إسرائيل والنظام السوري الجديد، قد تمثل ضربة افتتاحية لهذا المسار تنهي النزاع حول هضبة الجولان، وتسحب بموجبها إسرائيل تمدداتها التي جرت عقب سقوط النظام السابق. هناك تحفيز إماراتي للولايات المتحدة بأن يكون هناك بحث إقليمي في بنية أمنية جديدة، تشمل المستجدات الميدانية التي جرت بعد الحرب على إيران و"حزب الله" في لبنان و"حماس" في الداخل الفلسطيني. الإطار الجديد لحكم قطاع غزة يعيد الحياة للسلطة الفلسطينية ـ المجددة ـ بقياسات الترتيبات الجديدة، لكنها في كل الأحوال تضمن تطويرا مؤسسيا في أجهزة السلطة الأمنية والإدارية، سيكون للقاهرة وعمان أدوار رئيسية مرتقبة فيها، في حال بث الروح مجددا في مسار حل الدولتين.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن