صحافة

"المشهد اليوم"…هدنة غزّة "قاب قوسين" والأنظار تتجه الى البيت الأبيض بريطانيا تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا ومعضلة سلاح "حزب الله" تؤرق حكومة لبنان

شهداء فلسطينيون جراء الغارات الإسرائيلية المتصاعدة على جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

بعد ردّ حركة "حماس" الذي "اتّسم بالايجابية" على المقترح الأميركي بشأن إرساء هدنة في قطاع غزة، تشخص الانظار نحو المفاوضات التي ستُعقد في العاصمة القطرية، الدوحة، غداة موافقة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على ارسال وفد الى هناك بغية اجراء مباحثات مُكثفة حول وقف اطلاق النار. ولكن "الشيطان الذي يكمن في التفاصيل" يحول دون الحديث عن انفراجة كبرى، لاسيما أن جواب "حماس"، على ايجابيته، تضمن تعديلات شملت 3 نقاط رئيسيّة، وتتعلق بالانسحاب الاسرائيلي والمساعدات الانسانية كما بوقف الحرب، وهو ما رفضته تل أبيب واصفة إياه بـ"غير المقبول".

ومن هنا تكمن خطورة أن تتلاشى معدلات التفاؤل التي ارتفعت أسهمها في الايام القليلة الماضية بعد "التباشير" المستمرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الاتفاق في غزة "بات قاب قوسين أو أدنى"، وهو ما ينتظره سكان القطاع الذين يأملون أن يتم وقف النار اليوم وليس غدًا بغية البحث عن أحبتهم الذين لا يزالون تحت الانقاض ولملمة جراحهم ناهيك عن اهمية ادخال المعونات الغذائية والطبية بشكل عاجل للحدّ من المجاعة التي باتت تتطرق بيت كل عائلة غزاوية نتيجة الحصار "غير الانساني" الذي تفرضه القوات الاسرائيلية على المعابر منذ شهر آذار/ مارس الماضي.

وتتزامن هذه التطورات على وقع الزيارة التي يقوم بها نتنياهو الى البيت الأبيض، حيث من المتوقع أن يلتقي ترامب غدًا، الاثنين، وسط معلومات اعلامية متداولة بأن اللقاء سيتوج بالاعلان عن التوصل الى اتفاق جزئي لا ينهي الحرب نتيجة تعنت الجانب الاسرائيلي وتمسكه باستئناف القتال للقضاء على حركة "حماس" بشكل كامل ومنع اي تمثيل أو وجود لها داخل القطاع. والى جانب الضغوط الأميركية، تتكثف المساعي المصرية والقطرية أيضًا لمنع انزلاق الامور الى ما لا تحمد عقباه، حيث قالت وزارة الخارجية المصرية إن الوزير بدر عبد العاطي بحث في اتصال هاتفي مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف "تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن والأسرى والنفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية للقطاع والتحضير لعقد اجتماعات غير مباشرة بين الطرفين المعنيين للتوصل لاتفاق".

هذا وتسعى اسرائيل من خلال ابداء "مرونة" للتوصل الى اتفاق مرحلي الى تخفيف الانتقادات الداخلية والعالمية المتصاعدة تجاهها، ناهيك عن تتويج الرئيس ترامب كـ"عراب" وقف النار وتحقيق ما عجز عنه سلفه جو بايدن، وبالتالي شراء تل أبيب المزيد من الوقت لتنظيم صفوفها واعطاء استراحة الى جيشها المنهك من الحروب الاسرائيلية المتواصلة، خاصة ان المقترح المتداول لا يقدم تنازلات فعلية بل يضمن اطلاق سراح نصف الأسرى "الاحياء" المحتجزين لدى الحركة، ما يعني تحقيق مكسب كبير لنتنياهو بعد الانتقادات المستمرة من أهالي الرهائن ورفضها المطلق لطريقة ادارة المفاوضات. وكنتيجة، تبدو "حماس" مضطرة للرضوخ والقبول بما هو متوافر حاليًا من تقديمات في وقت تدرك اسرائيل ان العودة للحرب مسألة حتمية طالما هناك رضى اميركي وتوافق على انهاء اي وجود للحركة في مستقبل غزة ويومها التالي ولكنها تسعى حاليًا الى التخلص من ورقة الضغط الوحيدة عليها والمتمثلة في الأسرى.

أما انسانيًا، فالوقائع على الأرض تنذر بمخاطر جسيمة ومخاوف من تزايد أعداد المجوعين وحالات سوء التغذية، لاسيما بين الأطفال والنساء، بعدما صعبت آلية الحصول على المساعدات من معاناة السكان، اذ قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن ائتلافًا يضم أكثر من 200 منظمة إنسانية وحقوقية رفعوا الصوت عاليًا مشيرين الى أن الفلسطينيين في غزة أصبحوا يواجهون خيارًا مستحيلًا يتمثل في الموت جوعًا أو الموت من أجل الحصول على الطعام. وهذا الواقع المأساوي يأتي على وقع تصعيد العمليات العسكرية ونسف جيش الاحتلال ما تبقى من أبنية سكنية في خان يونس واستهداف متعمد لخيم النازحين الذين باتوا "محشورين" في نقاط معينة نتيجة التوسع الاسرائيلي والسيطرة على المزيد من اراضي القطاع.

ومن غزة ومستجداتها الى سوريا التي تشهد على انفتاحٍ جديدٍ تمثل بإعلان بريطانيا إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بعد سنوات طويلة من القطيعة، في وقت كان وزير خارجيتها ديفيد لامي يزور دمشق ويعقد لقاء مع الرئيس أحمد الشرع حيث كانت العلاقات الثنائية وسُبل دعم سوريا الجديدة ضمن المحادثات، خاصة أن لندن تبدي استعدادها لدعم قطاعي التعليم والزراعة بشكل رئيسي. وكانت بريطانيا أعلنت، في وقت سابق، عن حزمة إضافية بقيمة 94.5 مليون جنيه إسترليني لتقديم مساعدات عاجلة للسوريين. وتمثل هذه الاندفاعة تغيرًا نوعيًا في طريقة التعاطي بعد 14 عامًا من الحرب الطاحنة التي سلبت سوريا استقرارها وبنيتها التحتية وحولتها الى دولة مفككة ومهترئة.

تزامنًا، بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منفتحًا على انضمام سوريا الى الاتفاقيات الابراهيمية مع اسرائيل بطلب من الرئيس الأميركي، حيث شدد على أن بلاده "تدعم جميع التطورات التي تسهم في تعزيز مستقبل سوريا المزدهر وترسي السلام والهدوء". الى ذلك، يخطف إقليم كردستان العراق الأنظار، حيث من المرتقب أن تبدأ خلال أيام أولى خطوات تسليم مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" أسلحتهم غداة دعوة زعيمهم عبدالله أوجلان الى حلّ التنظيم والتخلي عن السلاح في خطوة وصفت بـ"التاريخية" بعد 4 عقود من الصراع الدموي الذي خلف آلاف الضحايا وأثقل كاهل تركيا والمنطقة برمتها. الا أن أنقرة التي تبدي ترحيبًا بهذه الخطوات وتسعى لتشجيعها، تنظر بـ"تفاؤل حذر" لما ستحمله الايام المقبلة خاصة أن فتح صفحة جديدة دونه الكثير من العقبات والعراقيل.

الى ذلك، يسير لبنان في طريق محفوف بالمخاطر نتيجة رفض "حزب الله" تسليم سلاحه ووصفه الورقة الاميركية التي سلمها المبعوث توم برّاك في زيارته السابقة الى لبنان بـ"الاستسلامية"، داعيًا الى العودة الى فحوى اتفاق وقف النار والضغط على اسرائيل لوقف عملياتها واستهدافاتها في لبنان. ولكن الحزب اليوم، ليس كما كان عليه قبل 7 أكتوبر حتى ولو اختار مناصروه التجول في شوارع بيروت مدججين بالسلاح في رسالة الى الداخل اكثر منها الى الخارج. فالاحداث الاخيرة تركت "ندباتها" على "حزب الله" خاصة بعد اغتيال أمينه العام حسن نصرالله وكبار الشخصيات والقادة، وعليه تبدو المشاورات خاضعة للكثير من الأخذ والرد والتي لن تكون طهران، بما تملكه من نفوذ وسيطرة، بمنأى عنه.

وفي المعطيات الأخيرة، فشلت اللجنة المكلفة من قبل رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة نواف سلام في التوصل الى صياغة نهائية للردّ على المقترح الاميركي المقدّم في وقت تكثر الاتصالات والمساعي المحلية والاقليمية من أجل ايجاد حلول قبيل زيارة برّاك الى لبنان والمتوقعة غدًا، الاثنين. وكان الاخير استبق زيارته بالتحدث عن "فرصة سانحة الآن"، في إشارة إلى حل لأزمة سلاح "حزب الله". وقال مغردًا على منصة "إكس": "إنها لحظة تاريخية لتجاوز الطائفية المتوترة في الماضي، وتحقيق وعد لبنان الحقيقي بأمل (بلد واحد، شعب واحد، جيش واحد)". يُشار الى أن اسرائيل صعدت من عملياتها داخل لبنان مؤخرًا، حيث قتلت أمس، السبت، شخصًا وأصابت 6 آخرين في 4 عمليات متفرقة. وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنّ "الجيش حاول اغتيال 4 عناصر من "حزب الله" في جنوب لبنان عبر تنفيذ غارات جوية عدة"، مشيرةً إلى "تأكد مقتل عنصر واحد بينما لا تزال حالة 3 آخرين قيد الفحص"، وفق قولها.

على المقلب الايراني، عرض التلفزيون الرسمي صورًا للمرشد علي خامنئي خلال مشاركته في احتفال ديني أُقيم في مدينة طهران، وذلك في أول ظهور علني له منذ بداية الحرب مع إسرائيل، وهنأ في الكلمة التي ألقاها شعب بلاده بـ "الانتصار على اسرائيل"، عادًا أن واشنطن "لم تحقق أي إنجاز يُذكر" بانضمامها الى اسرائيل في حربها على ايران. وضمن السياق عينه، لا تزال المفاوضات بين طهران وواشنطن متوقفة دون أن يلوح في الافق ما يؤكد امكانية استئنافها وهو ما سيكون محور بحث مُعمق خلال اللقاء الذي سيجمع ترامب ونتنياهو في البيت الابيض. وكان الرئيس الاميركي صرح بأن "برنامج إيران النووي تعرّض لانتكاسة دائمة"، غير أنه حذّر من "امكانية طهران أن تستأنفه من موقع مختلف". يُشار الى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت، في وقت سابق، أنها سحبت آخر مفتشيها "بسلام" بعد تجميد طهران رسميًا التعامل مع الوكالة ووقف التعاون في خطوة أثارت العديد من الانتقادات الدولية.

بوادر التوصل الى اتفاق محتمل لوقف الحرب على غزة تصدّر الصحف العربية الصادرة اليوم، وهنا أهم ما ورد :

تحت عنوان "فرصة لانقاذ غزة والمنطقة"، كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "إن إبرام هدنة دون ضمانات بإنهاء العدوان وبدء مشاريع الإعمار والتوافق على الوضع السياسي في القطاع ووقف العربدة والاستيطان في الضفة الغربية والقدس، لن ينهي مأساة الشعب الفلسطيني ولن يفتح له أفقاً لتحقيق أهدافه المشروعة"، مشيرة الى أن "الهدنة، التي يجري الحديث عنها، فرصة لإنقاذ غزة والمنطقة، ويجب تنفيذها ليس لعودة الرهائن فحسب، بل لوقف هذه الجريمة المتمادية في غزة، ولبدء طريق طويل وشاق نحو استعادة الهدوء الإقليمي وفتح أفق لإقامة الدولة الفلسطينية على أساس "حل الدولتين".

الموضوع عينه تناولته صحيفة "الوطن" القطرية التي أوضحت أن "الحرب الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية، أغرقت المنطقة بأسرها في الفوضى وعدم الاستقرار، لذلك تتحرك دولها عبر كل الوسائل الممكنة من أجل تطويق هذا العدوان الإسرائيلي، والدفع باتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات في إطار القانون الدولي"، معربة عن أملها بـ"وقف ما تتعرض له غزة من إبادة حقيقية، والتوجه نحو حل شامل وعادل يمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة بإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس".

ورأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "لغة ترامب تجاه غزة بدأت تشهد تغيرًا إيجابيًا نسبيًا، خاصة فيما يتعلق بالهدنة وضرورتها، وتعرض سكان غزة لجحيم لا يطاق، وهي لغة جديدة بعد أن كان هو بنفسه يهددهم بالجحيم، وضرورة الاستسلام التام، وتسليم الأسرى قبل أى مفاوضات أو تهدئة". وقالت "الساعات القادمة سوف تظهر النوايا الإسرائيلية، وهل يقوم نتنياهو بتفخيخ المقترح الأمريكي الإسرائيلي، كما فعل قبل ذلك كي تستمر الحرب، أم سوف يكون هناك رأي آخر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ضرورة وقف الحرب، والدخول في هدنة الـ 60 يومًا المقترحة؟!".

من جانبها، أشارت صحيفة "الغد" الأردنية الى أن "حسابات إيران اليوم قد لا تكون براغماتية، وقد تتشدد اكثر، في ظل السؤال حول مصلحتها بالذهاب الى مائدة المفاوضات بعد الضربات العسكرية، واذا ما كان لها مصلحة اصلا، ان تذهب لتوقيع اتفاق هزيمة"، معتبرة أن "المواجهة لم تنته تمامًا، فهي مفتوحة على صعيد ملف ونتائج التفاوض، أو في حال عاندت إيران واستمرت بذات سياستها الحالية، بما قد يؤدي إلى اشتعال الحرب إذا اكتشفت واشنطن وتل أبيب أن الضربات لم تحقق المستهدف بشكل كامل، وهذا يعيدنا إلى المربع الاول في كل هذه المواجهة"، وفق وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن