هناك احتمال أن يتم التوصل لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قريبا، وهناك احتمال مماثل أن تستمر حكومة الاحتلال في هوايتها العدوانية، لإجبار الفلسطينيين على الهجرة. نعلم أن الاتفاق المحتمل سيكون طبقا لمقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وهو المقترح الذي سبق لحركة "حماس" أن رفضته أكثر من مرة، لأنه ببساطة لا ينص على أهم مطلبين للفلسطينيين وهما وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
صار معروفا أن الهدنة المقترحة تنص على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما يتم خلالها تبادل 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثة وإطلاق عدد من المسجونين الفلسطينيين وإدخال المساعدات وأن تعيد قوات الاحتلال انتشارها في القطاع، وتبدأ عملية التفاوض على وقف إطلاق النار الدائم في اليوم الأول من بدء الهدنة. ما يهمنا كعرب في هذه الهدنة أن آلة القتل الإسرائيلية ستتوقف لشهرين، بعد أن صارت عملية الإبادة فعلا يتم ممارسته كل لحظة تحت سمع وبصر الجميع، ووصل عدد الشهداء منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023 إلى 57338 شهيدًا و135957 مصابًا، وعشرات الآلاف من المفقودين تحت الأنقاض إضافة لتدمير أكثر من ثلثي المباني والمنشآت.
وحتى لا نتفاجأ، فعلينا ألا نثق في وعود إسرائيل أو إدارة ترامب، ولنا في كل ما سبق عبرة خصوصا ما حدث مع إيران. الفلسطينيون، ومعهما مصر وقطر، حاولوا كثيرا الحصول على ضمانات أمريكية واضحة، بأن يقود وقف إطلاق النار إلى وقف العدوان وانسحاب الاحتلال، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصر على موقفه وطلب من الأمريكيين عدم تقديم أي ضمان باستثناء التعهد باستمرار وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما.
ونتذكر أن إدارة ترامب توسطت قبل دخولها البيت الأبيض مباشرة في وقف لإطلاق النار، وهو ما حدث فعلا، في 19 يناير الماضي، لكن وبعد نهاية الهدنة المؤقتة عادت إسرائيل في 2 مارس الماضي لتشن عدوانا أكثر شراسة، وتعيد احتلال معظم المناطق التي انسحبت منها وتنشئ محاور لتقطيع أوصال القطاع، بعد أن فرضت حصارا وحشيا عليه ومنعت دخول المياه والطعام والوقود وجميع أنواع المساعدات، ثم اخترعت مع الولايات المتحدة نظاما غريبا لإدخال مساعدات عبر هيئة أمريكية ثبت أنها تتسبب في قتل منتظري هذه المساعدات، ومنذ تطبيق هذا النظام في 27 مايو الماضي، فإن حصيلة الضحايا بلغت 743 شهيدا و4891 مصابا.
وحتى لا نتفاجأ فإنه وما لم تحدث معجزة فإن ما ينتظر الفلسطينيين في الأيام المقبلة ليس ورديا، فالخيارات لديهم ليست بين الأفضل والأسوأ، بل بين الأسوأ والأكثر سوءًا! إسرائيل ومعها أمريكا تصر أولا على تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين ــ من القطاع تمهيدا لتصفية القضية ، وما تفعله الآن من استهداف لمنتظري المساعدات، ليس إلا خطوة في هذا السياق. وإذا عجزت عن تنفيذ هذا السيناريو بسبب صمود الفلسطينيين، فهي تصر على ضرورة القضاء على سلطة حماس في القطاع ونفي كبار قادتها وكوادرها إلى خارج القطاع ، وألا يكون البديل هو السلطة الفلسطينية بل كيانات قبلية تحميها وتحمي اسرائيل قوات عربية وإذا حدث ذلك فهو سيناريو شديد الخطورة، وعلينا أن ندرس بهدوء إنشاء سلطة الاحتلال لميليشيات عميلة من عينة ياسر أبو شباب لإشعال حرب أهلية في القطاع.
في المقابل نعرف أن مصر ومعها معظم دول العالم تسعى لتطبيق الخطة العربية في إعادة إعمار القطاع من دون تهجير أهله. وفي تقديري أن أي نتيجة ستقود إلى بقاء الفلسطينيين في أرضهم هي فشل للمشروع الإسرائيلي الأساسي الراغب في تهجير الفلسطينيين لتصفية القضية. هذا لا يعني أن إسرائيل لم تحقق نجاحات في عدوانها فالرؤية الواقعية تقول إنها قوضت جزءا كبيرا من آمال الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة قريبا. وصار أقصى أمانيهم الآن العودة إلى حدود 7 أكتوبر 2023 وليس 4 يونيو 1967. وإعادة القطاع لسنوات إلى الوراء، ورممت مفهوم الردع الذي تعرض لضربة قوية بعد "طوفان الاقصى".
مرة أخرى إذا تمكن الفلسطينيون من البقاء على أرضهم من دون تهجير، فهذا يعني أنهم قادرون على تضميد الجراح وإعادة بناء أنفسهم انتظارا لجولة أخرى من الصراع يحققون فيها نتائج أفضل.
(الشروق المصرية)