صحافة

"المشهد اليوم"...مفاوضات غزّة "على السكة" وملف ايران محور المباحثات"حزب الله" يرفض تسليم سلاحه وغارات اسرائيليّة متزامنة على اليمن وسوريا ولبنان

في وداع الأحبة الذين قضوا في غارات جوية إسرائيلية استهدفت منازل مدنيين في مدينة غزة (د.ب.أ)

تأتي الزيارة الثالثة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن في توقيت محسوب بعناية ودقة، خاصة بعد الحرب الاسرائيلية على ايران والضربات التي وجهت بمساندة أميركية للمنشآت النووية الايرانية وما أعقب ذلك من تأكيدات بإلحاق أضرار جسيمة قد تعيق طهران لسنوات الى الأمام. وعليه سيكون الملف الايراني على أجندة اللقاء المرتقب بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب الى جانب ملفات أخرى شائكة ومعقدة كمفاوضات الهدنة في غزة والاوضاع العامة في المنطقة، وتحديدًا في سوريا واليمن ولبنان.

ولا يقلّ ملف ايران أهمية عن الحرب على غزة، بل ربما يعادلها من حيث الأولوية، لاسيما أن نتنياهو يطمح بالحصول على "ضوء أخضر" أميركي لاستكمال الهجوم على طهران، ولو منفردًا، وفق كل التحليلات، التي تشير الى ان حرب الـ12 يومًا كانت أشبه بـ"بروفا" وأن الحسم الذي تسعى له تل أبيب يحتم اعادة القتال، ولكن هذا "الطموح" يعيقه ترامب الساعي الى لعب دور "عراب" اتفاقيات التهدئة ووقف القتال حتى دون معالجة الأسباب الجذرية والتوصل الى بنود واضحة وحاسمة، ما يعني تأجيل "الانفجار الأكبر" لمرحلة ثانية. ومن هنا يريد نتنياهو التأثير على الرئيس الأميركي و"انتزاع" غطاء سياسي أميركي يستخدمه، عند الحاجة، خاصة أن المفاوضات النووية متوقفة نتيجة رفع طهران "لاءات" عديدة أهمها رفض وقف تخصيب اليورانيوم والتصعيد ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتجميد التعاون معها.

وازاء هذه المعطيات سيكون لقاء اليوم بين نتنياهو وترامب في البيت الابيض شديد الأهمية، لأنه يتزامن أيضًا مع المفاوضات غير المباشرة التي يقودها الوفد الإسرائيلي مع حركة "حماس" في العاصمة القطرية، الدوحة، بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن. وتتضارب المعطيات بين متفائل بإمكانية تحقيق خرق ما وبين متشائم مع استمرار وجود العديد من نقاط الخلاف والتباعد وأهمها ما يتعلق بأسماء الاسرى الفلسطينيين الذين تطالب بهم "حماس"، وبعضهم من "الرموز"، وهو ما ترفضه اسرائيل الى جانب مطالبتها بوقف عمل "مؤسسة غزة الانسانية" والعودة الى آلية التوزيع القديمة عبر "الهلال الاحمر" والمنظمات الأممية بعد تحوّل مراكز التوزيع الى "مصائد للموت المجاني" مع تعمد قوات الاحتلال الى فتح النار على طوابير المجوعين.

أما العائق الثالث فيتمحور حول موضوع الانسحاب الاسرائيلي، إذ تصرّ الحركة على العودة الى ما قبل سقوط الهدنة بينما تتمسك اسرائيل بما حققته ميدانيًا من احتلال واسع لأراضي القطاع. فيما تبقى عقدة العقد وقف الحرب لأن لا ضمانات قوية ولا وعود واضحة بأن تقود هدنة الـ60 يومًا المقترحة الى وقف دائم لاطلاق النار خصوصًا أن نتنياهو يربط بين انهاء القتال والقضاء على "حماس" ونفي قيادتها وسحب سلاحها. فـ"اليوم التالي" في غزة يبدو رهن المفاوضات التي ستحدث في الغرف الضيقة وخلف الأبواب المغلقة والتي، بحسب كل القراءات، لن تحقق للغزاويين السلام المنشود. وفي السياق عينه، نقل موقع "والا" الاسرائيلي عن عدد من المسؤولين الأميركيين إشارتهم الى أن "القضية الشائكة هي مَن سيسيطر على غزة بعد الحرب"، وأن إسرائيل والولايات المتحدة ترغبان في "تجنب نموذج يشبه نموذج "حزب الله" في لبنان".

وبات من الواضح أن نتنياهو يرفض حكم "حماس" كما يعارض أي دور للسلطة الفلسطينية في ادارة القطاع وهو ما يُعقد المشهد السياسي الراهن. الا ان الدفع الاميركي والزخم للاعلان عن هدنة "ولو مرحلية" ومساعي الوسطاء الحثيثة يمكن أن تخلق فرصة ما يترقبها أهالي القطاع بفارغ الصبر، الذين ينتظرون باللحظات لا بالايام الاعلان عن وقف الحرب والعمليات العسكرية التي تشهد تصعيدًا ميدانيًا كبيرًا وسقوط المزيد من الشهداء والجرحى وسط ظروف انسانية كارثية وشح كبير في جميع المواد الاغاثية والتهديد الخطير الذي يواجه القطاع الطبي والاستشفائي من انهيار تام وذلك بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال. هذا وكان ترامب استبق اللقاء مع نتنياهو اليوم، الاثنين، بالاعلان عن وجود فرصة جيدة لابرام اتفاق بشأن تحرير الرهائن ووقف اطلاق النار مع "حماس" هذا الاسبوع.

ومع تصدّر الوضع في غزة الاولوية، تعيش الضفة الغربية المحتلة واقعًا صعبًا مع استمرار عمليات الاعتقال التعسفي والمداهمات الاسرائيلية اليومية التي تؤدي الى وقوع شهداء ومصابين. في وقت أخلت عشرات العائلات الفلسطينية منازلها قبيل تنفيذ قرار هدمها في مخيم طولكرم. وذكرت مصادر محلية أن الاحتلال هدم في مخيم طولكرم وحده خلال العملية العسكرية المستمرة للشهر السادس، أكثر من 90 بناية سكنية و250 بناية تضم 800 شقة سكنية في مخيم نور شمس. من جهتها، ذكرت القناة الـ12 الاسرائيلية، أن الضفة الغربية تعيش طفرة استيطانية غير مسبوقة، حيث ارتفع عدد المستوطنات من 128 مستوطنة معترفا بها إلى 178 حاليا، بزيادة قدرها نحو 40% في فترة حكومة نتنياهو، إلى جانب هدم تصاعدي لمنازل الفلسطينيين.

في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي عن رصد صاروخين أطلقا من اليمن وتفعيل صفارات الإنذار في عدة مناطق. ويأتي ذلك بعد شنّ القوات الاسرائيلية، في وقت متأخر الليلة الماضية، هجومًا على عدة أهداف في مدينة الحديدة اليمنية. وقال وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس إن سلاح الجو هاجم "أهدافًا إرهابية في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومحطة رأس الخطيب للطاقة" في عملية أسماها الراية السوداء". وأضاف "هاجمنا سفينة "غالاكسي ليدر" التي اختطفها الحوثيون قبل سنتين ويستخدمونها لأنشطة إرهابية". من جهته، أكد عضو بالمجلس السياسي الأعلى لجماعة "الحوثيين" أن "تمادي العدو في استهداف منشآتنا لن يزيد شعبنا إلا ثباتًا على نصرة غزة".

وتنفذ اسرائيل بين فترة وأخرى ضربات على نقاط ومواقع استراتيجية تابعة لـ"الحوثيين" في اليمن الذين يستمرون باطلاق الصواريخ على اسرائيل، ولو بوتيرة أخف، بحجة نصرة غزة وسكانها ورفض حرب الابادة الدائرة. في حين تحمّل تل أبيب ايران مسؤولية ذلك لاعتبارها جماعة "الحوثي" من الوكلاء المدعومين من قبلها في المنطقة. ومنذ عملية "طوفان الأقصى" تشنّ قوات الاحتلال ضربات عسكرية على "الأذرع" الايرانية في محاولة لتحجيم دورها ونفوذها والقضاء على ترسانتها العسكرية والتسليحية. فالى جانب اليمن، يتعرض لبنان يوميًا لاعتداءات وضربات مشابهة، وكان آخرها مساء أمس، الأحد، حين نفذّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات وصفت بـ"الاستثنائية" وطالت مناطق متفرّقة في البقاع وجنوب لبنان بالتزامن مع تحليق مكثف للطيران الحربي والاستطلاعي في أجواء القطاعين الغربي والأوسط من البلاد.

ويستبق التصعيد الاسرائيلي تسليم لبنان الرسمي ردّه "الموحد" على ورقة الطروحات الأميركية الّتي قدمها الموفد الأميركي، توم برّاك، وذلك وسط معلومات بأن الجانب اللبناني حاول ارساء معادلة توافق بين الشروط الخارجية والمصلحة الداخلية مع التأكيد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعمال العدائية فورًا. الا ان المعضلة الحقيقية تبقى في تمسك "حزب الله" بسلاحه ورفض تسليمه مع قبوله فقط بإعلان منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح، وهذا يتعارض مع الضغوط الدولية التي تطالب بحصرية السلاح بيد الدولة وتربطه، ولو بشكل غير مباشر، بعملية اعادة الاعمار وتوفير الأموال اللازمة. وكان الأمين العام للحزب نعيم قاسم حسم الجدل بالقول: "لا تطلبوا منّا ترك السلاح، فلن نكون جزءًا من شرعنة الاحتلال في لبنان والمنطقة".

ومن غزة والضفة الغربية الى لبنان فسوريا، تتواصل العربدة الاسرائيلية دون أي رادع حيث قال جيش العدو إنه دمر مواقع عسكرية عدة جنوبي البلاد تابعة لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عازيًا السبب الى أنها "تشكل تهديدًا مباشرًا لمواقع الجيش الاسرائيلي في منطقة جبل الشيخ". كما قال إنه "يشنّ عمليات استباقية في جنوب سوريا، لحماية أمن مواطني إسرائيل وسكان هضبة الجولان بشكل خاص". ولم يصدر أي تعليق من الجانب السوري حتى الآن، رغم أن دمشق أدانت مرارًا وتكرارًا الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة ولكنها أكدت عدم قدرتها على الدخول في حرب جديدة بينما البلاد تئن من تداعيات المرحلة السابقة.

في الشأن الدولي، انتقد الرئيس ترامب إعلان حليفه السابق إيلون ماسك تأسيس حزب سياسي جديد تحت مسمى "حزب أميركا" واصفًا الخطوة بالـ "سخيفة". وأشار الى أن "النظام كان دائمًا قائمًا على حزبين، وأعتقد أن تأسيس حزب ثالث يزيد فقط من الارتباك". وأتت خطوة ماسك، غير واضحة المعالم والأهداف، في اليوم التالي للتوقيع على "قانون دونالد ترامب الكبير والجميل" وذلك بعد تصاعد الخلافات بين الرجلين اللذين كان في وقت من الاوقات من أقرب الحلفاء.

التطورات على اختلافها عكستها عناوين وتحليلات الصحف الصادرة اليوم، واليكم أبرزها:

كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "خلال أكثر من ثمانين عاماً، كانت قضية الفلسطينيين هي الأكثر تفضيلًا لدى المزايدين والمتكسّبين، وعند تصفية الحسابات، لقد كانت بندقية في أيدي بعض اللصوص أهدروا بها الدماء، وقوّضوا بها مستقبل العالم العربي دون أن يفيدوا الشعب الفلسطيني بشيء". وأردفت قائلة "ما حصل أنه وخلال العقود الثمانية الماضية، تقلّصت فلسطين التي دافعوا عنها عبر الإذاعات حتى انتهت في غزة.."، على حدّ قولها.

ورأت صحيفة "الوطن" القطرية أن "الإمعان في القتل والتنكيل بحق الفلسطينيين واستمرار الاقتحامات خاصة للمسجد الأقصى يُعتبر استفزاز يومي، ومن المؤسف أن العالم لا يتوقف عنده مليا، وكأن ما يحدث من قتل وتنكيل واعتقالات هو جزء طبيعي من وقائع الحياة في الأراضي المحتلة"، جازمة بأن "ما لم تدركه إسرائيل ومن يقفون وراءها، هو أن المقاومة ستستمر طالما لم يتم التوصل لحل عادل وشامل، وما نراه لا يدفع على أي تفاؤل للأسف الشديد".

هذا ولفتت صحيفة "القدس العربي" الى أن "حكومة نتنياهو وشركاؤه عملت، منذ انفجار الأحداث في غزة، على استبدال الملفّ الفلسطيني بالملفّ الإيراني، عبر ضرب طهران بشكل مداور"، متحدثة عن وجود "مشتركات أساسية بين أمريكا وإسرائيل بما فيها الأوهام التي تتعلّق بالفلسطينيين، فإلى تشديد نتنياهو على "الفوز على إيران" و"الانتصار المطلق في غزة"، فإن حكومته تتطلّع أيضا إلى اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أو على أجزاء منها، وفي الوقت نفسه، يتطلّع الجانبان إلى توسيع "اتفاقات أبراهام"، وفقًا لتحليلاتها.

وتحت عنوان "نوبل للسلام"، أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "تطلع ترامب للفوز بها لا يأتي من فراغ. فهو يعرف أنه يستطيع خلق إيحاء زائف بأنه صانع سلام في العالم رغم مشاركة إدارته في العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران مشاركة كاملة، ودعمها المتواصل حرب الإبادة الشاملة في قطاع غزة". واضافت "عندما نتأمل سجل إدارة ترامب في شهورها الأولى من زاوية وعوده بإنهاء الحروب ليعم السلام العالم نجد أنها لم تحقق سوى إنجاز واحد ما برح مزعزعًا هو الاتفاق بين الكونغو الديمقراطية ورواندا" (في اشارة الى انه فشل في وقف كل الحروب الاخرى في اوكراني وغزة..).

وعن الواقع اللبناني، نبهت صحيفة "الراي" الكويتية بأنه "مازالت تداعيات "طوفان الأقصى" تُعيد تشكيل الحسابات الإستراتيجية للمنطقة، مع نتائج هائلة ومدمرة على محور المقاومة. وما برحت حصيلة هذه الأحداث تتكشف، حيث يُعاد رسم الخريطة الجيو - سياسية للشرق الأوسط في الوقت الفعلي، وقد يكون الأسوأ مقبلًا"، معتبرة أن "رفض "حزب الله"، للمقترح الأميركي - الاسرائيلي هو الشرارة - وليس النتيجة. وسواء أعقبت هذا القرار الحرب أو الانهيار السياسي أو إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية، فإن لبنان على وشك التحول. وقد يحاول "محور المقاومة" التصدي والصمود، لكن ثمن الصمود قد يكون أعلى من أي وقت مضى".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن