صحافة

"المشهد اليوم"…كمين بيت حانون "يُحاصر" نتنياهو وهدنة غزّة "لم تكتمل"ايران تسعى للتقارب مع الدول العربية و"حزب الله" يجدّد رفع سقف المواجهة

جنود إسرائيليون يحملون نعش زميل لهم في القدس بعد مقتله في غزة (رويترز)

تمارس واشنطن ضغوطًا كبيرة على اسرائيل و"حماس" لدفعهما الى تخطي النقاط الخلافية التي تحول دون التوصل الى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة، فيما تتداخل الوساطات وتتكثف الجهود في العاصمة القطرية، الدوحة، لسدّ الفجوات وتقليص نقاط التباعد في وجهات النظر. وبات واضحًا أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب يبدو تواقًا الى مثل هذا "الاعلان الكبير" بعد عدم تحقيق أي نتائج مثمرة على الجبهة الأوكرانية وهو ما دفعه خلال الأيام الماضية الى توجيه سهامه بشكل متكرر لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.

هذا الدفع القوي ترجمه المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف حين أعلن أمس، الثلاثاء، أن القضايا الخلافية بين اسرائيل و"حماس" تم تقليصها من 4 إلى واحدة، مؤكدًا أنهم يسعون إلى "سلام دائم في غزة وحلّ النزاع بصورة حقيقية". الا ان ذلك يطرح العديد من الاسئلة بشأن وقف الحرب ومن سيحكم في "اليوم التالي" للقطاع وصولًا الى مخطط تهجير الفلسطينيين الذي تناولته العديد من الصحف الاسرائيلية في الآونة الاخيرة من باب التأكيد على أن هذا المشروع لم يغب عن بال المعنيين وهم يدفعون نحوه بشتى الطرق الممكنة. وفي السياق، رجح مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى أن تتولى تل أبيب حكم غزة مدة من الوقت، مجددًا رفض حكومته عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع.

وتتمسك تل أبيب برفض حكم "حماس" كما السلطة الفلسطينية ما يضع أي اتفاق "في مهب الريح" لأنه سيفاقم معاناة الغزاويين الذين ذاقوا طوال الأشهر الماضية كل أنواع العذبات والخسائر وهم يأملون باعلان فوري عن وقف النار ويدفعون تجاهه مهما كانت التنازلات السياسية فادحة، لاسيما أن الحركة باتت اليوم تواجه اعتراضات داخل الشارع الفلسطيني الذي يطالبها بتبادل الاسرى والقبول بما هو معروض أميركيًا خوفًا من المزيد من "أبواب الجحيم" التي يتوعد بها سيد البيت الابيض غزة في كل مرة. والامر عينه في المقلب الاسرائيلي حيث ينفذ أهالي الاسرى المحتجزين لدى "حماس" اعتصامات ويطلقون مناشدات يومية لوقف معاناة ذويهم والتوصل الى اتفاق فورًا.

دون أن نغفل هنا ايضًا الخسائر الجسيمة التي يتكبدها الجيش الاسرائيلي خلال توغله البري في القطاع وذلك على اثر تصعيد الفصائل الفلسطينية من عملياتها وهو ما يقض مضجع نتنياهو الباحث عن "انتصارات". فـ"كمين خان يونس" الذي أدى الى مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين، بالتزامن مع اللقاء الذي عُقد بين ترامب ونتنياهو، خلط الأوراق وأظهر الاخير في موقع عجز وضعف عن فرض شروطه امام ترامب لأنه يؤكد أن الحرب الدائرة لم تستطع القضاء بعد على المقدرات القتالية للفصائل التي تقاتل بـ"اللحم الحي" وبأقل الامكانيات الممكنة.

في موازاة ذلك، أكدت قطر الحاجة إلى مزيدٍ من الوقت بهدف بلورة التفاهمات بين الجانبين، وذلك مع دخول المحادثات غير المباشرة يومها الثالث في الدوحة دون تحقيق خروقات كبيرة يُبنى عليها ولكن هناك أجواء "ايجابية" يتحرك وفقها الجميع في محاولة لتحسين الشروط ولكن دون القفز فوق الرغبة الاميركية بمنع وجود أي عراقيل تحول دون تحقيق الاتفاق المزعوم. الى ذلك، دخلت السلطة الفلسطينية على خط ما يجري حيث شدد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى على أن الخطة الإسرائيلية القائمة على منع إقامة دولة فلسطينية ومنع عودة السلطة إلى قطاع غزة "لن تنجح"، مؤكدًا أن الموقف الرسمي "الثابت" هو تجسيد الدولة المستقلة.

ولكن السلطة نفسها تمر بحالة من الوهن والعجز الذي يجعلها بعيدة عن طاولة المفاوضات أو أي إطار مستقبلي، خاصة أن شعبيتها في تراجع حاد بعد المواقف "غير الفعالة" التي اتخذها الرئيس محمود عباس طوال المرحلة الماضية والتي ساهمت بتعميق الخلافات الداخلية وزيادة الشرخ. وفي المحصلة، فإن إمكانية نجاح المفاوضات مساوية تمامًا لنسبة فشلها، رغم الضخ التفاؤلي الذي يعلنه الرئيس الأميركي المبشر باتفاق "وشيك" في القطاع المحاصر والمنكوب. وقد خطفت المباحثات الاضواء عما يجري ميدانيًا وانسانيًا نتيجة التصعيد الاسرائيلي وسط ظروف أقلّ ما يقال عنها كارثية لجهة وقوع المزيد من الشهداء والجرحى وتعمد الاحتلال استهداف خيم النازحين ومراكز الايواء التي تعج بالأهالي، وأغلبهم من النساء والأطفال.

بالتوازي مع هدنة غزة كان الملف الايراني حاضرًا بقوة خلال لقاء ترامب - نتنياهو الا ان وجهات النظر بين الجانبين لم تكن متطابقة، ففي حين يدفع الرئيس الاميركي نحو اعادة جلب طهران لطاولة المفاوضات واعتماد الحلول الدبلوماسية للتوصل الى اتفاق نووي جديد، يجنح الاخير نحو المزيد من الضغوط العسكرية وتوجيه ضربات محددة لها، لاسيما أن كلاهما يدرك جيدًا أن العمليات الأخيرة أدت الى "اضعاف" طهران على المدى القصير ولكن دون القضاء نهائيًا على مقدراتها النووية. أما النظام الايراني فيبدو أنه يتحرك وفق خطة جديدة تقوم على تحسين العلاقات مع الدول العربية بعد سنوات طويلة من التراشق الاعلامي والتغلغل العسكري في عواصم عربية.

وتتقرب طهران من الرياض حاليًا، حيث بحث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مستجدات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها. وقد أسهمت الأحداث التي عصفت بالمنطقة بعد عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والضربات القاصمة التي تلتقها "أذرع" ايران في المنطقة الى تبدل في سياساتها الراهنة، فانتقلت من مرحلة الهجوم الى المهادنة ونسج العلاقات مع دول الجوار وهو ما يمكن التعويل عليه لجهة التخفيف من حدة الصراعات ونتائجها. في اطار متصل، أكدت طهران أنها تدرس طلب الولايات المتحدة استئناف المفاوضات، مع تأكيدها تلقي طلب من واشنطن لعقد لقاء مع مسؤولين أميركيين بشأن المحادثات النووية. ومنذ حرب الـ12 يومًا توقفت المباحثات التي كانت تشهد تقاربًا ملموسًا بشأن عدة قضايا الا انها واجهت عقدة رئيسية في جولاتها الخمس وتتعلق بتخصيب اليورانيوم وهو ما تضعه ايران ضمن "الخطوط الحمر".

تزامنًا، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن الترويكا الأوروبية قد تعيد فرض العقوبات الأممية على إيران بموجب آلية "سناب باك"، محذرًا من أن الخطوة قد تزيد معاناة طهران ما لم تتخذ موقفًا جديًا بشأن التراجع عن البرنامج النووي. وقد طرحت القوى الأوروبية هذا الخيار ردًا على قرار إيران تجميد تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنع مفتشيها من الوصول الى المنشأت النووية بعد اتهامها بالتماهي مع الضربات الاميركية الاسرائيلية وعدم ادانتها حتى وصل الامر ببعض الصحف الايرانية الى المطالبة باعتقال رئيس الوكالة واعدامه. يُشار الى ان هذه الدول تحاول أن تحجز مقعدًا لها على طاولة المفاوضات بعد تهميشها من قبل الادارة الاميركية على عكس ما حصل عقب الاتفاق النووي السابق الذي أُبرم في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

لبنانيًا، رأى الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، في مقابلة تلفزيونية. أن المشروع الأميركي في المنطقة يعمل على "تحقيق ما لم يتمكنوا من أخذه بالحرب، من خلال الضغوط السياسية عبر إسرائيل"، مجددًا رفع سقف المواجهة اذ قال "نحن سنواجه عندما نقرر نحن المواجهة، وإذا اعتقد الإسرائيلي، ومن خلفه الأميركي، ومن خلفه أي طرف آخر، أن المزيد من الضغوط علينا سيحقق أهدافهم، فهم مخطئون". ومع رفضه مبدأ "الاستسلام" ينتظر لبنان ما ستؤول اليه المفاوضات والمساعي بعد تسلّم المبعوث الاميركي توم برّاك الرد اللبناني الذي حاول السير على "الألغام" دون تفكيكها وذلك لجهة ربط مستقبل سلاح الحزب بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي اللبنانية. في وقت شهد الميدان على تعدٍ جديد تمثل باستهداف سيارةً في منطقة العيرونيّة الواقعة بين المنية وطرابلس شمال لبنان.

وهذا الاستهداف الأوّل من نوعه في منطقة الشمال منذ إعلان وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، ويأتي وسط تساؤلاتٍ عن الرسائل الإسرائيليّة الكامنة خلفه بظل تضارب المعطيات بشأنه. وكان الجيش الإسرائيلي أعلن، في بيان له، أنه استهدف شخصية "مؤثرة" في حركة "حماس" من دون الكشف عن هوية المستهدف. بينما أفادت وزارة الصحة اللبنانية بوقوع شخصين واصابة 3 آخرون في العملية. ويأتي ذلك بعد يوم من اغتيال الجيش الإسرائيلي قائدًا وعنصرًا في "قوة الرضوان" التابعة لـ"حزب الله" في غارتين على قضاءي صور وبنت جبيل.

وقد عكست الصحف العربية الصادرة اليوم ما يجري محليًا واقليميًا من مستجدات ووقائع. وفي جولتنا الصباحية رصدنا التالي:

أشارت صحيفة "الراية" القطرية الى أن "ما يجري في واشنطن ليس مفاوضات سلام تقليدية، بل إنه صراع على السردية والمكاسب السياسية. ترامب يسعى لاختراق دبلوماسي قبيل الانتخابات النصفية، ونتنياهو يستثمر في الحرب لتفادي السقوط السياسي"، مشددة على أنه في حال "فشلت هذه الجولة، فلن يكون ذلك مجرد إخفاق تفاوضي، بل شهادة إضافية على انهيار النظام الدولي، وشرعنة الإبادة تحت غطاء الأمن القومي. أما إن نجحت، فربما تُكتب بداية لمسار جديد، لا يقوم على الهيمنة، بل على العدالة، والمحاسبة، والحق في البقاء".

ورأت صحيفة "الغد" الأردنية أن "الذين يراهنون على وقف الحرب في غزة بشكل دائم، عليهم ألا يراهنوا على ان الحرب سوف تتوقف، حيث إن اهداف الحرب ستبقى قائمة في كل الاحوال"، لافتة الى "أن هذه ليست حربًا على تنظيمات فقط، بل حرب على الوجود الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية، اي ان تحقيق مستهدفات حرب غزة، سيؤدي الى الذهاب الى ملف الضفة الغربية، وملف فلسطينيي 1948، بشكل متدرج، حتى لاتبقى ابصارنا متعلقة فقط بما يجري داخل قطاع غزة، الذي يعد ركن الاساس في المشروع الاسرائيلي في هذه المرحلة، بما يفرض هنا رد فعل مختلف تماما عما سبق"، بحسب قولها.

من جهتها، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "يخطئ المبعوث الأمريكي إلى لبنان، توم برّاك، إذا ظن أن مشكلة سلاح "حزب الله" لبنانية داخلية ولا حل لها من الخارج، فاللبنانيون عاجزون عن مواجهة هذه المشكلة منذ نشأة هذا الحزب، ولم تُحل أي مشكلة في لبنان سابقًا دون تدخل خارجي!". وأردفت قائلة "تخلي المجتمع الدولي عن لبنان في هذه المرحلة الحاسمة، هو بمثابة منح "حزب الله" فرصة ذهبية لالتقاط أنفاسه وإعادة بناء قوته، التي ما زالت، حتى بعد ما تعرضت له من ضربات، تفوق مستوى التكافؤ مع الدولة والقوى السياسية الأخرى!".

أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فنبهت الى أن "تمديد المهلة المعطاة للدولة اللبنانية بتنفيذ تعهداتها في الإمساك بقرار الحرب والسلم، وإنجاز الإصلاحات المطلوبة، لا يعني، ولا يجب أن يعني لأحد في السلطة أو خارجها، أن ثمة فترة زمنية مفتوحة أمام لبنان للخروج من دوامة هدر الوقت وتضييع الفرص المتاحة"، مؤكدة أن "قطار التطورات الجذرية والمتغيرات السياسية إنطلق، ومن لا يستطيع اللحاق به والركوب فيه، يبقى وحيدًا على رصيف الإنتظار، ومعزولًا عما يجري حوله من أحداث وخطوات من شأنها أن تؤسس لشرق أوسط جديد".

وعن ايران، أفادت صحيفة "البلاد" البحرينية أنه "وعلى مدار عقود عديدة، تمكنت إيران من بناء شبكة من التحالفات العسكرية في لبنان واليمن والعراق وسوريا كرافعة لمشروعها التوسعي، وقد شكلت هذه التحالفات العمود الفقري للمشروع الإيراني"، مضيفة "إنه أردنا استخلاص نتيجة مهمة من كل هذه التطورات الدراماتيكية السريعة في المنطقة مؤخرًا لوجدنا أن أساسها أن النظام السياسي الإيراني ظل متمسكًا بمشروعه التوسعي ولم يأخذ في الاعتبار كل التطورات، حيث بدأت الشعوب والدول في العالم تدرك أهمية تحررها وتقرير مصيرها بينما النظام الإيراني ظل يغرد خارج السرب"، وفق تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن