معسكر اعتقال

كثيرة هي الخطط الإسرائيلية المتعلقة بالحرب على قطاع غزة، ومن أبرزها "خطة الجنرالات"، و"عربات جدعون"، وأخيراً "المدينة الإنسانية" التي كشف النقاب عنها مؤخراً، والتي تستهدف حشر 600 ألف فلسطيني، في مرحلة أولى، في مدينة من الخيام على أنقاض مدينة رفح المدمرة، وفي مرحلة ثانية حشر كل سكان القطاع فيها بالقوة، ويمنع على من يدخلها الخروج منها، تمهيداً لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين.

لم يكن الفلسطينيون، عبر تاريخهم، ينتظرون هدايا إسرائيلية أو لفتات إنسانية، إلا إذا كنا نتحدث عن بعض "الامتيازات" التي منحت لشخصيات فلسطينية من نوع بطاقة (VIP) لتسهيل المرور عبر الحواجز الإسرائيلية، لكنها لم تمنع خضوع هذه الشخصيات المهمة للتفتيش. أو إذا كنا نتحدث عن إدخال مساعدات لقطاع محاصر منذ سنوات طويلة، مع أن هذه المساعدات التي توصف بأنها "إنسانية" ليست إسرائيلية، ومن واجب السلطة القائمة بالاحتلال إدخالها بموجب القوانين الدولية.

المساعدات "الإنسانية" التي رأيناها وشاهدها العالم أجمع هي القنابل التي تتساقط فوق رؤوس الفلسطينيين، والإبداع الإسرائيلي في وسائل "حرب الإبادة" والتجويع والتعطيش، وعمليات القتل والتدمير، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس التي تؤوي النازحين، من دون تمييز بين مدني ومسلح، أو بين طفل وشيخ وامرأة تحت ذرائع واهية لا يصدقها أي عقل بشري.

بهذا المعنى، لا يمكن الحديث عن قوانين دولية، أصلاً لا تعترف بها إسرائيل باعتبارها فوق القانون والمساءلة، ولا حتى عن أخلاقيات الغرب المتحضر التي تعتبر نفسها جزءاً منه، رغم أن الإسرائيليين أنفسهم، بمن فيهم الحقوقيون والجيش والنيابة العامة، يحذرون من أن حشر مئات آلاف الفلسطينيين في ما يسمى "مدينة خيام إنسانية" ليس سوى "معسكر اعتقال" تحت ستار "إنساني" له عواقب خطرة بموجب القانون الدولي، لعل أقلها أنه "جريمة حرب موصوفة".

اللافت هنا أن طرح خطة ما يُسمى "المدينة الإنسانية" ترافق مع بدء زيارة نتنياهو إلى واشنطن، لكن الحديث بشأنها استمر بعد انتهاء زيارة نتنياهو واجتماعه مرتين مع الرئيس ترامب، وهو ما يعني واحداً من أمرين، إما أنه جرى التفاهم بشأنها مع الرئيس ترامب، وإما أن الرئيس الأمريكي لم يتمكن من إقناع نتنياهو بالتخلي عن هذه الخطط وإنهاء الحرب. لكن ما هو واضح أن ارتدادات هذه الخطة فرضت نفسها على مفاوضات الدوحة، وهو ما يتبدى في خرائط الانسحاب التي قدمها الجانب الإسرائيلي، والتي تشير إلى الاحتفاظ بمحوري موراغ وفيلادلفيا تحت السيطرة الإسرائيلية، ما يعني أن الخطة لا تزال قائمة.

وربما هذا ما يفسر سبب تراجع التفاؤل الذي ساد عملية التفاوض في الجولة الأخيرة، ومطالبة الجانب الأمريكي بتأجيل عملية التفاوض حول الانسحاب إلى المرحلة النهائية. ما هو واضح حتى الآن أنه يتم التخطيط لتحويل قطاع غزة من سجن كبير مفتوح إلى سجن ضيق ومغلق، تمهيداً لعملية ترانسفير جديدة حتى ولو عبر البحر.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن