هل كان كلام الموفد الأميركي الخاص توم برّاك عن مزارع شبعا ودعوته اللبنانيين إلى "تبادل بعض الأراضي المحيطة بها" زلة لسان جديدة مماثلة لتلك التي برزت في زيارته السابقة عندما تحدث عن "حزب الله" على أنه حزب سياسي بذراع عسكرية، أو أن تلك الإشارة إلى المزارع كانت مقصودة في إطار الرسائل التي يطلقها براك تحضيراً للمرحلة المقبلة، وتعبيداً لمسار التطبيع الذي أطلقه أيضاً، وإن في شكل مبطن وغير مباشر؟
في لقائه مجموعة من الصحافيين قبيل مغادرته بيروت أول من أمس، حرص براك على الاجابة عن الأسئلة المطروحة، في مسعى منه لري غليل الإعلام المتعطش لفهم الرسائل المبطنة التي يخفيها وراء ابتساماته وديبلوماسيته. أبلغ الرسائل الأخيرة تلك المتصلة بمسار التطبيع ومصير مزارع شبعا والأراضي المحيطة، والتي تشكل نقطة خلاف بين لبنان وسوريا، وتمنح الحزب ذريعة "المقاومة" لتحرير الأراضي المحتلة، وخصوصاً أن التلال الخمس المحتلة أخيراً، إلى جانب الاسرى، تدخل في صلب المفاوضات الجارية حالياً حول السلاح.
في حديثه عن العلاقة بين لبنان وسوريا، حرص براك على شرح الجزء المتعلق بها في المقترح الأميركي، والمتصل بترسيم الحدود، وتحديداً في مزارع شبعا التي زارها واستغرب الضجة المثارة حولها والتقاتل عليها، "وكأنها أجمل أرض" على قوله، داعياً إلى عملية تبادل لبعض الأراضي المحيطة بها، على قاعدة أن تلك الأرض "لا قيمة لها". والواقع أن بند ترسيم الحدود الشمالية الشرقية، إلى جانب الحدود الجنوبية، يدخل في صلب ورقة براك ومهمته التي تركز على نقاط ثلاث سبق أن أشرنا إليها في "النهار" منذ تقديم الورقة، هي سلاح الحزب والإصلاحات المالية والترسيم.
ويساعد برّاك في القيام بهذه المهمة، صلاحياته موفدا خاصا للرئيس الأميركي في سوريا وفي لبنان الآن، ما يجعل من هذا البند ملفاً أساسياً بالنسبة إليه. يقدم برّاك في رسائله الأخيرة مقاربة جديدة للبنانيين ترسم مرحلة ما بعد السلاح. فهو بدأ يمهد الطريق لموضوع التطبيع، مقدماً عصاه مع جزرة الاستثمارات العربية واستعادة لبنان موقعه.
ويقول بصريح العبارة: "إذا تماسك اللبنانيون فسيسيطرون على المنطقة وتتدفق إليهم أموال الخليج". ولكن إلى أي حد لبنان بات جاهزاً لهذا الفصل الجديد؟ وهل طرح براك الموضوع مع المسؤولين اللبنانيين؟ وما "الأراضي الأخرى" التي تحدث عنها وعن عملية تبادلها مع مزارع شبعا؟ في معلومات "النهار" أن هذا الموضوع لم يطرح في شكل رسمي ومباشر مع المسؤولين اللبنانيين، كما أنه لم يدرج في المقترح الأميركي، بل إن ما طرح كان اقتراحاً للجوء إلى التحكيم، وكان الرد اللبناني أن الأمر يتم عبر ترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا، شرط أن تنسحب إسرائيل من الجزء اللبناني من المزارع.
وتضيف المعلومات أن براك عاد واقترح تشكيل لجنة ثلاثية تضم لبنان وسوريا وإسرائيل، ورفض لبنان الطرح على قاعدة أن المشكلة لبنانية- سورية، فيما إسرائيل محتلة. ومعلوم أن مسألة المزارع وردت في اتفاق وقف النار الموقع في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ضمن البند القاضي بأن تدفع أميركا لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية، وهو ما يقوم به براك اليوم. أما ما قصده فعلاً، فقد جاء في سياق كلامه عن أن "الأمر يتعلق بالأرض، والأرض لا قيمة لها"، كاشفا أن "هناك حديثا عن جبل الخليل كمكان استراتيجي"، مضيفا "أن الجميع لديه مراقبة والأمر يفوق طاقتي، لذلك الجميع مجبر على تجاوز الأمر".
(النهار اللبنانية)