"عمّاتُنا النخيل" لَسْنَ فقط كريمات، بل هنّ أيضًا ثَرِيَّات، ولكنّ جزءًا كبيرًا من ثرواتهن ما زال غير مستغل. وتنتشر زراعة النخيل في أغلب الدول العربية، خصوصًا المناطق ذات المناخ الجاف وشبه الجاف، وتُنتج الدول العربية نحو 45% من الإنتاج العالمي للتمور، والذي يُقدّر بنحو 9.8 ملايين طن سنويًا. وتُعتبر مصر أكبر منتج للتمور في العالم بإنتاجٍ سنويّ يُعادل 1.8 مليون طن، ثم السعودية في المرتبة الثانية عربيًا وعالميًا بإنتاجٍ يصل إلى 1.6 مليون طن، تليها الجزائر في المرتبة الثالثة عربيًا بـ1.2 مليون طن، ثم العراق بنحو 670 ألف طن، والإمارات بـ400 ألف طن.
لم تعُد التمور تقتصر على كونها طعامًا عربيًا تقليديًا، بل باتت مدخلًا أساسيًا لصناعاتٍ جديدةٍ ومتنوعةٍ في ظلّ تطوّر التكنولوجيا والطلب المتزايد على الموارد الطبيعية والعضوية.
ثروة العرب من النخيل لم تُستغلّ كما ينبغي
وفي هذا الإطار، يُشكّل تصدير التمور جزءًا مُهمًّا من الاقتصاد غير النفطي في العديد من الدول العربية حيث بلغ إجمالي قيمة صادرات التمور من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالى 1.3 مليار دولار سنويًا. واحتلّت السعودية المركز الأول عالميًا وعربيًا بنسبة 20% من صادرات العالم بقيمة تصل إلى نحو 451.7 مليون دولار، تليها الإمارات بقيمة 328.8 مليون دولار، ثمّ تونس بـ267 مليون دولار، ومصر بحوالى 88 مليون دولار، فالجزائر بـ80 مليون دولار.
لكن ما زالت هناك إمكانيات كامنة في ثروة العرب من النخيل لم تُستغلّ كما ينبغي، ولذلك بدأت العديد من الدول العربية في وضع استراتيجيّاتٍ لتعزيز صادراتها من التمور ومنتجات النخيل عامةً، اعتمدت على محورَيْن أساسيَيْن:
- المحور الأول يهدف إلى تحسين إنتاجيّة وجودة التمور عبر معالجة العديد من التحدّيات، من أهمّها ندرة المياه، حيث تُعدّ زراعة النخيل من أكثر الزراعات استهلاكًا للمياه، إذ يحتاج الهكتار الواحد إلى أكثر من 13 ألف مترٍ مكعّبٍ من المياه سنويًا. ويمكن التغلّب على تلك المشكلة من خلال اعتماد نظم الريّ الحديثة مثل الريّ بالتنقيط لتقنين الموارد المائية، بالإضافة إلى إنتاج "شتلات نخيل مُحسّنة" من حيث الكمّ والجودة والاستهلاك المائي.
دول عربية تولي اهتمامًا بنُظُم الزراعة الدقيقة والحصاد الآلي والتلقيح الصناعي
وهناك أيضًا مشكلة الأمراض والآفات التي تُصيب النخيل، مثل "سوسة النخيل الحمراء" التي تُدمّر آلافًا من أشجار النخيل في المنطقة، إلّا أنّ هناك العديد من التقنيات الحديثة لمقاومة تلك الآفات، وذلك من خلال استخدام نُظُم الكشف المبكر عنها عبر المجسّات الصوتية ونُظُم الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تحليل صور الأقمار الصناعية للتعرّف على صحة النخيل وتقليل الإجهاد البيئي.
في مجال زيادة الإنتاجيّة، هناك العديد من الجهات العلمية العربية المتخصّصة في إنتاج أصنافٍ جديدةٍ عالية الجودة مثل "المركز الوطني للنّخيل والتمور" في السعودية، ومبادرة "بلد واحد مُنتج واحد ذو أولوية" في مصر بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو"، وهناك مبادرة إنتاج "شتلات مُحسّنة وتبادل تقنيات" في الإمارات. كما تولي دولٌ عربية اهتمامًا بنُظُم الزراعة الدقيقة والحصاد الآلي والتلقيح الصناعي باستخدام طائراتٍ مزوّدةٍ بخزّانات رذاذٍ لتلقيح آلاف النخيل بسرعةٍ تفوق سرعة الإنسان في تنفيذ عملية التلقيح 30 مرّة، كما هو الحال في السعودية والإمارات وسلطنة عُمان.
- المحور الثاني يتمثّل في تحسين نُظُم التسويق والتداول للثمار وتعظيم الاستفادة من المنتجات الثانوية ومخلّفات النّخيل، وهو يواجه أيضًا العديد من التحدّيات، مثل عدم وجود معايير واضحة لتصنيف التمور من حيث الجودة، مع افتقار التمور إلى علاماتٍ تجاريةٍ مميّزةٍ ونُظُمٍ جاذبةٍ للتعبئة والتغليف، مما يؤثر على التنافسية بالأسواق العالمية.
منتجات ثانوية مُستخرَجة من التمور يمكن تحويلها إلى منتجات مُصنّعة ذات قيمة مرتفعة
ولقد اتخذت دول عربية عدّة خطواتٍ فعالةً للتغلّب على تلك التحديات، وأصبح هناك نُظُم وتقنيات جديدة للتعبئة والتغليف وعلامات تجارية تُميّز الأصناف العربية، ما كان له دور كبير في زيادة صادرات التمور العربية.
كما اهتمّت دولٌ عربية بالمنتجات الثانوية المُستخرَجة من التمور، والتي يمكن تحويلها إلى منتجاتٍ مُصنّعةٍ ذات قيمةٍ مرتفعة، مثل مشروبات الطاقة الطبيعية والمُكمّلات الغذائية التي تُنتَج من لبّ التمور (الجزء الأساسي من الثمرة) الغني بالبوتاسيوم والألياف، وكذلك دقيق التمر الذي يُضاف إلى المخبوزات الصحيّة، كما تُستخرج من نَوَى التمور زيوت طبيعية مضادّة للأكسدة تدخل في صناعة مُستحضرات التجميل والكريمات.
عمليات التحويل والتصنيع للتمور تساعد على الاستفادة من السلالات قليلة الجودة التي تتسم بأنّها غزيرة الإنتاج
وهناك أيضًا صناعات جديدة ومُبتكرة تلقى رواجًا عالميًا مثل التمور المحشوّة أو المغلّفة بالشوكولاتة، ومعجون التمور الذي يدخل في صناعة الحلويات وأقراص المكمّلات الغذائية التي تقوّي المناعة، وقد خطت كلّ من السعودية والإمارات ومصر خطواتٍ كبيرةً في هذا الاتجاه، ما انعكس بصورةٍ واضحةٍ على التسويق المحلّي والتصدير الخارجي.
تجدر ملاحظة أنّ عمليات التحويل والتصنيع للتمور تساعد على الاستفادة من السلالات قليلة الجودة من التمور، والتي تتسم بأنّها غزيرة الإنتاج، ولكنّها غير مرغوبة في الاستهلاك العادي.
وهناك أيضًا العديد من الصناعات القائمة على مُخلّفات النّخيل، والتي بدلًا من أن تكون مصدرًا للدخل ومادةً خامًا للعديد من الصناعات الهامة، كان يتم عادةً حرقها لتصبح ملوّثة للبيئة. وتتمثّل تلك المخلفات في الألياف والأوراق والجذوع، إذ تعطى كلّ نخلة ما بين 35 و40 كلغ من المخلّفات. فعلى سبيل المثال تُنتج مصر حوالى 132 ألف طن من مخلفات النخيل سنويًا، ويتمّ تحويل جزء كبير منها إلى سمادٍ عضويّ (بيوشار - Biochar) والذي يُحسّن من خصائص التربة ويقلّل استهلاك مياه الريّ بنسبة 30%.
التحوّل الصناعي والتسويقي للتمور يزيد من الدخل القومي وفرص العمل والتصدير
كما يتم استخدام سعف النخيل في إنتاج الألياف الطبيعية وصناعات ألواح العزل الحراري والوقود الصلب والغاز الحيوي والأعلاف غير التقليدية.
وتُستخدم مخلفات النخيل أيضًا في العديد من الصناعات التي يتميّز بها التراث العربي وتُناسب البيئة المحلية، مثل صناعة الحبال والسلال والمفروشات التقليدية، بحيث توفّر تلك الصناعات العديد من فرص العمل في المجتمعات الريفيّة.
من هنا تتبيّن أهمية التحوّل الصناعي والتسويقي للتمور، وكذلك الاستفادة من الإنتاج الثانوي والمخلفات الناتجة من أجزاء النّخيل كافة، من خلال منتجاتٍ جديدةٍ ذات قيمةٍ مضافةٍ تزيد من الدخل القومي وتوفّر فرص عمل جديدة، إضافةً إلى فرص التصدير وتوفير العملات الصعبة.
(خاص "عروبة 22")