مع حديث رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تسريع خطة احتلال قطاع غزة واستمرار التنديد الدولي والعربي، يضغط الوسطاء في مصر وقطر الى اعادة مفاوضات الهدنة ومحاولة عقد تسوية ما بين اسرائيل وحركة "حماس" وايجاد حلول للعقد التي حالت دون التوصل الى اتفاق خلال جولة المباحثات الاخيرة التي استضافتها على مدار 3 أشهر العاصمة القطرية، الدوحة. الا انه، وحتى الساعة، لا شيء يبشر بإمكانية احداث خرق ما لان تل أبيب بضوء أخضر اميركي تمضي في خطتها الجديدة التي تقول انها ستؤدي في نهاية المطاف الى هزيمة "حماس" واطلاق سراح الرهائن المحتجزين لديها.
وهذان الهدفان سبق لنتنياهو ان أعلن عنهما خلال كافة العمليات والاستراتيجيات التي اتخذها في القطاع على ما يقارب من عامين دون تحقيق أي نتائج ملموسة، ولكن خطورة هذه الخطة تكمن بأنها ستشرع تهجير مليون فلسطيني وستزيد من معاناة السكان على مختلف المستويات. ومن هنا برزت زيارة وفد من حركة "حماس" بقيادة رئيس المكتب السياسي خليل الحية الى القاهرة، والتي اتسمت بالتكتم الشديد حول توقيتها واهدافها حيث لم يصدر اي شيء رسمي من قبل مصر التي تلعب دورًا محوريًا في محاولة احياء المفاوضات المتعثرة. وعلى وقع هذه الزيارة الهادفة لتحريك المياه الراكدة، تتكثف الضغوط الدولية على اسرائيل، التي تجد نفسها في عزلة للمرة الاولى في تاريخها بعدما فشلت في تبرير جرائمها، حيث أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي أن بلاده ستعترف بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل. أما وزيرة الخارجية النيوزيلندية وينستون بيترز فلفتت الى أن حكومتها ستدرس خلال الشهر المقبل موقفها من الاعتراف بدولة فلسطين، مشيرة إلى أن "الكارثة الإنسانية في غزة تحتل موقع الصدارة على الأجندة العالمية".
وأمام هذا الواقع المأزوم، يحاول نتنياهو تجميل صورة اسرائيل وتبرير كل الجرائم الوحشية المرتكبة واخرها بحق مجموعة من الصحافيين عبر استهداف مباشر ومتعمد لخيمتهم بهدف اسكات صوت الحقيقة ومنع نقل المجازر وصور المجوعين والمكلومين، وذلك بعدما اعترف رسميًا بأن تل أبيب كانت تخسر الحرب الاعلامية ومن هنا يمكن فهم الهدف الكامن وراء قتل 238 صحفيًا وصحافية منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. فالغضب ضد اسرائيل يزداد وشوارع معظم عواصم الدول تشهد تحركات شعبية يومية مطالبة بمحاسبتها ووقف الحرب والضغوط الداخلية تتوالى حتى هو نفسه، اي نتنياهو، تحدث عن ضغوط الخارج والداخل ولكنه اصر على متابعة ما يقول انه "قرب انهاء المعركة" و"تحقيق النصر على "حماس".
في وقت شدد رئيس أركان الجيش إيال زامير على ضرورة منح الجنود فترات راحة للحفاظ على القدرة القتالية، مؤكدًا التزامه بالحفاظ على حياة الأسرى الإسرائيليين. وكانت وكالة "رويترز" نقلت عن مصادر مطلعة قولها إن الخطة العسكرية الإسرائيلية قد تستغرق عدة أسابيع وربما شهورًا لإتمامها، لاسيما مع ضرورة إجلاء المدنيين من مناطق القتال، في ظل توقع أن يستمر الإجلاء حتى تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. هذا ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات لخطة إسرائيل احتلال غزة، معتبرًا بأنها تنذر بكارثة لم يسبق لها مثيل، واقترح تشكيل تحالف دولي بتفويض من الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في غزة. وتتكاثر السيناريوهات في وقت شهد القطاع تصعيدًا جنونيًا للعملية العسكرية التي تحصد كل يوم عشرات الشهداء والجرحى، حيث ارتكبت قوات الاحتلال مجازر جديدة بحق النازحين عبر استهداف الخيم ومراكز الايواء كما المجوعين الباحثين عن الغذاء بالقرب من مراكز التوزيع الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية"، وتزامن ذلك مع عمليات نسف ضخمة لما تبقى من مباني في شمالي خان يونس.
وقد دفعت هذه الحرب وعبثيتها صندوق الثروة السيادي النرويجي (ذراع للبنك المركزي النرويجي)، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار، الى الاعلان عن إنه سينهي جميع العقود مع شركات إدارة الأصول التي تتعامل مع استثماراته في اسرائيل، عازيًا السبب الى ما يجري في القطاع والضفة الغربية. في حين لا يزال قرار ألمانيا، الحليف الاستراتيجي لاسرائيل، بحظر توريد الأسلحة يتردد صداه إذ تحتل ألمانيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث حجم صادراتها الدفاعية لتل أبيب خلال العقود الأخيرة، وقد لعبت دورًا مهمًا في تزويد قوات الاحتلال بالأنظمة التسليحية المتطورة. وتشكل مثل هذه الخطوة ذات الابعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية ضربة قاصمة لنتنياهو اذ يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإمداد وهو ما يعتبره كثر بمثابة ضغط اضافي على إسرائيل لإنهاء الحرب.
ومن غزة الى التطورات السورية الجديدة بعد اعلان دمشق أنها لن تشارك في اجتماعات كانت مقررة في باريس مع "قسد" ردًا على مؤتمر الحسكة الذي ضم عددًا كبيرًا من الاقليات، في حين تبرز التحديات الامنية على اكثر من جبهة ومنطقة. وفي هذا الاطار، أفادت تقارير إعلامية بدفع وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية كبيرة إلى منطقة سد تشرين ودير حافر في ريف حلب الشرقي، وتعزيزات عسكرية أخرى وصلت إلى منطقة الزملة في ريف الرقة الجنوبي من مرتبات الفرقة 60 و76 التابعة لوزارة الدفاع الا ان وزارة الدفاع السورية نفت ذلك، موضحة أنها مشاهد مصورة لأحد تدريبات الجيش السوري، جنوب مدينة حلب. ويُعقد اليوم، الثلاثاء، اجتماع ثلاثي سوري - أردني - أميركي في العاصمة الأردنية عمان من اجل احتواء الأزمة في السويداء وذلك بعد خرق اتفاق وقف النار عدة مرات.
الى ذلك، أعلن عضو الكونغرس الأميركي ذو الأصول السورية إبراهيم حمادة، عن لقاء جمعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، في العاصمة دمشق، جرى خلاله مناقشة عدد من المواضيع البارزة. وكان حمادة وصل دمشق قادمًا من تل أبيب التي التقى فيها نتنياهو، والرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف. وقال حمادة، في بيان عقب الزيارة، إنه بحث مع الرئيس الشرع إعادة جثمان الناشطة الإنسانية كايلا مولر، التي اختُطفت على يد تنظيم "داعش" في العام 2013. كما تناول اللقاء إنشاء ممر إنساني آمن لإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى السويداء، وضرورة تطبيع سوريا مع إسرائيل والانضمام إلى "اتفاقات أبراهام". يُشار الى أن عدد من أعضاء الكونغرس قد زاروا العاصمة دمشق، والتقوا مع الشرع وعدد من المسؤولين السوريين، وذلك بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
لبنانيًا، الوضع على حاله لجهة استمرار حملة تصعيد "حزب الله" ضد الحكومة ورئيسها نواف سلام، مع تحييد رئيس الجمهورية جوزاف عون، وذلك على اثر قرار حصر السلاح بيد الدولة وبسط سيطرتها على كامل اراضيها. وفي المعطيات الاخيرة، قال النائب عن الحزب إيهاب حمادة إن "ما فعلته الحكومة هو ضرب للميثاقية"، مهددًا بأن "الشعب سيسقطها ولن تكمل حتى الانتخابات النيابية المقبلة". ويتزامن ذلك مع اتصالات ومشاورات تجري محليًا ودوليًا بهدف احتواء التوتر ومحاولة رأب الصدع قبل الزيارة المتوقعة للموفد الاميركي توم برّاك إلى بيروت في النصف الثاني من الشهر الجاري.
وفي سياق متصل، برزت زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، إلى العراق وبعدها لبنان، في محاولة للاحياء بأن طهران لا تزال لديها نفوذ ودور مهيمن خاصة بعد الحديث عن حصر سلاح "الحشد الشعبي" في يد الدولة العراقية وسحب سلاح "حزب الله" وهو ما عارضته طهران على لسان اكثر من مسؤول وقيادي، وما اعتبر داخليًا على انه محاولة لاعادة "ارث" الماضي على الرغم من كل التغيرات التي طرأت على المنطقة وألحقت خسائر جسيمة في "محور المقاومة" وابرزها سقوط الحليف الاستراتيجي لايران بشار الاسد وعدم قدرتها حتى اللحظة على تعويض هذه الضربة الفادحة.
على المقلب الايراني أيضًا، أعلن نائب وزير الخارجية مجيد تخت روانجي استعداد بلاده للقبول بـ"قيود محدودة" على البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات، لكنه رفض بشكل قاطع أي حديث عن "التخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم". وجاء هذا الكلام مع اقتراب نفاذ المهلة التي حددتها القوى الأوروبية "الترويكا" حتى نهاية الشهر الحالي لإحراز تقدم في المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة والا فالتهديد بإعادة تفعيل آلية "سناب باك". في المقابل، أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حول ضرورة التفاوض مع واشنطن وتحذيره من أن "بديل الحوار هو الحرب والمواجهات"، ردات فعل غاضبة في أوساط المحافظين الإيرانيين، ووسائل الإعلام التي تدور في فلكهم الذين رفضوا بشكل تام العودة الى طاولة المفاوضات بعد الحرب الاخيرة والتي دامت 12 يومًا.
وفي الجولة الصباحية للصحف تركيز على مختلف التطورات والمستجدات واليكم ابرزها:
تحت عنوان "اسرائيل تقتل شهود الحقيقة"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة طالما بقي طرفا المعادلة موجودين في المشهد، ففي ناحية هناك شهود للحقيقة من رجال الإعلام من صحفيين ومصورين، وكان الطرف الآخر الإجرام الإسرائيلي المتمثل بحكومة التطرف والتحريض"، مشيرة الى أنه "بعد أن انكشف للعالم زيف الدعاية الإسرائيلية التي تسعى لخداع العالم، دب الرعب في أركان الاحتلال وأراد أن يسكت الإعلام ويمنع وصول الحقيقة للعالم أجمع وذلك بعدما نقل الصحفيون والطواقم الإعلامية هول وجحيم الجرائم الإسرائيلية".
وقالت صحيفة "الخليج" الاماراتية "إصرار حكومة التطرف في تل أبيب على الإيغال في دماء الأبرياء المجوَّعين والمحاصرين في غزة والذهاب إلى تعميق الكارثة باحتلال شامل جلب عليها لعنة طويلة الأمد، وقلب معادلتها القائمة على التضليل منذ عقود رأساً على عقب، لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة"، مؤكدة أن اسرائيل "اصبحت تواجه انتفاضة عالمية تحاصرها من كل مكان وتطاردها ملاحقات أمام القضاء الدولي، وهذه هي الحقيقة المستجدة أمامها، وعليها أن تتهيأ لما هو آتٍ".
في إطار آخر، اعتبرت صحيفة "البلاد" البحرينية أن تأسيس مجلس الدفاع الوطني في ايران "موجه إلى تل أبيب وواشنطن، بأن أي تحرك أو استهداف قادم سيواجه بطريقة مختلفة عن السابق، وقد يربط بغرف عمليات في بكين وموسكو، لتكون القرارات أكثر جرأة وموحدة بين القطاعات العسكرية والاستخباراتية، ما يكسب المجلس قوة في اتخاذ القرار"، لافتة الى أن "تشكيل مجلس الدفاع الوطني قد يغير طريقة التعاطي الإيراني العسكري في حال المواجهة القادمة بين إيران وإسرائيل، لكن هل سيغير معادلة التفوق التكنولوجي والاستخباراتي في ميدان المعركة القادمة؟"، بحسب تساؤلها.
هذا ورأت صحيفة "اللواء" اللبنانية ان زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت "ليست مجرّد محطة بروتوكولية، بل تحولت إلى رسالة سياسية فاقعة، حملت في طياتها تحدياً سافراً لقرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة، وإصراراً إيرانياً على إبقاء "حزب الله" قوة مسلحة موازية للمؤسسة العسكرية". واردفت قائلة "المرحلة المقبلة لن تحتمل المواربة أو سياسة "دفن الرأس في الرمال"، فإما أن تُثبت الدولة اللبنانية أنها صاحبة القرار والسيادة، قادرة على فرض سلطتها على كامل أراضيها، وإما أن تبقى أسيرة سلاح خارج الشرعية، وارتباطات إقليمية تجلب الخراب قبل أي مكسب".
وفي الشأن السوري، شددت صحيفة "الغد" الاردنية على أن "لجنوب السوري ليس مجرد منطقة مُضطربة في خريطة الجار الشمالي، بل امتداد جغرافي وإنساني وأمني للأردن، أي أن ما يحدث هُناك لا يبقى هُناك"، مضيفة "الجنوب السوري مصدر قلق أمني حقيقي للأردن، فالحدود الشمالية باتت مسرحًا لنشاط جماعات مُسلحة، وشبكات تهريب مُتطورة، وأحيانًا قوى إقليمية تبحث عن موطئ قدم.. في ظل هذه الظروف، فإن أي سيناريو لا يضع الأردن في قلب مُعادلة الجنوب، ليس فقط ناقصًا، بل خطير"، بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")