المعطيات المذكورة، تم استخلاصها بعد جرد القوانين التي صادق عليها البرلمان خلال الفترة الممتدة من عام 2021 حتى 19 أغسطس / آب 2023.
لكن وبغض النظر عن عدد الاتفاقيات العربية الموقعة، يرى الباحث في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين أنّ "الدول العربية لا تشكو من نقص في هذا الجانب، بل على العكس من ذلك هناك فورة في عدد الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الموقعة، سواء على المستوى الثنائي أو متعدّد الأطراف بين التجمعات الإقليمية العربية، أو في إطار الجامعة العربية".
معدّل التجارة البينية العربية لم يتجاوز 8% من مجمل التجارة الخارجية للدول العربية
ويؤكد الباحث في العلاقات الدولية في تصريح لمنصة "عروبة 22" أنه "في بعض الحالات قد يتجاوز عدد الاتفاقيات الثنائية فقط بين المغرب ودولة عربية أخرى، مثل مصر أو تونس أو الأردن أو الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، أو حتى الجزائر، المائة اتفاقية، لكنّ المشكلة تكمن في عدم ترجمة تلك الاتفاقيات الموقعة على أرض الواقع، وهنا بالذات تكمن مأساة العمل العربي المشترك".
وفي هذا الصدد، يشير نور الدين إلى اتفاقية تيسير منطقة التبادل التجاري الموقعة بين الدول العربية سنة 2000، ليتساءل قائلًا: "أين نحن من تحقيق أهداف هذه الاتفاقية بعد مرور 23 سنة؟ ففي أحسن الحالات، لم نتجاوز 8 في المائة كمعدّل للتجارة البينية العربية من مجمل التجارة الخارجية للدول العربية! بل لا زلنا نفتقر إلى خطوط بحرية مباشرة بين موانئ الدول العربية ونضطر إلى المرور عبر موانئ أجنبية لتصدير منتجاتنا إلى دول عربية أخرى".
"التنزيل" إلى أرض الواقع
ما ذهب إليه الباحث المغربي يشدّد على ضرورة تحسين التنسيق والتعاون بين الدول العربية من أجل تحقيق أهداف الاتفاقيات الموقعة، إذ على الرغم من توقيع الاتفاقيات، يبقى تنزيلها على أرض الواقع مسألة تستغرق وقتًا طويلًا، مما يؤثّر على الفوائد المرجوة أساسًا من هذه الاتفاقيات.
ومن الأمثلة على ذلك، فإنّ مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي)، صادق يوم 18 تموز 2023 على 8 مشاريع قوانين لها صلة بالاتفاقيات الدولية، كانت اثنتان فقط منها تتعلّق بالمنطقة العربية، ومنهما على الخصوص مشروع قانون رقم 46.22 يوافق بموجبه على الاتفاقية العربية لتنظيم نقل الركاب على الطرق بين الدول العربية وعبرها المعتمدة بالقاهرة في 6 أيلول 2006.
ويشدد الخبراء على أنّ طول الفترة الزمنية بين توقيع الاتفاقيات وتنفيذها يشكل تحديًا حقيقيًا يجب التصدي له من قبل الدول العربية، من خلال تعزيز التنسيق والالتزام بتنفيذ الاتفاقيات بصورة فعّالة لتحقيق الفوائد المنشودة. وتهدف هذه الاتفاقية، بحسب واضعيها إلى تشجيع السياحة العربية بين الدول العربية وإزالة القيود ومعوقات النقل الدولي للركاب عبر الطرق بين دول الجامعة العربية، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ المعاملة بالمثل.
وفي هذا السياق، تعهّدت الدول العربية الموقعة على نص الاتفاقية، وهي "المغرب، الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، الجزائر، جيبوتي، السعودية، السودان، سوريا، الصومال، العراق، سلطنة عمان، فلسطين، قطر، جزر القمر، الكويت، لبنان، مصر، ليبيا، موريتانيا، واليمن"، (تعهدت) بتسهيل "حرية مرور وسائل النقل بلوحاتها وركّابها وأمتعتهم الشخصية".
ومن الأمثلة أيضًا، مصادقة مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي)، يوم 18 كانون الثاني من سنة 2022، على 9 مشاريع قوانين يتم بموجبها تطبيق الاتفاقيات الدولية، غير أنّ مشروع قانون واحدًا فقط كان مرتبطًا باتفاقية عربية، ويتعلّق الأمر بمشروع قانون رقم 42.21 الذي يوافق بموجبه على اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية، وهو الاتفاق الذي تمّ اعتماده من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية بموجب قرارين تم اعتمادهما في 18 أيلول 2003 و24 أغسطس 2017.
الاتفاقية الموقّعة من جانب 11 دولة، وأقرّتها برلمانات 5 دول بينها المملكة المغربية، تهدف إلى إنشاء منطقة تجارة حرّة في الخدمات بين الدول العربية من خلال وضع إطار عام للتحرير التدريجي لتجارة الخدمات بين الدول العربية وإيجاد بيئة مواتية لتسهيل التجارة في الخدمات فيما بينها.
ووفقًا لأحكام هذا الاتفاق، تقوم الدول الأطراف بتحرير التجارة في الخدمات فيما بينها تماشيًا مع أحكام المادة الخامسة من الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات GATS الملحقة باتفاقية مراكش المنشئة لمنظمة التجارة العالمية، بحسب ما كشفه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في عرض قدّمه أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج في مجلس النواب يوم 15 كانون الأول من سنة 2021.
اتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقّعة منذ عام 1950، لم نرَ لها أثرًا في كل الاعتداءات التي تعرّضت لها بلدان عربية!
تنطبق هذه الأمثلة التي تمّ استخلاصها من حصيلة البرلمان أيضًا على تطبيق عدد من الاتفاقيات متعددة الأطراف، ومنها ما أورده الباحث في العلاقات الدولية في تصريحه، حيث أشار إلى "اتفاقية اتحاد المغرب العربي" التي تمّ توقيعها سنة 1989، والتي أصبحت مجمّدة منذ إغلاق الجزائر حدودها مع المغرب.
ويوضح نور الدين أنه "منذ سنة 2021 دخلت هذه الاتفاقية في حكم الملغاة بسبب قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب. والشيء نفسه ينطبق على اتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقعة منذ عام 1950، والتي لم نرَ لها أثرًا في كل الاعتداءات التي تعرّضت لها بلدان عربية! وهناك مئات الاتفاقيات التي تهمّ كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ولكنها تبقى مجرّد حبر على ورق".
لكنّ ورغم طول الفترة الزمنية بين التوقيع والتنفيذ "توجد نقاط مضيئة وسط هذا المشهد القاتم"، وفق نور الدين، إذ خصّ بالذكر في هذا المجال "اتفاقية أكادير للتبادل الحرّ بين أربع دول هي مصر والأردن وتونس والمغرب، والتي سمحت بمضاعفة التجارة البينية وزيادة الاستثمارات منذ المصادقة عليها سنة 2004، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المبادلات التجارية بين المغرب ودول الخليج بما يقارب 11 في المائة سنويًا".
برلمانات... "رجع الصدى"
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في العلاقات الدولية على أهمية "دور المؤسسة البرلمانية في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية"، مشيرًا إلى أنّ هذا الدور "يستمد أهميته من طبيعة الأنظمة السياسية، فكلما كانت قريبة من النمط الديمقراطي كما هو متعارف عليه دوليًا، كلما ارتفع مؤشر الحضور البرلماني وتأثيره ووزنه في العلاقات الدولية وفي السياسات العمومية الداخلية، والعكس صحيح كلّما كانت الأنظمة هجينة أو مستبدّة أو دكتاتورية كلما تقلّص وتضاءل دور البرلمان إلى أن يختفي دوره تمامًا"... ويسترسل نور الدين في شرح فكرته بالتشديد على خطورة "أن يصبح البرلمان عبارة عن رجع الصدى أو مرآة تعكس توجهات الحكومة فقط، وليس مؤسسة يمكن أن تؤسس لتوجهات جديدة".
الدول العربية مطالَبة بردم الفجوة المهولة بين الخطاب الطوباوي والعمل الحقيقي
وعلاوة على الجانب التشريعي وسنّ القوانين، فإنّ البرلمان المغربي بغرفتيه دأب على تخصيص عدد من الفعاليات والندوات والجلسات العامة للقضايا العربية، لكنها لا ترقى إلى "مناقشة الأزمات الكبرى التي تمرّ فيها حاليًا معظم الدول العربية، وبحسب الباحث في العلاقات الدولية، أنّ "ما يثير الغرابة أكثر في هذا الموضوع هو وجود مجموعات الصداقة البرلمانية مع كل دولة عربية داخل البرلمان المغربي، ولكنها شبه معطّلة ولا تؤدي دورًا وظيفيًا أو مهام سياسية، وهي أقرب إلى "القنصليات الشرفية منها إلى آلية برلمانية بمهام حقيقية".
وخلُص الباحث في العلاقات الدولية، إلى التشديد على كون "الدول العربية مطالَبة اليوم بردم الفجوة المهولة بين الخطاب الطوباوي والعمل الحقيقي، وبين توقيع الاتفاقيات على الورق وتنفيذها على أرض الواقع، فهذا ما نحتاجه اليوم بشكل استعجالي لتطوير العمل العربي المشترك".