تتعقد الاوضاعُ في قطاع غزة ويزداد أعداد ضحايا التجويع الممنهج الذي تمارسه اسرائيل بحق الفلسطينيين منذ شهر اذار/ مارس الماضي، حيث استخدمت قوات الاحتلال كافة الطرق غير المشروعة من اجل تضييق الخناق على السكان الذين يعيشون الامرين: قصفٌ وحشي وجوعٌ كافر بينما الالاف من الحالات التي تحتاج الى العلاج خارج القطاع تنتظر موافقة تل أبيب ويصارع افرادها الوقت للبقاء على قيد الحياة.
ولم تفلح كل الادانات والدعوات كما المظاهرات التي تجتاح اسرائيل في ثني نتنياهو عن مخططاته، وهو الحالم بتحقيق "اسرائيل الكبرى"، فلا صحة الرهائن ولا مصيرهم "المجهول" يمكن ان يحدث خرقًا خاصة ان ما يجري في الميدان يؤكد ان خطة احتلال غزة بدأت بعدما دمرت قوات الاحتلال حي الزيتون، وهو من أقدم وأكبر أحياء القطاع ونسفت على مدار الايام القليلة الماضية المباني السكنية وشردت سكانه في مشهد جديد يتكرر مع معاناة النزوح وتوسع السيطرة الاسرائيلية العسكرية على كامل القطاع. هذا في وقت تتسارع الاتصالات وجهود الوسطاء التي تمارس ضغوطًا على حركة "حماس" للقبول بتسوية ما. وفي هذا الاطار، ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن واشنطن أعدت مقترحًا محدثًا من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، يقوم على تسوية دائمة متعددة المراحل، تبدأ بمقترح المبعوث الاميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وتنتهي بوقف إطلاق نار طويل الأمد.
وبحسب الصحيفة الاسرائيلية، فإن المرحلة الأولى تقوم على أساس مقترح ويتكوف مع إدخال تغييرات طفيفة عليه، والتي تنص على الإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء وجثث القتلى، على أن يتم خلال وقف إطلاق النار الدخول بمفاوضات حول شروط إنهاء الحرب بما في ذلك نزع سلاح "حماس"، وإجلاء قادتها المتبقين في القطاع ونقل المسؤولية المدنية إلى جهة دولية. الى ذلك، حدّد نتنياهو شروطه "التعجيزية"، إذ أكد أنه "لن يوافق على اتفاق مع "حماس"، إلا بشروط اسرائيل لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى دفعة واحدة". وتنص الشروط على: إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، نزع سلاح "حماس" وغزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وتشكيل حكومة غير تابعة لـ"حماس" ولا للسلطة الفلسطينية.
كلام رئيس الوزراء الاسرائيلي يتزامن مع مظاهرات واسعة تشهدها تل أبيب والقدس منذ ايام ومن المتوقع ان تستمر اليوم، الاحد، بظل دعوات الى إضراب عام وشامل احتجاجًا على قرارات الحكومة وفي اطار الضغط المستمر لابرام صفقة فورًا تعيد الاسرى بظل خوف ذويهم على حياتهم بعدما وافق "الكابينت" على خطة احتلال غزة. هذه التحركات تسابق الوضع الانساني المُعقد الذي يتدهور يومًا بعد يوم ويحصد المزيد من الارواح الذين تضيق بهم المستشفيات التي تعمل بطاقتها الاستيعابية القصوى ولكن بظل شح في الادوية والمعدات الطبية واستهداف الاحتلال المتعمد للمستشفيات واخرها شنّ غارات على مواطنين في ساحة مستشفى المعمداني بما ادى الى وقوع عدد من الشهداء والجرحى. وكانت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة قالت مساء أمس، السبت إن "مستشفيات القطاع استقبلت خلال الـ24 ساعة الماضية 70 شهيدًا و385 إصابة جراء استمرار الهجمات الإسرائيلية على مختلف مناطق القطاع".
وفي إطار ذي صلة، أعلنت الوزارة عينها عن تسجيل 11 وفاة بسبب الجوع الذي يتفشى في القطاع وسوء التغذية خلال الساعات الـ24 الماضية، ما يرفع عدد الضحايا إلى 251 شهيدا، منهم 108 أطفال. بدورها، حذرت وكالة "الأونروا" من أن "الجوع ينتشر بسرعة كبيرة في قطاع غزة"، مؤكدة أن مليون امرأة وفتاة يواجهن مجاعة جماعية. كما شددت الأمم المتحدة على تفاقم الأزمة الإنسانية ما لم يُسمح بدخول المساعدات الأساسية بسرعة وأمان ودون قيود. وقال المكتب إنه وثّق 11 هجومًا إسرائيليًا منذ بداية الشهر الجاري فقط على فلسطينيين في أثناء تأمينهم قوافل المساعدات في شمال ووسط قطاع غزة. وهذه الهجمات الوحشية تؤكد ان اسرائيل تسعى الى تعميم مخطط الفوضى وتنفيذ سياسة "هندسة المجاعة" وتشجيع سرقة وسلب المساعدات في حين يتضور مليوني فلسطيني ويعرضون حياتهم للخطر بحثًا عن الفتات.
الى ذلك، وصفت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن نتنياهو، بأنه " يُمثل مشكلة في حد ذاته"، مؤكدة رغبتها في الاستفادة من تسلم بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط على إسرائيل. هذه المستجدات تواكب ما يحدث أيضًا في الضفة العربية المحتلة مع تزايد اعتداءات المستوطنين منذ اعلان وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، عن مخطط لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم في منطقة "اي 1" بهدف منع إقامة دولة فلسطينية مستقبلًا ووأد هذه الفكرة. وقد استشهد شابٌ برصاص الاحتلال خلال اقتحام لقرية بلدة المغير شمال رام الله في وقت أقدم مستوطنون على إحراق مركبات وكرفانات خلال مهاجمتهم لمنازل وممتلكات الفلسطينيين في البلدة كما في عدد من البلدات التي تشهد يوميًا عمليات لدفع الفلسطينيين الى المغادرة.
في غضون ذلك، عاد الوضع الامني في سوريا الى الواجهة بعدما تظاهر المئات في محافظة السويداء جنوبي البلاد، تحت شعار "حق تقرير المصير" وتنديدًا بأعمال العنف التي شهدتها المحافظة الشهر الماضي. وردّد المشاركون في التظاهرات هتافات اعتبروا فيها السلطة الحاكمة بمثابة "داعش" رافعين أعلام الطائفة الدرزية إلى جانب أعلام الاحتلال الإسرائيلي، في تعبير مباشر عن رفض المحتجين "الانضواء تحت عباءة الدولة السورية"، بحسب ما أكده منظمو الحراك. ومساء هزّ انفجار بعبوة ناسفة موضوعة داخل سيارة قديمة منطقة المزة بالعاصمة دمشق، دون وقوع إصابات بل اقتصر الأمر على الماديات. وأمام هذا المشهد الذي يهدد البلاد وسط مخاوف من التقسيم، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، وذلك بعد مرور نحو شهرين على التفجير الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة الدمشقي، والذي كان يازجي حمل مسؤولية وقوعه للحكومة السورية.
لبنانيًا، الوضع على حاله من التشنج والخوف من عودة الحرب او حدوث إشكالات امنية داخلية يمكن ان تؤدي الى حرب اهلية وذلك بعد كلام الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي رفع سقف المواجهة متوعدًا بخوض ما وصفها "بمعركة كربلائية" لمواجهة قرار حصر السلاح قائلًا إنه "لن تكون هناك حياة في لبنان إذا حاولت الحكومة مواجهة الحزب". وموقف قاسم "العالي اللهجة" يأتي بعد الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني والتي وضعت في اطار محاولة طهران الاحتفاظ بأوراقها التفاوضية بعدما استثمرت طويلًا في هذا السلاح ولا يمكن ان تقبل بـ"حلول" من دون اشراكها. وقد تعالت الاصوات المنددة بهذا التصريح وما يمكن ان يتسبب به من تداعيات خطيرة، في حين رد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط"، بالقول إن كلام الاخير "دعائي تعبوي موجّه لجمهور مؤيدي "حزب الله"، مضيفًا "اللبنانيون، بغالبيتهم الساحقة، هم مع قرارات الحكومة اللبنانية التي تضع اليوم خطة تنفيذية لحصر السلاح. ليس عندي أي شك بهذا الأمر".
في المشهد الدولي، حازت القمة التي عقدت في ألاسكا، يوم الجمعة الماضي، بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين تحت عنوان "السعي لتحقيق السلام" واستمرت قرابة 3 ساعات، على الاهتمام العالمي والدولي. اذ تشخصت الانظار حول ما سيصدر عنها وما ستؤول اليه بظل سعي أميركي جدي لانهاء الحرب الاوكرانية. وذكرت مصادر دبلوماسية أن ترامب نقل إلى نظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين عرضا من بوتين يقوم على انهاء الحرب مقابل تخلي كييف عن اقليم دونباس، إلى الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في جزيرة القرم ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا. وهذا الطلب الذي من المؤكد سترفضه اوكرانيا خاصة ان رئيسها سبق واعلن ذلك على الملأ مؤكدًا، في اخر تصريح له، أن رفض روسيا قبول وقف إطلاق النار يُعقّد جهود إنهاء الحرب. ومن المتوقع ان يلتقي ترامب وزيلينسكي مجددًا في العاصمة واشنطن يوم الاثنين.
في جولة الصحف العربية الصادرة اليوم، نظرة على أخر ما اهتمت به في افتتاحيتها وتحليلاتها حيث كان تركيزٌ على تصريحات نتنياهو الاخيرة وتداعياتها وخطورتها. وهنا أهمها:
دعت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى "التفكّر في جرأة نتنياهو على الخروج بطرح "اسرائيل الكبرى"، الذي يعني ما هو أكثر من الحلم أو الوهم، بينما تتواصل المساعي لإحداث تقدم حقيقي في مسار القضية الفلسطينية، وبينما مدَّت دول عربية يدها بالسلام المرهون بصون حقوق الشعب الفلسطيني وكانت الأجواء مهيأة للمزيد من الاتفاقات على المبدأ ذاته". وقالت "وإن كان نتنياهو يرى أن نشوته بما يعتبره انتصارات استراتيجية حققها في واحدة من لحظات التحول في المنطقة يجعله يتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة العربية، فذلك وهم إضافي".
الموضوع عينه تطرقت له صحيفة "الأهرام" المصرية التي شددت على أنه "ليس هناك ما يُبرر التساهل مع كلام نتنياهو عن هدف إسرائيل الكبرى، بالارتكان إلى منطق أن هدفه مستحيل! ذلك لأن الحروب الدائرة ضد إسرائيل، منذ ما قبل تأسيسها حتى الآن، هي نتيجة مباشرة لجرائمها التي ترتكبها وهي ترفع شعارات عن أهداف صهيونية كانت تبدو مستحيلة عندما طُرِحَت لأول مرة، ولكنها صَدَمَت من قالوا باستحالتها عندما تحققت على الأرض"، مؤكدة أن "القول بالاستحالة يؤدي إلى التراخى إزاءها، وهذا هو ما يتمناه عتاة الإسرائيليين وحلفاؤهم حتى يحققوا أهدافهم دون مقاومة تردعهم وتُكبدهم خسائر"، على حدّ قولها.
صحيفة "عُمان" العُمانية، من جهتها، لفتت الى أن "نتنياهو اختار تغييرًا في العقيدة الأمنية لحساباته الشخصية الخاصة، وكأنه لا يعبأ بمصير كيانه الهزيل الممزق من الداخل والممقوت من الخارج، وخروجه مؤخرًا بتصريحات إعلامية استفزازية روّج فيها عن مشروعه الصهيوني الكبير "دولة إسرائيل الكبرى" الذي يشمل بعضًا من دول المنطقة المحيطة بفلسطين"، مضيفة "الغليان العالمي في تصاعد يقود حكومات العالم بما فيهم الغرب إلى فكرة التنازل عن الكيان ودعم مشروعه الصهيوني، وجبهة غزة كما أنها فاضحة للكيان وأعوانه؛ فلعلّها كذلك المسمار الأخير الذي يدق في نعش إسرائيل المهزومة".
من جهتها، استغربت صحيفة "عكاظ" السعودية خروج "نتنياهو ليقول أمام العالم بأنه يشعر بواجبه الروحي ورسالته المقدسة لتحقيق الحلم التوسعي لإسرائيل، يقول ذلك وجيشه ما زال يقوم بأبشع إبادة بشرية وأقبح تنكيل بشعب غزة"، متسائلة "هل ما قاله نتنياهو مجرد مناورة تصعيدية تحسبًا لما يترقبه العالم في الأمم المتحدة شهر ايلول/ سبتمبر المقبل من حشد لاعتراف المزيد من دول العالم بدولة فلسطين، أم أنه فعلًا وكما أثبت الماضي والحاضر أن إسرائيل لا تريد السلام أبدًا، وتزيد على ذلك بعزمها الحقيقي على تنفيذ مخططها التوسعي".
وكتبت صحيفة "الجريدة" الكويتية "مشروع تقسيم سورية جزء من مخطط صهيوني واسع، لا يمكن فصله عن مجمل أحداث المنطقة، من لبنان إلى غزة، ومن العراق إلى اليمن، ومن مصر إلى إيران، بل لعلّ المشروع يشمل منطقة الشرق الأوسط بأسرها، حيث تسعى الإدارة الأميركية والإسرائيلية لرسم خريطتها الجديدة على هواها"، معتبرة أن الحل يكمن في "سياسة الاحتواء التي يجب أن تكون من مسؤولية الأغلبية، اذ عليها أن تطمئن الأقليات العرقية والدينية، وتؤكّد أنهم مواطنون كاملو الأهلية، مما يتوجب على الحكومة السورية الحالية أن تتعامل وفق هذه المبادئ، وألا تسمح بإقصاء أيّ مكوِّن من مكونات المجتمع السوري، أياً كان".
(رصد "عروبة 22")