صحافة

ماذا بقي من أوسلو بعد ثلاثين عامًا؟

عبد العليم محمد

المشاركة
ماذا بقي من أوسلو بعد ثلاثين عامًا؟

في 13 سبتمبر الحالي، تحلّ الذكرى الثلاثون لتوقيع اتفاق إعلان المبادئ، المعروف باتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بعد المفاوضات التي استمرت تسعة أشهر في أوسلو عاصمة النرويج، والتي جرت بين أعضاء من منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء في الحكومة الإسرائيلية، ولا شك في أن مضي هذه العقود الثلاثة على الاتفاق، يمثل فرصة للمراجعة النقدية لهذا المسار، واستشراف المرحلة المقبلة للقضية الفلسطينية.

تميز اتفاق إعلان المبادئ بين إسرائيل والمنظمة بدرجة عالية من الغموض والإبهام، إن في نصوصه وبنوده أو في تطبيقه وتجلياته العملية، ذلك أن كل بند في هذا الاتفاق كان بحاجة عند تطبيقه إلى اتفاق آخر، حيث اشتمل الاتفاق في صياغته على عبارات غامضة وبنود أكثر غموضا. ودونا عن مختلف القرارات الدولية والأممية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية ومبادئ القانون الدولي والإنساني وقانون حقوق الإنسان، لم يركز الاتفاق إلا على القرارين الدوليين رقم 242 و338، رغم غموضهما فيما يتعلق بالانسحاب والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة.

لم يدخل الاتفاق، أي اتفاق إعلان المبادئ، إلى القضايا الشائكة والأساسية التي تتعلق بالدولة والقدس واللاجئين والمياه والحدود؛ بل أرجأ بحث هذه القضايا لحين إنهاء الفترة الانتقالية، وعند انتهاء هذه الفترة وبدء البحث فيها تفجر الموقف برمته وبدأت الانتفاضة الثانية عام 2000 وحملت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات المسؤولية عن الفشل.

أبقى الاتفاق على المستوطنات الإسرائيلية وتم رفض المقترح الفلسطيني حول أن تكون هذه المستوطنات مناطق حرة يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء، وكان بيريز فخورًا بهذا الإنجاز - أي الإبقاء على المستوطنات - وعبّر عن ذلك بقوله «يهودا أو السامرة ليست ياميت و1993 ليس عام 1982». حسن النوايا الإسرائيلية لم يكن متوافرًا، كان التصور الإسرائيلي المضمر والمعلن يتركز حول الحكم الذاتي في المناطق الفلسطينية وليس الدولة الفلسطينية في حدود عام 1967، كانت إسرائيل لدى وضع هذه الاتفاقية في ذهنها نموذج جيش أنطوان لحد في جنوب لبنان؛ أي سلطة عميلة للاحتلال تقوم ببعض الوظائف التي تقوم بها سلطات الاحتلال، غير أن أداء وممارسة السلطة الفلسطينية التي أقيمت بناء على الاتفاق، برئاسة الزعيم الراحل ياسر عرفات تمسك بأن الحكم الذاتي مجرد مرحلة تقود إلى الدولة الفلسطينية وفق تقدير العديد من المحللين والخبراء الفلسطينيين وغيرهم، ممن رأوا أن الاتفاق ورغم أنه لم يذكر قيام دولة فلسطينية صراحة فإنه لم يصادر إمكانية قيام هذه الدولة بشكل حاسم، بيد أن تلك النتيجة التي تم التوصل إليها، أسقطت من الاعتبار موازين القوى القائمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

ورغم أن أوسلو وتداعياته قد تسبب في تجزئة القضية الفلسطينية بجوانبها المختلفة، الشعب والأرض والعودة واللاجئين، حيث فرق أوسلو بين فلسطينيي الداخل في إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وبين الفلسطينيين في المنافي واللجوء، وكذلك قسّم الأرض الفلسطينية والمفترض أن تشكل إقليم الدولة، إلى مناطق أ، ب، ج، يتفاوت فيها توزيع الصلاحيات بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وبين إسرائيل، وتجعل لإسرائيل اليد العليا فيما يتعلق بالأمن والسيادة، وأرجأ قضية اللاجئين إلى أجل غير مسمى يرتبط بالنيات الإسرائيلية تجاه اللاجئين والإسقاط التدريجي لقضيتهم من الاعتبار، فإنه ومع ذلك فإن أوسلو قد جعلت للقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطينى موطئا لقدم في وطنهم؛ سلطة حكم ذاتي تشكل بمثابة نواة جنينية للدولة الفلسطينية، وأبقت الشعب الفلسطيني على صلة بالمجتمع الدولي ومبعوثيه بشكل رسمي، معترفا به قانونيا، ومنصة للتواصل مع العالم وكشف الانتهاكات الإسرائيلية بشكل منتظم لحقوق الشعب الفلسطيني وكذلك كشف تراجعات إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها واستكمال مسار أوسلو، بل ووجود قيادة فلسطينية رغم الاختلاف حول منهجها في التفاوض إلا أنها تتحدث بلسان الشعب الفلسطيني وباسمه.

والأهم من ذلك في تقديري أن وجود السلطة الفلسطينية قد شكل عائقا ضد السيطرة الإسرائيلية على المنطقة (ج) وفق التقديرات الإسرائيلية، وتذهب هذه التقديرات إلى أن إسرائيل خسرت معركة السيطرة على المنطقة (ج) والتي نادى بها بنيت ولابيد من قبل، وسيموتريتس من بعدهما، حيث تمكنت السلطة الفلسطينية من زيادة عدد السكان في هذه المنطقة بشكل كبير بمعاونة العديد من الدول الأوروبية ودول أخرى، وتواجه الحملة على المنطقة «ج» من قبل الصهيونية الدينية وحلفائها بهدف وقف البناء الفلسطيني وإبعاد الفلسطينيين عنها، معارضة من قبل الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي واتفاق أوسلو ذاته، والإصرار على الضم يعني إلغاء أوسلو عمليا ونهاية التنسيق الأمني واتفاقية باريس الاقتصادية، ذلك أنه وفقا لهذه الاتفاقيات «أوسلو» نقلت إسرائيل 24 سلطة وظيفية من أصل 41 للسلطة الفلسطينية من بينها التعليم والصحة والضرائب المتعلقة بالفلسطينيين في المنطقة (ج)، كما أن عدد البلديات الفلسطينية في المنطقة (ج) بلغ 522 قرية وبلدة، وحجم المنطقة المبنية وصل إلى 119 كيلومترا مربعا على الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة، كما وصل عدد السكان الفلسطينيين في المنطقة (ج) إلى 336.270 ألف نسمة نهاية العام الماضي، ويشكل الفلسطينيون أغلبية ديموجرافية قوية في الضفة الغربية، ويمثل ضم هذه المناطق بداية دولة ثنائية القومية، وخطرا على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية لأسباب أمنية وديموجرافية، وقد ينتهي مشروع الضم أي ضم الضفة الغربية إلى الفشل بسبب مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده في أرضه.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن