قضايا العرب

"دراما" التكامل العربي: هل يمكن إحياء التجربة؟

القاهرة - عمرو حسين

المشاركة

مع بداية عقد الثمانينات، ومع انطلاق البث التلفزيوني لعدد من محطات التلفزة العربية في دول الخليج العربي التي تزامنت مع نهضتها الحديثة أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت هذه المحطات بحاجة إلى أعمال فنية تملأ ساعات البثّ المتواصلة. وفي الوقت ذاته، عرفت مصر ظاهرة "الطيور المهاجرة" وهو مصطلح كان متداولًا في تلك الفترة في الأوساط الفنية في إشارة إلى مبدعي مصر من كتّاب ونقّاد وممثلين اضطروا إلى مغادرة بلادهم والعمل خارجها في بلدان عربية مختلفة نظرًا للتضييق عليهم وعلى إبداعاتهم لأسباب متعدّدة.

أنتج كلّ ما سبق ظاهرة جديدة عُرفت باسم "دراما الانتاج المشترك"، حيث عكفت قنوات التلفزة الخليجية على إنتاج أعمال درامية في استوديوهاتها الناشئة، اجتمع فيه كلّ من النصّ الذي كان عادةً يأتي ممهورًا بتوقيع كاتب من بلد عربي معيّن ويعهد بهذا النص إلى مخرج من بلد عربي آخر، ثم يؤديه كوكبة من الممثّلين من بلدان عربية عدّة.

ويمكن القول إنّ بداية هذه الظاهرة الفنية كانت مع الكاتب المصري المبدع الراحل محفوظ عبد الرحمن، إذ بدأها مع رفيق دربه المخرج الكويتي صقر رشود على خشبة مسرح الكويت من خلال أعمال مثل "حفلة على الخازوق" و"عريس لبنت السلطان".

ثم نقل عبد الرحمن هذه التجربة إلى الشاشة الصغيرة من خلال تلفزيون دولة الكويت في مسلسل "الزير سالم" المقتبّس عن أحداث حرب البسوس، والذي أخرجه الكويتي حسين الصالح وتوزّعت أدوار البطولة فيه بين كل من الراحل يوسف شعبان من مصر ومواطنه أحمد عبد الحليم، وأسمهان توفيق من فلسطين، ونجوم مسرح الكويت مثل جاسم النبهان ومريم الصالح وأحمد الصالح وغيرهم.

ثم انتقل عبد الرحمن إلى تلفزيون دولة الإمارات ليقدّم مع المخرج الأردني عباس أرناؤوط سلسلة من الأعمال التاريخية المميّزة مثل "سليمان الحلبي" و"عنترة" و"الكتابة على لحم يحترق" وغيرها، والتي كان العامل المشترك بينها جميعًا هو بطلها الممثل المصري الراحل عبد الله غيث.

ومن الأردن أيضًا، برز اسم الكاتب الدكتور وليد سيف الذي كوّن ثنائيًا مع مواطنه المخرج صلاح أبو هنود، قدّما من خلاله لتلفزيون دولة الإمارات مسلسل "الصعود إلى القمّة" الذي تناول سيرة حاكم الأندلس المنصور بن أبي عامر، ومن الملاحظ هنا أنّ مخرج العمل حشد عددًا كبيرًا من نجوم الشاشة المصرية لبطولة هذا المسلسل، مثل الراحلين محمد وفيق ومحسنة توفيق وأحمد خميس وغيرهم.

كما انضمّ أيضًا الكاتب والممثّل الأردني هشام يانس إلى هذه الكوكبة من المبدعين وقدّم لتلفزيون دولة قطر مسلسلات تاريخية مماثلة، مثل "نور الدين زنكي" و"أحمد باشا الجزار" والذي تألّق في كليهما الراحل محمد وفيق من مصر إلى جانب ممثلين آخرين، مثل الراحل عبد الرحمن آل رشي من سوريا وعلي حسن من قطر وغيرهما.

ومن المُلاحظ أنّ الغالبية العظمى من هذه الأعمال الفنية قد اعتمدت العربية الفصحى كلغة للحوار لتجاوز الاختلاف بين اللهجات المحلية، وهو ما أتاح لجيل عربي كامل (من بينهم كاتب هذه السطور) التمتّع بدراما تجمع بين عظة التاريخ وسلامة اللغة نطقًا وبيانًا.

لم يقف الإنتاج المشترك عند حدود الأعمال التاريخية فقط، وإنما تجاوزها إلى برامج الطفل أيضًا، مثل برنامج "إفتح يا سمسم" الذي بدأ بثّه عام ١٩٧٩، وهو النسخة العربية من برنامج الأطفال الأمريكي "شارع سمسم".

ومن اللافت في النسخة العربية التي أنتجتها مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي اتخذت من الكويت مقرًا لها، أنها جمعت عددًا كبيرًا من فنّاني الوطن العربي في سبيل تقديم وجبة ترفيهية وتعليمية دسمة للطفل العربي، فجمع إخراج البرنامج بين هيثم حقي من سوريا وفاروق القيسي من العراق، كما كان أحد كتّاب البرنامج الشاعر المصري الراحل سيّد حجاب.

أما الممثلون، فتنوّعت بلدانهم بين الكويت مثل جاسم النبهان، والعراق مثل قائد النعماني، وسلطنة عُمان مثل جمعة هيكل، وسوريا مثل توفيق العشا، وفلسطين مثل الراحلة لينا الأنصاري.

إلا أنّ المتابع لهذه النوعية من الأعمال يُلاحظ تراجعًا في عددها، ويمكن القول إنّ آخر عمل درامي ينتمي إلى هذه النوعية كان مسلسل "عُمر بن الخطاب" للمخرج الراحل حاتم علي الذي كان نتاج إنتاج مشترك لكلّ من تلفزيونَي قطر والسعودية عام ٢٠١٢، والذي جمع في بطولته ما يزيد عن سبع جنسيات عربية مختلفة (سوريا - تونس - مصر- المغرب - قطر - الكويت - العراق).

ويُرجع بعض النقّاد هذا التراجع الى أسباب إنتاجية بحتة، في حين يُرجعه آخرون إلى سيادة الخطاب القُطري الضيّق على الدراما العربية، وأيًا كان السبب فإنّ الثابت أنّ الأعمال المشار إليها أعلاه، والتي باتت من كلاسيكيات الدراما العربية، ستبقى نموذجًا على قدرة المبدعين العرب على صياغة وجدان مشترك وتجاوز الحدود المصطنعة، وهو ما يجب الالتفات إليه إذا أردنا ترسيخ مبادئ هويّتنا العربية، فقد يكون الإنتاج الدرامي المشترك مدخلًا لتعزيز أفكار الوحدة والتكامل لدى الأجيال الجديدة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن