نظرًا لارتفاع تكاليف اقتناء تلك التكنولوجيات فيجب أن تعمل الحكومات العربية على وضع خططٍ استراتيجية لتوطينها تعتمدُ على التكامل الاقتصادي العربي لتخفيض التكلفة ومنع ازدواجية الجهود. كما يجب على الحكومات العربية الاهتمام بربط نتائج البحث العِلمي بالقطاعات الإنتاجية من خلال تشجيع البحوث التطبيقية المرتبطة بحلّ المشاكل الفعلية لتلك القطاعات، ومن الأهمّية بمكان تعزيز التعاون العربي المشترك في مجال البحوث الزراعية، خصوصًا في ضوء تشابه الظروف والتحدّيات البيئية والجغرافية والمناخية بين الدول العربية.
التعاون العربي المشترك له دور بارز عبر تشجيع استثمارات الدول الغنية في الدول الواعدة زراعيًا
ويمكن أن يتمّ ذلك عبر تعزيز التعاون البَيْني بين الجامعات العربية المختلفة وكذلك المؤسّسات القُطرية البحثيّة وأيضًا تعزيز دور المؤسّسات العربية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية مثل المنظمة العربية للتنمية الزراعية، والمركز العربي لدراسات المناطق الجافّة والأراضي القاحلة "أكساد"، مع إمكانية إنشاء مؤسسات عربية جديدة متخصّصة في معالجة التحدّيات المشتركة التي تواجه الزراعة العربية مثل مشكلة الريّ في المناطق الصحراوية أو مجال معالجة مياه الصّرف الزراعي واستخدامها في الزراعة وكذلك ملف تحلية مياه البحر، الذي يُعتبر الوطن العربي أكبر سوق له في العالم.
يجب أن يكون الهدف خلق بيئةٍ علميةٍ عربيةٍ مشتركةٍ في مجال الريّ والزراعة عبر التعاون والتنافس في الأبحاث والنشر العلمي والمشروعات التطبيقية مع استخدام طرقٍ عِلميةٍ لقياس الجدوى الاقتصادية لهذه الأبحاث على الأرض. ويجب العمل على توفير الاستثمارات اللازمة للتوسّع في التكنولوجيا الزراعية، بخاصة أنه على الرَّغم من ارتفاع تكاليفها، فإنّ العائد الاقتصادي لتطبيقها سوف يساعد على تطوير الإنتاج الزراعي وتقليل الاستيراد ورفع دخل المزارعين ومن ثمّ تعويض تلك التكاليف من خلال ما تحقّقه من ترشيد في المدخلات الزراعية من مياه الريّ والأسمدة والمُبيدات بالإضافة إلى زيادة إنتاجية وتحسين جودة المحاصيل الزراعية.
وفي هذا الصدد، يمكن للتعاون العربي المشترك أن يكون له دور بارز عبر تشجيع استثمارات الدول الغنية في الدول الواعدة زراعيًا ويتطلّب ذلك تطوير قوانين الاستثمار وملكيّة الأرض. كما يمكن أن يكون هناك توزيع أدوار فتتخصّص دول أو شركات عربية بعينها في تصنيع نوعٍ من المعدّات الزراعية أو غيرها من المُستلزمات وتبيعها لدول أخرى.
الإرشاد الزراعي يُشكّل حلقة الوصل بين المزارع وقطاعات البحث العلمي والتكنولوجي
ويتطلّب ما سبق توفير البنية التحتية اللازمة لتطبيق التكنولوجيات الحديثة ثم التدريب المكثف والمستمرّ للمزارعين والجهات المُعاونة عليها بهدف تعزيز القدرات اللازمة لاستيعاب نظم تشغيل وإدارة وصيانة تلك التكنولوجيات لتعمل بأعلى كفاءة ممكنة.
ومن هنا تأتي أهمّية الإرشاد الزراعي الذي يُشكّل حلقة الوصل بين المزارع وقطاعات البحث العلمي والتكنولوجي. وهنا يجب الإشارة إلى أنّ هناك مشكلة كبيرة تواجه القطاعات الزراعية في الوطن العربي تتمثّل في عدم توفّر الأعداد الكافية من المُرشدين الزراعيين المتخصّصين للقيام بتلك المهمّة الحيوية لإنجاح منظومة التطوير حيث يصل عدد المُرشدين في المغرب على سبيل المثال إلى مرشدٍ واحدٍ فقط لكلّ 193 مزارعًا وهي مشكلة تتواجد بشكلٍ أكبر في العديد من الدول العربية الأخرى.
وعلى الرَّغم من اختلاف استراتيجيّات الدول العربية في مجالات التطوير الزراعي ونقل التكنولوجيا حسب التحدّيات المحلية، فإنّ هناك توجّهًا عربيًا عامًا نحو التطوير من خلال دعم الزراعة الرّقمية وتقنيات الريّ الحديثة والميكنة الزراعية ونُظُم التسويق الحديثة، بالإضافة إلى دعم قطاعات الإرشاد الزراعي من خلال نُظُمٍ جديدةٍ يمكنها التغلب على النّقص في الإمكانات البشرية والاهتمام ببرامج التدريب التقني للمزارعين والجهات المعاونة، بخاصة أنّ القطاعات الزراعية العربية لا تعمل بمعزلٍ عن المحيط الإقليمي والدولي، بل إن هناك تعاونًا مشتركًا مع العديد من الهيئات والمنظّمات الدولية وشبكات تبادل المعلومات مما يتيح فرصًا واعدةً لتنفيذ مشاريع لنقل التكنولوجيا والتطوير المستمر للقطاع الزراعي العربي.
خلق ثورة تكنولوجية في المجال الزراعي السبيل الوحيد لمواجهة زيادة السكان ونقص المياه والتصحّر
هناك أمثلة واضحة لنجاح هذا التوجّه في كلّ من مصر والمغرب والسعودية والإمارات التي اعتمدت العديد من برامج التطوير الزراعي شملت الزراعة الذّكية والريّ الحديث والتحوّل الرّقمي والاستشعار عن بُعد والإرشاد الإلكتروني.
ولكن الدول العربية تحتاج إلى المزيد من الاهتمام بهذا الملف لخلق ثورةٍ تكنولوجيةٍ في المجال الزراعي لأنّها السبيل الوحيد لمواجهة زيادة السكان ونقص المياه والتصحّر الذي يهاجم بضراوةٍ الأراضي الزراعية العربية.
لقراءة الجزء الأول
(خاص "عروبة 22")