تقدير موقف

هل تُطبّق إسرائيل "بروتوكول هانيبال"؟

يُشير تعبير بروتوكول أو توجيه "هانيبال" إلى إجراءٍ يُطبّقه الجيش الإسرائيلي لمنع وقوع أيّ من أفراده في الأسر، وذلك باستخدام إطلاق فوري كثيف للنيران من جانب الوحدات الميدانية المُحيطة، حتى لو أدّى ذلك إلى مصرع الجندي الأسير. فعندما طُبق من قبل، أطلقت المدافع والطائرات حممها على كلّ مَن هو موجود في المكان الذي يشهد حالة اختطاف لمنع مغادرة الخاطفين للموقع.

هل تُطبّق إسرائيل

وفقًا لـ"بروتوكول هانيبال"، يكون لوحدات الجيش على الأرض حرية التصرّف واتخاذ القرار من دون تلقّي أوامر من المستويات العليا، وذلك لأهمّية الثواني والدقائق الأولى من عملية الاختطاف، ولضرورة اتخاذ القرار على نحو عاجل.

لم يعترف الجيش الإسرائيلي قطّ بوجود هذا البروتوكول، ولكنّ سلوك وحداته في الميدان يُشير إلى وجوده، وذلك استخلاصًا من دروس اختطاف الفصائل اللبنانية والفلسطينية لبعض الجنود الإسرائيليين، والثمن السياسي والمعنوي الذي قدّمته إسرائيل للإفراج عنهم.

فحوى "بروتوكول هانيبال" إعطاء الأولوية لمنع الاختطاف أو الوقوع في الأسر على سلامة الجندي المختطَف

تبلور هذا البروتوكول بعد غزو لبنان في عام 1982، فقد تكرّرت أحداث خطف الجنود الإسرائيليين، وانتهت بمفاوضاتٍ وصفقات تبادل أسرى اعتبرتها الحكومة الإسرائيلية غير متكافئة وتمّت تحت الضغط. كان من أبرزها، صفقة الجليل في مايو/أيار 1985 التي أبرمتها إسرائيل مع أحمد جبريل (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة)، وبمقتضاها أفرجت إسرائيل عن 1150 أسيرًا مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين.

كان من شأن ذلك، تبلور فكرة أنّ اختطاف أي جندي إسرائيلي يُمثّل ورقة ابتزاز وإضعاف لهيبة الجيش الإسرائيلي، إضافةً إلى ما يمكن أن يحصل عليه المختطِفون من معلومات لدى هذا الجندي، فكانت النتيجة ضرورة حرمان الخصوم من امتلاك هذه الورقة، حتى لو أدّى الأمر إلى تصفية الجنود المُعرّضين للاختطاف.

فكان هذا الإجراء المعروف باسم "بروتوكول هانيبال"، تيمّنًا بقائد قرطاجة الذي فضّل الموت حوالى عام 181 قبل الميلاد بالسمّ، على أن يقع في الأسر في قبضة القوات الرومانية التي أحاطت بالمكان الذي كان يحتمي به. ولهذا التفكير جذوره في الأساطير الإسرائيلية القديمة عن "شمشون الجبار"، الذي امتلك قدرات بدنية كبيرة، وعندما تمّ حصاره في أحد المعابد من قبل أعدائه، قام بتحطيم أعمدة المعبد، فسقطت أحجارها الضخمة على مَن كانوا فيه فهلكوا جميعًا بمَن فيهم شمشون.

تشير المصادر الإسرائيلية إلى أنّ "بروتوكول هانيبال" قد تمّت صياغته في عام 1986، على يد ثلاثة من كبار الضباط في المنطقة الشمالية، وهم اللواء يوسي بيليد قائد المنطقة والعقيد غابي أشكنازي، والعقيد يعقوب أميدرور من كبار معاونيه. وجدير بالذكر أنّ الثاني أصبح فيما بعد رئيسًا لأركان الجيش (2007-2011)، والثالث رئيسًا لمجلس الأمن القومي (2011-2013). وتقتضي قواعد تنفيذ البروتوكول أنّه بمجرّد تعرّض أحد الجنود لعملية اختطاف، ينبغي على الفور إطلاق نيران الأسلحة الخفيفة لإيقاف الخاطفين أو منع المركبة التي يُقلّونها من الفرار، فإن لم يتوقّفوا يقوم القنّاصة باستهدافهم، حتى لو أدّى ذلك إلى إصابة الجنود بالأذى. وفحوى ذلك، إعطاء الأولوية لمنع الاختطاف أو الوقوع في الأسر على سلامة الجندي المختطَف.

ظلّت هذه القواعد سريةً حبيسة أدراج القيادات العليا في الجيش، وتمّ تداولها شفهيًا في ساحة العمليات وفرضت الرقابة العسكرية حظرًا على الإشارة إلى هذا الأمر في الإعلام. واستمرّ ذلك حتى عام 2015، عندما ثار جدل علني في إسرائيل حول هذا البروتوكول.

ما حدث كردّ فعل على عملية "طوفان الأقصى" يُشير إلى أنّ "روح هانيبال" ما زالت متغلغلة لدى القادة الميدانيين

في الواقع، قام الجيش بتطبيق هذا البروتوكول في العديد من الحالات. كان أوّلها، خلال اجتياح جنوب لبنان 1988، عندما تمّ إطلاق نيران مكثّفة لعرقلة محاولة خطف جنود إسرائيليين. وخلال حرب لبنان الثانية، حين شنّ "حزب الله" في 12 يوليو/تموز 2006، هجومًا عبر الحدود، أدّى إلى أسر جنديَيْن إسرائيليَيْن ومقتل ثمانية آخرين. تمّ تفعيل البروتوكول لمنع المختطفين من الفرار إلى داخل لبنان. فأسرعت الدبابات والطائرات إلى ملاحقة مركبات المختطفين وإطلاق النيران عليها. انتهت المواجهة بمقتل الجنديَيْن، وتمّت إعادة رفاتهما في صفقة تبادل عام 2008.

وفي حرب غزّة عام 2008، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامره بقصف أحد المنازل، الذي كان قد لجأ إليه جندي إسرائيلي جريح، وكان مهدّدًا بالوقوع في الأسر، فتمّ تدمير المنزل على مَن فيه لمنع ذلك من الحدوث. وخلال حرب غزّة 2014، نصبت قوات "القسام" كمينًا لوحدةٍ إسرائيلية، في شرق مدينة رفح، أدّى إلى مقتل ضابطَيْن واختطاف ثالث. وعلى الفور، انهالت مئات القذائف المدفعية، وشنّت الطائرات غاراتٍ جويةً متلاحقةً على مكان الاختطاف. وكانت النتيجة مصرع الملازم الذي تمّ اختطافه، إضافةً إلى مئات الفلسطينيين المدنيين. ومع أنّ الجيش قد أنكر تفعيل "بروتوكول هانيبال" في تلك الواقعة، فقد أقرّ بأنّ هذا المصطلح تردّد عبر شبكات الاتصال العسكرية خلال الحدث.

هل يُطبّق الجيش الإسرائيلي هذا المبدأ وهو يباشر عملية احتلال غزّة

أثار ذلك جدلًا واسعًا داخل أوساط الجيش والكنيست والإعلام الدولي والإسرائيلي حول أخلاقيّة هذه الممارسات، ممّا اضطر الجيش لفتح تحقيقٍ داخليّ بهذا الشأن، لا سيما بعدما أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا اعتبرت فيه ما حدث في رفح 2014 "جريمة حرب". فصدر قرار رئيس هيئة الأركان في عام 2016 بإلغاء "بروتوكول هانيبال"، وحلّ محلّه عدد من التوجيهات العسكرية التي أكّدت على ضرورة عدم إلحاق الأذى المتعمّد بالجنود الإسرائيليين المعرّضين للاختطاف.

ومع ذلك، فإنّ ما حدث كردّ فعل على عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُشير إلى أنّ "روح هانيبال" ما زالت متغلغلةً لدى القادة الميدانيين. فقد قامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على أي مركبة تتّجه نحو غزّة، بما فيها بالطبع تلك التي حملت مُختطَفين إسرائيليين. وبالفعل، تمّ قتل العديد من الجنود والمدنيين الإسرائيليين مع خاطفيهم. واعترف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في مطلع 2025 بأنّه أَمَرَ بتطبيق "بروتوكول هانيبال" في بعض المواقع.

فهل يُطبّق الجيش الإسرائيلي هذا المبدأ، وهو يباشر عملية احتلال مدينة غزّة اليوم؟!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن