من المعتقد على نطاقٍ واسعٍ أنّ الثورة الصناعية الثالثة كانت الأشدّ أثرًا على الاقتصاد العالمي حتى الآن، إذ ارتفع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو أربعة أضعاف ليبلغ 8000 دولار[1]. ويُعتقد أيضًا أن المرحلة اللاحقة من هذه الثورة، التي اتّسمت في معظمها بالتطوّرات في تكنولوجيا المعلومات والحاسوب، بما في ذلك التطبيقات الرقميّة، كان لها تأثير بارز في الإنتاج والدخل. وفي هذا السياق، تُشير التقديرات إلى أنّ التطوّرات المكثّفة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب التطوّرات الرقمية، قد ترفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 45% خلال ثلاثين عامًا، بل وبنسبة 70% في البلدان الأقل نموّا. ويُتوقّع أن تعزّز إنتاجية العمل والإنتاج بنسبة تتراوح ما بين 15% و30% لكلٍّ منهما، وهذه الفوائد تشمل مختلف القطاعات. ومع ذلك، فإنّها تؤدّي إلى فقدان وظائف، لا سيما في مجالات العمل الروتيني، غير أنّ ذلك تمّ تعويضه بزيادة فرص العمل في قطاعَيْ تكنولوجيا المعلومات والحاسوب والقطاع الرقمي.
لا توجد سوى 4 دول عربية فقط ضمن أول 50 دولة من حيث الجاهزية للذكاء الاصطناعي
ولا شكّ أنّ تطوير تكنولوجيا المعلومات والحاسوب يعدّ أمرًا بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية العربية، ليس فقط لسدّ الفجوة بين الدول العربية والعالم المتقدّم، بل أيضًا لمساعدتها على مواجهة تحدّيات الحدّ من الفقر والبطالة، وزيادة الدخل والقدرة التنافسية. وعلى الرَّغم من أنّ الدول العربية قد أحرزت بعض الأُسُس المقبولة في مجال تطوير وتطبيق تكنولوجيا المعلومات والحاسوب، فإنّ الفجوات لا تزال قائمة. فعلى سبيل المثال البسيط، تبلغ نسبة استخدام وتطبيق الإنترنت 100% في دول مجلس التعاون الخليجي، بينما تتراوح ما بين 60% و90% في المغرب ولبنان والأردن وفلسطين وتونس ومصر والجزائر وجيبوتي، وأقلّ من 50% في باقي الدول[2]. وتعكس هذه الفجوة في الواقع، التطوّر السريع لتكنولوجيا المعلومات والحاسوب والبنية التحتية الرقمية في دول مجلس التعاون الخليجي مقارنةً بغيرها من الدول، وهي حقيقة تُفسّر جانبًا مهمًّا من اتّساع الفوارق في الدخل والاستثمار بين دول المجلس وبقية المجموعات العربية.
ولا تزداد الأمور سهولةً عند الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة. فعلى الرَّغم من أن تأثيرها في أسواق العمل والتوظيف في مختلف الوظائف غير اليدوية لا يزال غير واضح المعالم - حيث قد يقتصر دور العمالة البشرية غالبًا على الاختراع والإشراف - فإنها تبشّر بزيادةٍ ملحوظةٍ في الإنتاجية على امتداد مجالات الحياة والصناعة كافّة. ولسوء الحظ، وكما يوضح الجدول أعلاه، لا توجد سوى 4 دول عربية فقط (الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وعمان) ضمن أول 50 دولة من حيث الجاهزية للذكاء الاصطناعي، مع استمرار وجود فجوات واسعة بين مجموعات الدول العربية.
العالم العربي فاتته فرصة اللّحاق بالثورات الصناعية الثلاث الأولى وحان الوقت لأن يلحق بركب الثورة الرابعة
ولكن لا ينبغي السماح باستمرار ذلك، فالذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة يمثّلان فرصةً أمام العالم العربي للانطلاق في مسارٍ تنمويّ جديدٍ، يستفيد من هذه التقنيات ويكون جزءًا من الاقتصاد العالمي المستقبلي. وسيتطلّب الأمر استثماراتٍ ضخمةً في تكنولوجيا المعلومات والحاسوب، وفي قدرات الذكاء الاصطناعي وما يرافقها من إعادة هيكلة اقتصادية. غير أنّه يحتاج بالقدر نفسه من الأهمية إلى ترسيخ السلام والأمن، والحكم الرشيد، والتنمية البشرية، والتكامل الإقليمي، إضافةً إلى توفير الموارد المالية اللازمة خصوصًا لدى الدول العربية المحدودة الدخل. إنّها بلا شك مهمّة جسيمة، لكنّها تستحق العناء، إذ إنّ العالم العربي فاتته فرصة اللّحاق بالثورات الصناعية الثلاث الأولى على الأقل، وقد حان الوقت لأن يلحق بركب الثورة الصناعية الرابعة الراهنة!.
[1] منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كيف كانت الحياة: الرفاهية العالمية منذ عام (2015). 1820
[2] التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2024. (2025)
(خاص "عروبة 22")