تختلق اسرائيل كما بات معروفاً الحجج والذرائع من اجل استكمال جرائمها في غزة والمنطقة مستفيدة من التبريرات الاميركية من جهة والصمت الدولي من جهة ثانية. في وقت تجد الدول المستهدفة (لبنان، سوريا وغزة) نفسها في حالة من التشرذم والتشتت والخوف من التصعيد الاسرائيلي المتفاقم والخروقات اليومية والتهديدات التي لا تفارق المسؤولين في تل أبيب وتكشف فحوى نواياهم الخبيثة. فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر والظروف تتبدل وتتغير لصالح اسرائيل، وهو ما تبرزه الحقائق الواضحة للعيان بينما تتدخل دول عربية للحدّ من تدهور الامور وانفجارها بشكل تام.
ومن هنا يمكن تسليط الضوء على الدور المصري في لبنان بعد نجاح القاهرة باستضافة "قمة شرخ الشيخ للسلام" وارساء اتفاق وقف اطلاق النار في غزة بعد عامين كاملين من الابادة الجماعية. وعلى الرغم من الهدنة الهشة التي تخرقها قوات الاحتلال كل يوم الا انها اعتبرت خطوة في طريق ما…لا يمكن ان يؤدي الى السلام، كما كان يروج الرئيس الاميركي دونالد ترامب ولكنها تحدّ من اعداد الشهداء والجرحى وتمنع تهجير الفلسطينيين من أرضهم. وفي التفاصيل، يشهد لبنان زحمة موفدين دوليين في اطار المساعي لمنع التصعيد في جنوب لبنان وتثبيت الاستقرار. فبالتزامن مع زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، وصل كل من رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط. وهذه الحركة الدبلوماسية اللافتة تأتي على وقع الضربات الاسرائيلية المتفاقمة والاستهدافات اليومية لما تقول اسرائيل بأنهم عناصر تابعين لـ"حزب الله".
ففي الوقائع السياسية، أجرت أورتاغوس القادمة من اسرائيل لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين الثلاثة تركزت حول ضرورة المضي قدمًا بسحب سلاح "حزب الله" وبسط الدولة نفوذها على كامل أراضيها كما بأهمية التفاوض مع اسرائيل، خاصة أن القطار انطلق ويجب على لبنان اللحاق بالمسار القائم حاليًا والا فإنه سيواجه تبعات ذلك وحده. في حين جدد لبنان مطالبه بضرورة وقف التعديات الاسرائيلية وتقديم الدعم اللازم للجيش اللبناني كي يتمكن من مواصلة انتشاره في الجنوب وعلى كل الأراضي اللبنانية. أما رئيس المخابرات المصرية فقد حمل مبادرة، لا تزال تفاصيلها طي الكتمان والمناقشة بعيداً عن الاعلام، ولكنها مستوحاة من اتفاق غزة لاسيما بعد دور القاهرة الرائد في هذا المجال. واكتفى بيان رئاسة الجمهورية اللبنانية بالقول "إن اللواء رشاد نقل إلى الرئيس جوزاف عون تحيات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتمنياته له بالتوفيق في قيادة لبنان نحو شاطئ الأمان"، مشيرة إلى أنه تم "خلال اللقاء عرض الأوضاع العامَّة في المنطقة عموماً، وفي الجنوب خصوصاً، إضافة إلى الوضع في غزة. وأبدى رشاد استعداد بلاده للمساعدة في تثبيت الاستقرار في الجنوب، وإنهاء الوضع الأمني المضطرب فيه. كما جدد التأكيد على دعم مصر للبنان".
وتستغل مصر علاقاتها الايجابية مع جميع الاطراف في لبنان وقنوات اتصالها المفتوحة مع "حزب الله" من اجل الدفع قدمًا نحو اتفاق يعيد ضبط الاوضاع ويحدّ من انفجارها. هذا في وقت أكد فيه الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه لمس لدى الرئيس عون "ثقة بأن الأمور في الطريق السليم"، مستبعداً عودة الحرب ولكنه تطرق الى وجود جهود أميركية - مصرية لمساعدة لبنان. من جهته، يستمر "حزب الله" برفض تسليم سلاحه ورفع سقف المواجهة مع الحكومة اللبنانية التي يتهمها بـ"التلكؤ والتباطؤ" في البدء بعملية إعادة الاعمار، والذي هو موضوع شائك ومرتبط بالتسوية السياسية التي لا تزال غير واضحة المعالم. الى ذلك، أكد مصدران لـ"رويترز" أن الجيش اللبناني فجر عدداً كبيراً من مخازن أسلحة "حزب الله" لدرجة أن المتفجرات التي بحوزته نفدت، وذلك في وقت يسابق فيه الزمن للوفاء بمهلة تنتهي بنهاية العام الحالي لحصر السلاح بيد الدولة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. في المقابل، ترفع اسرائيل من حدة لهجتها، اذ نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" عن مسؤولين قولهم "إن لم تستطع الحكومة اللبنانية نزع سلاح الحزب فلن يكون هناك مفر من تنفيذ عملية مركزة ومحددة ضد أهدافه"، فيما تحدثت عن تقديرات إسرائيلية رسمية تفيد بأن إيران نقلت أسلحة إلى "حزب الله" عبر العراق وسوريا.
ومن هذا المشهد الذي يلقي بظلاله على الوضع العام في لبنان، الى غزة التي شهدت أمس على نقض اسرائيل لاتفاق وقف النار وشنّها غارات عنيفة أسفرت عن سقوط 35 شهيداً وإصابة عشرات آخرين بجروح، بحسب الدفاع المدني في غزة، وذلك في خرق هو الاكبر من نوعه منذ توقيع اتفاق وقف النار. وجاءت الغارات في أعقاب إصدار مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بياناً أشار فيه إلى أن الأخير وجه بتنفيذ "هجمات قوية" على الفور. ولم يوضح البيان سبب الغارات، لكن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً برر ذلك بالقول "إن حماس انتهكت وقف إطلاق النار بشنّ هجوم على قوات إسرائيلية في منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل القطاع. فيما نفت الحركة أي علاقة لها بالهجوم الذي وقع في مدينة رفح، مجددة التزامها بالاتفاق الذي تم التوصل اليه وفق خطة اميركية. في غضون ذلك، برر الرئيس ترامب الضربات الاسرائيلية اذ نقلت وكالة "رويترز" عنه "إن لإسرائيل الحق في الانتقام، وإن حركة "حماس" جزء صغير ضمن اتفاق الشرق الأوسط".
وكرّر ترامب، اليوم الأربعاء، تهديداته للحركة من أنها إذا لم تتصرف بشكل صحيح فسيتم القضاء عليها، معتبراً في الوقت عينه أن وقف إطلاق النار في غزة ليس مهدداً رغم الهجمات الاسرائيلية الاخيرة. وفي خضم هذه التطورات، أعلنت "كتائب القسام" تأجيل تسليم جثة أسير إسرائيلي كانت قد عثرت عليها في نفق بخان يونس، مشيرة إلى أن الخروقات الإسرائيلية تعيق عمليات البحث والحفر وانتشال الجثامين، محذرة من أن أي تصعيد جديد سيؤدي إلى مزيد من التأخير في تسليم جثث القتلى الإسرائيليين. وتحرض تل أبيب من بوابة ما تبقى من رفات للأسرى من اجل التمنع عن البدء بمشاورات المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تتناول قضايا رئيسية ينتظرها سكان القطاع على أحر من الجمر، خاصة ان الاوضاع الانسانية لم تتحسن رغم هدوء المعارك الى حدّ ما. فالأهالي هناك يشتكون من صعوبة الحياة وسط الركام والدمار وغياب المقومات الرئيسية من بنى تحتية ومدارس ومستشفيات ناهيك عن الجوع مع استمرار اسرائيل بالتحكم بالمعابر.
سوريًا، تسعى حكومة دمشق الى تحسين علاقاتها الخارجية والدفع نحو الحصول على المزيد من الدعم المادي والمشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تسهم في اعادة اعمار البلاد بعد سنوات الحرب الدموية. وقد بدا ذلك جلياً من خلال مشاركة الرئيس أحمد الشرع، في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" بنسخته التاسعة، والمنعقد في السعودية حيث أجرى لقاء مع وزير الخارجية فيصل بن فرحان وسط معلومات تفيد بأنه سيلتقي أيضاً ولي العهد الامير محمد بن سلمان، في زيارة هي الثالثة له إلى المملكة منذ وصوله إلى السلطة، مما يعكس حجم الاهتمام الذي توليه الرياض حاليًا لهذا الملف. في اطار اخر، قالت وزارة الدفاع الروسية إن الوزير أندريه بيلوسوف أجرى محادثات مع نظيره السوري مرهف أبو قصرة في موسكو، موضحة أن الجانبين ناقشا "التطبيق العملي لمجالات التعاون الثنائي الواعدة". وتجسد هذه الزيارة ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الشرع وفلاديمير بوتين مؤخرًا، وما حكي عن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين اثر ما شابها من توترات وخلافات نتيجة وقوف موسكو سابقًا الى جانب نظام بشار الأسد.
ومن مصالح روسيا الاستراتيجية في سوريا الى مساندة ايران وذلك بعدما جدّد السفير الروسي في طهران، أليكسي ديدوف، دعم بلاده لإيران في البحث عن حلول لتسوية الأزمة المحيطة ببرنامجها النووي، مشدداً على أن موسكو تجري مشاورات مستمرة في هذا الاطار وعلى مستويات متعددة. واذ لفت إلى أن موسكو تعدّ الخطوات التي اتخذتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بهدف إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران "باطلة من الناحية القانونية والإجرائية"، شدد على أن "محاولات الضغط على إيران لا تُشكل أي التزامات قانونية على الأطراف الملتزمة بالقانون الدولي". وتأتي تأكيدات السفير الروسي على مواصلة التعاون، بعد ثلاثة أيام من انتقادات وجهها رئيس البرلمان السابق محمد باقر قاليباف إلى الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، متهماً إياهما بالإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين طهران وموسكو.
على المقلب الاخر، نددت جامعة الدول العربية وكل من قطر والسعودية بإرتكاب قوات "الدعم السريع" "انتهاكات" خلال هجومها على مدينة الفاشر غربي البلاد، في حين عبرت مصر عن "قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في السودان". وتشتعل الاوضاع هناك وسط تعتيم اعلامي وعجز أممي عن حماية المدنيين العُزل الذين يتعرضون لابادة ممنهجة منذ ما يقارب السنتين. بدوره، حثّ الجيش السوداني، الثلاثاء، المنظمات الحقوقية على توثيق الجرائم المرتكبة في الفاشر، بعد ساعات من إعلان قائده، الجنرال عبد الفتاح البرهان، انسحاب قواته من المدينة اثر معارك دموية طاحنة. وكانت قوات "الدعم السريع" أعلنت صباح الأحد سيطرتها على الفاشر بشكل كامل، وذلك بعد حصار استمرّ أكثر من عام، وهذا يعني بسط نفوذ القوات على جميع ولايات دارفور الخمس، وتقسيم البلاد بين شرق يسيطر عليه الجيش السوداني وغرب تحت سيطرة "الدعم السريع".
دوليًا، توقّع الرئيس الأميركي أن ينجح لقاءه المقرّر مع نظيره الصيني شي جينبينغ في كوريا الجنوبية، غدًا الخميس، في حلّ "الكثير من المشاكل" العالقة بين البلدين. وهذا الاجتماع هو الاول لهما منذ عام 2019 حيث من المتوقع أن يتم التركيز بشكل رئيسي على التوصل إلى صفقة تجارية يمكن أن تخفف من وطأة التوترات المتصاعدة بين العملاقين الاقتصاديين.
هذه المستجدات وغيرها تطرقت لها الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي. واليكم التفاصيل:
ركزت صحيفة "الأهرام" المصرية على موضوع "ضم الضفة الغربية" التي، من وجهة نظرها، أشبه بـ"مباراة جديدة يفتتحها نتنياهو ليغازل أو يشغل بها اليمين المتطرف ويلاعب بها ترامب". وقالت "إنها ساحة نتنياهو البديلة لاستيعاب وتفتيت كل الضغوط التي يتعرض لها منذ إيقاف الحرب على غزة بفرمان ترامب، ما عرضه لكثير من الهجوم سواء من اليمين المتطرف الذي يعارض إيقاف الحرب، أو حتى من تيارات أخرى رأت في الانصياع لترامب بهذا الشكل مساسًا بالسيادة الإسرائيلية". وخلصت الى أن نتنياهو "لن يذهب بعيدًا في تحدي ترامب، ولكنه يعتمد على أن موقفه بشكل عام لم يكن معارضًا لفكرة ضم الضفة وتوسيع إسرائيل التي يراها صغيرة للغاية، ومن ثم يأمل في إعادة ترامب الى ذلك الموقف".
وأشارت صحيفة "النهار" اللبنانية الى أن نتنياهو "يناور في مساحة الغموض التي تكتنف بعض بنود الخطة الأميركية في مرحلتها الثانية، ويراهن في الوقت نفسه على أن إدارة ترامب لا بدّ أن تفقد في وقت ما اهتمامها بملف غزة. وعندها سيكون في متسع إسرائيل التحكّم بوقف النار بالطريقة التي تناسبها، هذا إذا لم تُستأنف الحرب". لكنها أوضحت أن "الطريقة التي تعامل بها ترامب إزاء نتنياهو في الأسابيع الأخيرة، تدلّ على أن الأيام التي كان الإسرائيليون يعتقدون أن الرئيس الأميركي يعمل لديهم، قد فقدت صدقيتها إلى حدّ كبير".
في سياق أخر، تناولت صحيفة "عكاظ" السعودية الاوضاع الامنية الراهنة في سوريا التي "باتت تستدعي إعادة النظر جذرياً في السياسات الأمنية والإعلامية، بل وتفرض – من وجهة نظر قانونية وسيادية – إعلان حالة الطوارئ، وربما حتى فرض الأحكام العرفية في مناطق محددة ولمدة محددة، حمايةً للوطن والمجتمع من الانزلاق نحو الفوضى الشاملة". وأضافت "ليست حالة الطوارئ انتقاصاً من الحريات العامة بقدر ما هي وسيلة قانونية استثنائية تُمكّن الدولة من التصدي للأخطار غير العادية، خصوصاً في ظل أوضاع كالتي تعيشها سورية اليوم، إذ تتقاطع الأزمات الداخلية مع تدخلات إقليمية ودولية واضحة".
أما صحيفة "الوطن" القطرية، من جهتها، فسلطت الضوء على المشهد اللبناني الذي رأت أنه "اليوم يقف على فوهة بركان سياسي وأمني في آن واحد. الانقسام حول قانون الانتخابات يكشف عمق أزمة الثقة بين القوى السياسية، التي باتت تستخدم الدستور وسيلة تعطيل بدل أن يكون إطاراً لتنظيم الخلافات. أما الخطر الأكبر، فهو أن استمرار هذا النهج يهدِّد بفقدان ما تبقَّى من ثقة المجتمع الدولي، ويعرّض البلاد لخسارة المساعدات والقروض"، مشددة على ضرورة "الحفاظ على الاستقرار الذي يتطلّب موقفاً وطنياً موحداً يضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار، ويعيد للدولة دورها الكامل في رسم السياسة الدفاعية بالتوافق لا بالمواجهة".
(رصد "عروبة 22")

