أسفل صورة جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ربما في قمة شنغهاي للتعاون الأخيرة بمدينة تيانجين الصينية، كتب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 5 سبتمبر/أيلول الجاري، على حسابه على منصة "تروث سوشيال"، تعليقاً ساخراً يغلب عليه الحسرة، زاعماً أنّ بلاده خسرت الهند وروسيا لمصلحة الصين ويتمنى لهما "مستقبلاً طويلاً ومزدهراً معاً!" وإذا نحينا الملف الروسي جانباً لأنه يحتاج إلى مقالات مستقلة، يثور التساؤل: هل فقدت الولايات المتحدة الهند حقاً؟
طوال العقدين الماضيين، ساد تقارب لم يسبق له مثيل بين الهند والولايات المتحدة، إذ وطَّد البلدان روابط اقتصادية واستراتيجية متينة وقد استندت شراكتهما إلى قيم ومصالح مشتركة، أهمها الديمقراطية والتنوع الثقافي وتشاركا المخاوف من صعود الصين. وكانت الولايات المتحدة تراهن على الهند كشريك أساسي، في منطقة المحيطين الهندي والهادي (الإندوباسيفيك)، لمساعدتها في سياق منافستها العالمية مع الصين.
وابتداء من ولاية جورج دبليو بوش، قام الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون بتعزيز قدرات الهند، مفترضين أن ذلك سيسهم في تعزيز القوى المؤيدة للنظام الدولي القائم على القواعد في منطقة الإندوباسيفيك وعزز "التوجه نحو آسيا"، الذي تبناه الرئيس بارك أوباما، مكانةَ الهند في منطقة الإندوباسيفيك، أما إدارة جو بايدن، فركزت على التعاون التكنولوجي والدفاعي مع الهند، وأطلقت، من ثم، مبادرة طموحة لتسهيل حصول الهند على تكنولوجية أمريكية متطورة وتعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين وجعل التحالف الأمني الرباعي (كواد Quad)، الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، ركيزة لاستراتيجيتها في منطقة الإندوباسيفيك. وتغاضت إدارة بايدن عن سياسات هندية غير مؤاتية، مثل رفض إدانة العدوان الروسي المستمر على أوكرانيا منذ 2022.
ولكن هذه العلاقة المبنية بعناية بين الولايات المتحدة والهند خرجت فجأة عن مسارها خلال الأشهر الأربعة الماضية. فلم يستطع البلدان التوصل إلى اتفاق تجاري برغم المفاوضات التي استغرقت شهوراً، كما تدهورت العلاقات بينهما سريعاً بعد فرض الرئيس ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة وهي تعرفة جمركية أعلى حتى من تلك المفروضة على الصين وقد هدّد ترامب بزيادة التعريفات الجمركية على الهند إلى 100% وانتقد سياساتها الاقتصادية وكان ترامب، في أواخر يوليو الماضي، قد أبرم صفقة مع باكستان، الخصم التقليدي للهند بموجبها تعمل الولايات المتحدة على تطوير احتياطات النفط الباكستانية.
على أية حال، يمكن تفسير السلوك الأمريكي تجاه الهند على أنه رد على استمرار الأخيرة في شراء النفط الروسي بأسعار تفضيلية رغم العقوبات الغربية وعلى مناورات الهند الجيوسياسية المتشعبة، بما في ذلك عضويتها في تكتل "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون واعتمادها المتواصل على المعدات الدفاعية الروسية ورغم الضغوط، تمسّك رئيس الوزراء مودي بسياسته الخارجية، معتبراً النفط الروسي خياراً تجارياً وأنّ تنويع الشركاء واحدٌ من أهم أسس سياسته الخارجية.
وهناك عدة تداعيات لتسارع تدهور العلاقات بين واشنطن ونيودلهي، أهمها، عدم استقرار أسعار النفط العالمية وزعزعة أسس الشراكة الهندية–الأمريكية، عودة النزعة المعادية للولايات المتحدة للارتفاع في أوساط السياسة الخارجية الهندية بعد عقود من التراجع، فضلاً على خسارة شبه القارة الهندية كجبهة أساس في المنافسة الأمريكية الكبرى مع الصين وفي هذا الخصوص، تسعى الهند إلى توثيق العلاقات مع الصين وروسيا، أو على الأقل الإيحاء بذلك وقد قيّم المراقبون حضور رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين (1 سبتمبر/أيلول الجاري) وزيارته الأولى للصين منذ 7 سنوات، بأنها محاولة لإعادة بناء العلاقات الهندية الصينية التي تدهورت بعد سلسلة من الاشتباكات الحدودية الدامية في عام 2020. كما أكد مودي هذا الشهر أن بوتين سيزور الهند في وقت لاحق من هذا العام.
وعلى المدى المتوسط، يُتوقّع أن تسهم قمة شنغهاي في تعميق التنسيق بين الصين وروسيا والهند والدول الآسيوية الأخرى وتسريع تنفيذ مشاريع البنية التحتية والطاقة المشتركة، ما قد يعيد رسم موازنات القوى الاقتصادية والسياسية في المنطقة ويزيد من قدرة المنظمة على التأثير في الأزمات الإقليمية والدولية وتعزيز التحدّي العالمي لسياسات ترامب الدولية، كما أن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والهند من شأنه التأثير بالسلب في فرص تنفيذ مشروع إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط ومن ثم، زيادة فرص مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ما يفضي إلى تنامي النفوذ الصيني العالمي.
علاوة على ذلك، فإنّ التدهور في العلاقات الأمريكية-الهندية يمنح الصين مساحة أوسع لترجيح ميزان القوى الإقليمي لمصلحتها عبر "دبلوماسية القروض" والاتفاقات العسكرية وتوسيع نفوذها السياسي والدبلوماسي مع دول المنطقة وقد غدت الصين اليوم أكثر تورطاً من أي وقت مضى في شؤون جنوب آسيا ومع ذلك، فقد تقود هذه التطورات إلى تقليل الاصطفافات وزيادة فرص ترسيخ الاستقرار في منطقة جنوب آسيا، ومنطقة الإندوباسيفيك عموماً. وبقدر ما أرى في المستقبل المنظور، من المتوقع أن يستمر التوتر بين الولايات المتحدة والهند وأنْ يتطور إلى أزمة مركبة وأنْ يُشكل تحدياً جيوسياسياً معقّداً يمتد تأثيره إلى شركاء البلدين، بما في ذلك دولة الإمارات.
(الخليج الإماراتية)