في الوِلايَةِ "التْرامْبِيَّةِ" الثّانِيَة، يَتَقَدَّمُ توم باراك أَمامَ الأَساطيل، وَلا يَسيرُ خَلفَها. وَكُلُّنا يَعْلَمُ كَيْفَ دَشَّنَ الرَّجُلُ مَهامَّهُ الإِقْليمِيَّةَ في "نَعْيِ اِتِّفَاقِيَّةِ سايْكس – بيكو" بِوَصْفِها مَشْروعًا اِسْتِعْمارِيًّا إِمْبِرْيالِيًّا أَفَلَ نَجْمُه. وَظَنَّ بَعْضُ الشُّعوبِ المَقْهورَةِ أَنَّ جَحافِلَ "العَمّ سام" أَتَتْ لِتُحَرِّرَهُمْ مِنَ "الطَّواغيتِ" التي تَتَحَكَّمُ بِهِم، وإذا بِهَذِهِ الجَحافِلِ تُطيحُ بِالتَّرْتيباتِ الأوروبِيَّةِ لِمَصْلَحَةِ الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ الخالِصَةِ وَذِراعِها الضّارِبَةِ بِنْيامين نِتِنْياهو.
لَكِنَّ باراك إِيّاهُ سُرْعانَ ما خَيَّبَ آمالَ "الطَّواغيتِ الجُدُدِ" عِنْدَما أَطْلَقَ سِلسِلَةَ مَواقِفَ حادَّةٍ ضِدَّ السِّياساتِ التي انْتَهَجَتْها الإِداراتُ الأَميرْكِيَّةُ السّابِقَةُ في العِراقِ، لِأَنَّها "قَوَّتْ إِيرانَ وَجَعَلَتْها تَمْلَأُ الفَراغ... وَلِأَنَّنا صَنَعْنا هَيْكَلًا جُنونِيًّا جَعَلَ الميليشْياتِ الإِيرانِيَّةَ تَمْتَلِكُ نُفوذًا يَفوقُ نُفوذَ البَرْلَمان"، فَالعِراقُ بِحَسَبِ باراك يُشَكِّلُ مِثالًا واضِحًا مِنَ الأَخْطاءِ التي يَجِبُ أَنْ لا تُكَرِّرَها الوِلاياتُ المُتَّحِدَة.
انطلقت صفارة تصفير قوَّة إيران الخارجيّة مع إعلان العراق تصنيف "حزب الله" و"الحوثيين" كيانين إرهابيين
عِنْدَ هَذا الحَدِّ، يُعْلِنُ المَبْعوثُ التْرامْبِيُّ اِنْتِهاءَ عَصْرِ التَّخادُمِ الأَميرْكيِّ - الإِيرانيّ، لِيُدَغْدِغَ أَحْلامَ المَقْهورِينَ مِنَ "الطُّغاةِ الجُدُدِ" بِهَدَفِ تَأْهيلِهِمْ لِيَكونوا الحِصانَ الأَميرْكِيَّ الرّابِحَ في رِحْلَةِ الإِياب، وَهِيَ الرِّحْلَةُ التي تَعْني بِوُضوحٍ تَصْفيرَ قُوَّةِ إِيرانَ الخارِجِيَّةِ وَخُصوصًا في العِراق. وَهُوَ التَّصْفيرُ الذي انْطَلَقَتْ صَفّارَتُهُ مَعَ إِعْلانِ العِراقِ تَصْنيفَ "حِزْبِ اللهِ" اللُّبْنانيِّ و"أَنْصارِ اللهِ الحوثيّينَ" اليَمَنِيّينَ كِيانَيْنِ إِرْهابِيَّيْنِ يُحْظَّرُ نَشاطُهُما المالِيُّ في العِراق.
وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ تَراجُعِ رَئيسِ الحُكومَةِ العِراقِيَّةِ مُحَمَّد شِيّاعِ السّوداني عَنْ هَذا التَّصْنيفِ الخَطيرِ والتَّحْقيقِ بِه، فَقَدْ أَكْمَلَ تَوْصيفُ توم باراك الصّورَةَ بِقَوْلِهِ إِنَّ "الرَّجُلَ كَفوءٌ لَكِنَّهُ لا يَمْلِكُ سُلطَةً فِعْلِيَّة". وَمَعَ هَذا، صَعَّبَ باراك المَوْقِفَ على السّوداني عِنْدَما حَذَّرَهُ مِنْ أَنَّ "إِسْرائيلَ سَتَضْرِبُ الفَصائِلَ المُوالِيَةَ لِإِيرانَ إِذا ما سانَدَتْ حِزْبَ اللهِ الذي سَتُواصِلُ إِسْرائيلُ ضَرْبَهُ حَتَّى نَزْعِ سِلاحِه". ما يَعْني أَنَّ العِراقَ يُواجِهُ اِخْتِبارًا حَقيقِيًّا في تَشْكيلِ أَوَّلِ حُكومَةٍ بَعْدَ اِنْتِهاءِ عَصْرِ التَّخادُمِ الأَميرْكيِّ - الإِيرانِيّ.
وَعلى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ قَرارَ العِراقِ بِتَصْنيفِ "حِزْبِ اللهِ" و"الحوثيّينَ" مُتَّخَذٌ مُنْذُ أَشْهُرٍ عِدَّةٍ، إِلّا أَنَّ الكَشْفَ عَنْهُ بِهَذا الشَّكْلِ الفَضائِحيِّ على شَكْلِ "تَسْريبَة"، إِنَّما يَهْدِفُ إلى فَحْصِ التَّوازُناتِ الحاكِمَةِ لِلعِراقِ وَرَصْدِ التَّجاذُباتِ والتَّداعِياتِ الحادَّةِ التي أَحْدَثَتْها التَّسْريبَةُ والتَّراجُعُ عَنْها في آن!.
تَسْريبَةُ تَصْنيفِ "حِزْبِ اللهِ" إِرْهابِيًّا في العِراق، تَزامَنَتْ مَعَ تَسْريبَةٍ أُخْرَى أَطْلَقَها المُتَحَدِّثُ بِاسْمِ جَيْشِ الِاحْتِلالِ أَفيخاي أَدْرِعي حَوْلَ ضُلوعِ "حِزْبِ اللهِ" في اغْتِيالِ أَرْبَعِ شَخْصِيّاتٍ لُبْنانِيَّةٍ مَعْنِيَّةٍ بِمِلَفِّ اِنْفِجارِ مَرْفَأِ بَيْرُوت.
إِنَّها التَّسْريبَةُ التي وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مِصْداقِيَّتِها، وَتالِيًا عَنْ نَفْيِ "حِزْبِ اللهِ" عَلاقَتَهُ بِها، تَسْتَظْهِرُ بِوُضوحٍ سَعْيًا إِسْرائيلِيًّا مَحْمومًا لِإِحْداثِ فِتْنَةٍ داخِلِيَّةٍ واسْتِباقِيَّةٍ لِلتَّحْقيقاتِ العَدْلِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ، وَلِتَجْريمِ "حِزْبِ اللهِ" وَتَجْريءِ بَعْضِ خُصومِهِ عَلَيْهِ في تَوْقيتٍ إِسْرائيليٍّ حَسّاسٍ مِنْ جِهَةٍ ثانِيَة. وَيَسْتَظْهِرُ أَيْضًا أَنَّ جَيْشَ الِاحْتِلالِ وَعلى الرَّغْمِ مِنْ قَصْفِهِ المُسْتَمِرِّ لِلُبْنان، ضاحِيَةً وَجَنوبًا وَبِقاعًا، لَمْ يَتَمَكَّنْ حَتَّى اللَّحْظَةِ مِنْ تَنْفيذِ المُهِمَّةِ، لِذَلِكَ يُحاوِلُ الاسْتِعانَةَ بِالفِتْنَةِ لِتَنْفيذِها!.
تصريح باراك هو ابن شرعيّ لنظريّة الخداع الأميركية
لَيْسَ مُصادَفَةً البَتَّةَ أَنْ تَتَزامَنَ "التَّسْريباتُ القاتِلَةُ" مَعَ بَعْضِها، فَتَقْريرُ "رويْتِرْز" حَوْلَ ما يَنْتَويهِ رامي مَخْلوف وَلِواءُ اِسْتِخْباراتِ النِّظامِ السّابِقِ كَمال حَسَن في مِنْطَقَةِ السّاحِلِ وَتَجْنيدِهِما لِنَحْوِ 15 أَلْفَ مُقاتِلٍ وَغُرَفِ عَمَلِيّاتٍ تُشْرِفُ عَلَيْهِمْ وَتُديرُهُمْ بَيْنَ لُبْنانَ وَسورِيا، إِنَّما هُوَ تَسْريبَةٌ مِنَ العِيارِ الثَّقيل، لا سِيَّما أَنَّ زِيارَةَ الرَّئيسِ السّوريِّ أَحْمَد الشَّرْع إلى موسْكو كَانَتْ حافِلَةً بِالإِنْجازاتِ التي تَهُـمُّ سورِيا الجَديدَةَ وَهِيَ تَحْتَفِلُ بِسَنَوِيَّتِها الأولى.
بِكُلِّ حال، يَنْبَغِي أَخْذُ تَسْريبَةِ "رويْتِرْز" على مَحْمَلِ الجِدّ. فَإِذا كانَ بَشّارُ الأَسَد قَدْ سَلَّمَ، رُبَّما، بِما آلَتْ إِلَيْهِ سورِيا، فَهَذا الأَمْرُ لا يَنْطَبِقُ حَتْمًا على أَرْكانِ نِظامِهِ في السّاحِلِ السّوريِّ الذي يُشَكِّلُ اليَوْمَ الشَّيْخُ غَزال الغَزال رَأْسَ حَرْبَتِهِ وَهُوَ يُديرُ اِعْتِصاماتِ العَلَويّينَ فيهِ لِخَمْسَةِ أَيامٍ رَفْضًا لِسِياساتِ الحُكْمِ الجَديد، وَهُوَ بِما يُمَثِّلُ عَلَوِيًّا باتَتْ مَطالِبُهُ أَقْرَبَ لِمَطالِبِ "قَسَدْ" وَحِكْمَتِ الهِجْريِّ في "دَوْلَةِ الأَقاليم".
وَلِشِدَّةِ ما كانَتْ تَسْريبَةُ "رويْتِرْز" مَسْمومَة، جاءَ الرَّدُّ عَلَيْها بِتَسْريبَةٍ أَشَدَّ سُمِّيَّةً مِنْها، وَكَانَتْ تَسْريبَةَ بَشَّار الأَسَد وَمُسْتَشارَتِهِ لونا الشِّبْلِ والتي حَظِيَتْ بِبَثٍّ حَصْريٍّ على قَنَواتِ "العَرَبِيَّة". وَعلى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ "الضَّرْبَ بِالمَيْتِ حَرام"، وَعلى الرَّغْمِ مِنْ سَطْحِيَّةِ التَّسْريبَةِ وَتَجاوُزِ الأَحْداثِ لَها، فَإِنَّها خَطَفَتِ الأَضْواءَ الإِعْلامِيَّةَ في سورِيا وَحَوْلَها، وَباتَ واضِحًا أَنَّ هَدَفَها طَيُّ صَفْحَةِ تَسْريبَةِ "رويْتِرْز" والتَّعْمِيَةُ عَلَيْها.
بات "حزب الله" وأقرانه من صنعاء إلى بغداد أمام معركة وجوديّة حقيقيّة لا تسويات فيها ولا أنصاف حلول
لَنْ نُسارِعَ إلى القَوْلِ إِنَّ "مُخْرِجًا" ما يَقِفُ وَراءَ هَذِهِ التَّسْريبات، التي لِكُلٍّ مِنْها أَهَمِّيَّتُها الإِقْلِيمِيَّةُ والدَّوْلِيَّة. فَتَصْريحاتُ باراك لَمْ تَزَلِ الأَكْثَرَ إِثَارَةً لِلجَدَلِ السِّياسيِّ والإِعْلاميِّ، خُصوصًا عِنْدَما يُقارِبُ الرَّجُلُ بِقُفّازاتِ رَجُلِ الصَّفَقاتِ العِقارِيَّةِ والمالِيَّةِ قَضايا المِنْطَقَةِ الشّائِكَةِ والمُعَقَّدَة، وَبِالقُفّازاتِ إِياها، يَتَحَدَّثُ الرَّجُلُ عَنِ الفيدْرالِيَّةِ التي "مِنْ شَأْنِ عَدَمِ الاتِّفاقِ حَوْلَها أَنْ يُنْتِجَ اقْتِتالًا دَمَوِيًّا كَبيرًا".
أَكْثَرُ ما يَلفِت، تَدَرُّجُ رَجُلِ الصَّفَقَاتِ توم باراك، حِيالَ "حِزْبِ الله"، واعْتِبارُهُ أَنَّ لُبْنانَ أَمامَ فُرْصَةٍ أَخيرَةٍ لِنَزْعِ سِلاحِ الحِزْبِ سِلمِيًّا... وَأَنَّ نَزْعَ سِلاحِ "حِزْبِ اللهِ" ضَرورِيٌّ لِلأَمْنِ الإِقْليميّ، خُصوصًا إِذا ما أَقْدَمَتْ إِحْدى الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ (السَّعودِيَّة) على الانْخِراطِ في مِلَفِّ التَّطْبيعِ و"اتِّفاقاتِ إِبْراهام"، وَأَنَّ لُبْنانَ هُوَ اِمْتِدادٌ طَبيعِيٌّ لِعَمَلِيَّةِ السَّلامِ بَعْدَ سورِيا. لَكِنْ وَبِطَريقَةٍ بَهْلَوانِيَّةٍ خالِصَةٍ، انْقَلَبَ باراك على ما سَبَق، إِذْ أَكَّدَ في أَحْدَثِ تَصْريحاتِهِ أَوْ تَسْريباتِهِ أَنَّ "إِسْرائيلَ لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْقيقِ أَهْدافِها عَبْرَ مُحاوَلَةِ سَحْقِ حِزْبِ اللهِ عَسْكَرِيًا".
هَذا التَّصْريحُ الباراكِيّ، هُوَ اِبْنٌ شَرْعِيٌّ لِنَظَرِيَّةِ الخِداعِ الأَميرْكِيَّةِ التي لَطالَما وَقَعَ في كَمائِنِها "حِزْبُ الله" (تَأَسِّيًا بِمَقولَةِ الإِمامِ عَلِيّ "إِذا هِبْتَ أَمْرًا فَقَعْ فيه") الذي باتَ وَأَقْرانُهُ مِنْ صَنْعاءَ إلى بَغْدادَ أَمامَ مَعْرَكَةٍ وُجودِيَّةٍ حَقيقِيَّةٍ لا تَسْوِياتَ فيها، وَلا أَنْصافَ حُلول.
الخِياراتُ تَضيقُ، كَما تَضيقُ مَعَها الفَوارِقُ بَيْنَ الحَرْبِ الكَرْبَلائِيَّةِ وَغَرَقِ السَّفينَةِ بِمَنْ فيها.
(خاص "عروبة 22")

