أكذوبة الصديق الأمريكي

كشف الهجوم الجوي الإسرائيلي على الأراضي القطرية الذي استهدف اغتيال قادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" أثناء اجتماعهم لمناقشة المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، أكذوبة الصديق والحليف الأمريكي للدول العربية وفي مقدمتها بعض دول الخليج التي قررت قبل شهور قليلة ضخ أكثر من 4 تريليونات دولار في شرايين الاقتصاد الأمريكي دعما لهذه الصداقة وهذا التحالف الموهوم.

فالعدوان الإسرائيلي أكد ما هو مؤكد بالفعل لكن بعض الحكومات العربية تتجاهله وهو أن الحماية الأمريكية المزعومة لا تشمل المساعدة في حماية تلك الدول من "التهور الإسرائيلي"، وأن لا صفقات السلاح التي تدفع فيها الدول العربية المليارات لشرائه من الولايات المتحدة والغرب ستضمن لتلك الدول الحماية، ولا استضافة القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها ستعطيها أي حصانة ما دام المعتدي إسرائيل. والحقيقة أن تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، للصحفيين عن قيام الولايات المتحدة بتحذير القطريين من الهجوم الإسرائيلي قبيل وقوعه بوقت قصير، عندما قالت إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تلقى إخطارا مسبقا بالهجوم الوشيك من إسرائيل، فأمر مبعوثه الدبلوماسي ستيف ويتكوف بتمرير تحذير إلى القطريين، هو نوع من الضحك الأمريكي على "الذقون العربية".

فالسيد ترامب لم يكن يحتاج إلى تحذير القطريين وإنما كانت قواعد الصداقة والتحالف تحتم عليه باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية أن يصدر أوامره إلى قاعدة العديد الجوية الأمريكية العملاقة الموجودة على الأراضي القطرية بإجبار الطائرات المقاتلة الإسرائيلية على العودة من حيث أتت، بدلا من السماح لها بانتهاك سيادة وقصف أرض دولة حليفة تستضيف واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج.

فمن غير المنطقي تصور أن أنظمة الدفاع الجوي في قاعدة العديد لم ترصد المقاتلات الإسرائيلية قبل تنفيذها للعدوان، ومن غير المنطقي تصور أن هذه الأنظمة لم تكن قادرة على منع هذه المقاتلات من تنفيذ القصف، لكن الولايات المتحدة ومن ورائها الحكومات الغربية التي سارعت بإدانة العدوان الإسرائيلي، لا يمكن أن تحمي أية دولة عربية من عدوان إسرائيلي حتى لو لم يكن له ما يبرره من قانون ولا منطق. فالتقارير الغربية تقول إن طائرات التجسس والاستطلاع الأمريكية والبريطانية كانت تحلق في سماء الخليج أثناء العدوان الإسرائيلي على قطر، أي إن هذا العدوان جرى برعاية أمريكية بريطانية إذا صحت هذه التقارير ولا أظنها غير صحيحة.

وإذا كان للحكومات العربية أن تستخلص درسا واحدا مما حدث لقطر فهو أنه يجب إعادة النظر في الاعتماد على الحليف الأمريكي الذي يثبت في كل مرة تقريبا أنه لا يعتمد عليه، وأن مخاطر الاعتماد عليه تفوق كثيرا المكاسب. ولما كان العدوان الإسرائيلي على كل الدول العربية قادم لا محالة في ضوء تأكيد رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إيمانه وإيمان من حوله بإسرائيل الكبرى التي تشمل أجزاء من مصر والسعودية ولبنان والأردن وسوريا والعراق، فإن اعتماد الدول العربية على التكنولوجيا والسلاح الغربيين أصبح مصدر خطر لا أمن لهما.

فالهجوم الإسرائيلي على قطر أكد أن الغرب لن يسمح باستخدام أسلحته وتقنياته التي اشترتها الدول العربية ودفعت مقابلها مئات المليارات من الدولارات على مدى عقود فى التصدي لإسرائيل، التي مرت طائراتها في السماوات العربية وتجاوزت أنظمة الدفاع الجوىي الغربية المتطورة المنتشرة في الدول العربية المحيطة بقطر. الآن أصبح واجبا على الحكومات العربية إذا كانت جادة في حماية الأمن القومي لبلادها أن تسعى للخروج من عباءة السلاح والتكنولوجيا الغربية، وأن تتخلص من أكذوبة الحليف الأمريكي، وتتجه نحو مصادر أخرى للسلاح والتكنولوجيا، بل والتحالف، سواء من روسيا أو الصين، خاصة بعد أن تفوق السلاح الصيني على السلاح الغربي في المواجهة العسكرية الخاطفة الأخيرة بين الهند وباكستان.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن