روسيا وحلف

شهدت الحرب الروسية-الأوكرانية تصعيداً ملحوظاً منذ عودة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من زيارة للصين شارك خلالها في قمة منظمة شانغهاي للتعاون، وحضر العرض العسكري الضخم في ساحة تيان آن مين بمناسبة الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية، بانتصار الصين على اليابان.

هل ثمة من رابط بين زيارة بوتين للصين وتصعيد الهجمات على أوكرانيا؟ ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك، على رغم أن الحفاوة التي أحاطت بالزيارة كانت استثنائية ومليئة بالدلالات والرموز؛ إذ، جلس بوتين إلى يمين الرئيس الصيني شي جينبينغ بينما جلس إلى يساره الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون، الذي شاركت قوات بلاده في الحرب الروسية-الأوكرانية.

وصرح بوتين خلال الزيارة بأن العلاقات مع الصين بلغت من التطور مرحلة "غير مسبوقة"، في إشارة إلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين منذ بدء الحرب الروسية-الأوكرانية قبل نحو أكثر من ثلاثة أعوام ونصف عام. وهذا التعاون مرشح للزيادة في حال بدأ العمل بمشروع "قوة سيبريا 2" عبر منغوليا لنقل الغاز من روسيا إلى الصين. وبحث بوتين وشي في الخطوات الضرورية لوضع المشروع موضع التنفيذ قريباً.

وغني عن القول، أن كلام شي خلال العرض العسكري، الذي وجه خلاله رسالة تحد إلى الولايات المتحدة، كي تكف عن محاولتها احتواء الصين، علاوة على الأسلحة المتطورة التي قدمت في العرض، قد أكدتا لبوتين أن ميزان القوى العالمي أخذ في التبدل، وأن نظاماً عالمياً جديداً يعتمد على "تعدد الأقطاب" في طريق إلى التبلور أكثر فأكثر.

بعد الزيارة، شهدت الحرب تطورين بارزين في غضون أيام. الحدث الأول، كان القصف الروسي الأحد الماضي لمبنى الحكومة الأوكرانية في كييف للمرة الأولى منذ بدء الحرب في 24 شباط/ فبراير 2022. والحدث الثاني، كان تصدي بولندا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي الأربعاء، لمسيّرات روسية خرقت الأجواء البولندية خلال إطلاق روسيا موجات من المسيّرات نحو الأراضي الأوكرانية. رد الحلف باستنفار مقاتلاته التي أسقطت عدداً منها. وهذا الحادث هو الأخطر من نوعه بين روسيا والحلف منذ بدء الحرب. وصرح ترامب على الأثر، بأن صبره "ينفد بسرعة" من بوتين.

وهذا وزير الخزانة الأميركي سكوت بسينت يهدد بفرض عقوبات على موسكو من "شأنها شل الاقتصاد الروسي بالكامل"، في حال لم يتجاوب الكرملين مع طلب ترامب وقف الحرب وسلوك المسار السياسي. وتشديد العقوبات الأميركية، هو مطلب الحلفاء الأوروبيين منذ تولي ترامب ولايته الثانية قبل 9 أشهر.

هذا التصعيد الواسع لم يكن من الجانب الروسي فقط، إذ إن أوكرانيا تمكنت من إشعال النار في عدد من مصافي النفط الروسية، مما أرغم السلطات الروسية على تقنين استهلاك الوقود في عدد من المناطق، بينما تشير تقديرات غربية إلى تمكن أوكرانيا من إخراج 20 في المئة من المصافي الروسية من الخدمة. وفاخر قائد الجيش الأوكراني الجنرال أولكسندر سيرسكي، بأن بلاده قصفت 60 هدفاً داخل الأراضي الروسية في آب/ أغسطس الماضي.

تجدر الإشارة إلى أنه بينما كان بوتين يجري محادثات مع ترامب ومن بعده مع شي، كانت دول أوروبا الغربية ولاسيما منها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا، تجدد تعهدها إرسال قوات إلى أوكرانيا بعد الحرب، لضمان عدم تجدد الهجوم الروسي ضدها.

التحرك الأوروبي، استفز بوتين وجعله يعلن صراحة أن أي قوات أوروبية تدخل أوكرانيا، ستكون هدفاً مشروعاً للقوات الروسية. بعد كل ذلك، يصح طرح السؤال : هل ما جرى في السماء البولندية، كان بمثابة رسالة تحذير أم حادث عرضي؟

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن