ليس حدثاً عادياً أن تقصف إسرائيل الدوحة، فهي سابقة لها تداعياتها وآثارها الإقليمية والدولية، وذلك بصرف النظر عن الادعاءات الإسرائيلية التي وقفت وراءها لجهة استهداف قياديي حماس. فمن حيث المبدأ، تعتبر قطر الدولة العربية الرائدة التي أخذت مكانة متميزة في الوساطات وحل النزاعات، وتقديم المقترحات، واستضافة المفاوضات، علاوة على دوام جهوزيتها للتدخل في حل النزاعات وإن بدت صعوبة أو حتى استحالة إيجاد الحلول لها، وذلك من منطلق السياسات التي تبنتها وحاولت التمسك بها حتى نهاياتها، والأمثلة على ذلك كثيرة بكثرة مشاكل المنطقة وحاجتها لإيجاد الحلول المناسبة لها.
إن طبيعة العدوان الإسرائيلي وخلفياته على دولة خليجية، هو تخط لخطوط حمر ينبغي أساساً التنبه لها وعدم المساس بها وليس تجاوزها، فالدول الخليجية لها خاصية متميزة في علاقاتها الدولية والإقليمية، بخاصة في السنوات الأخيرة، فهي قدمت مسارات سياسية لافتة باتجاه تأسيس بيئة سلام مع إسرائيل، وتوجت بالاتفاق الإبراهيمي الذي رعته الإدارة الأمريكية والذي اعتبر طريق سلام ممتداً قابلاً لشمول أطراف عربية أخرى، وتعززت هذه السياقات بعد التغيرات التي حصلت في المنطقة بخاصة الزلزال السوري وتوابعه في المنطقة، وبالتالي فإن ما يواجه هذا الحدث هو بيئة سياسية استراتيجية بنيت بهدف المتابعة والبناء عليها لاحقاً.
فإسرائيل نفذت عدوانها على الدوحة في وقت حرج جداً، محاولة قطف ثمار ما لم تقبل به أساساً في مفاوضاتها مع حركة حماس، وهو في الأساس مسار تفاوضي جعلته تل أبيب مساراً غير قابل للحياة، محاولة مع كل منعطف وضع عراقيل غير قابلة للحل، وفي وقت لا تمتلك مجمل الأطراف ترف الوقت المتزامن مع ضغوط عسكرية هائلة في الداخل الفلسطيني والكثير من المناطق العربية الأخرى كلبنان وسوريا واليمن.
قطر التي دعت إلى قمة عربية إسلامية استثنائية تعقد في الدوحة، باعتبارها مساراً موسعاً، فهي عضو في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، علاوة على منظمات إقليمية ودولية فاعلة، ما يعني أنها تبحث في هذه القمة عن مقررات ذات مستوى رفيع، لاسيما أن تداعياتها ليست حصراً فيها، وإنما ستمتد إلى دول عربية أخرى، وحتى غير عربية، لاسيما، أن تصريحات القيادات الإسرائيلية تفصح علناً وبوضوح عن أنها ستباشر أعمالها العسكرية في أي مكان تراه مناسباً لها، وهو أمر يتخطى جميع قواعد التعامل بين الدول ويؤسس لفوضى عارمة في المنطقة، من الصعب ضبط نتائجها أو حتى توقعها.
والأمر من انعقاد القمة لا يمكن أن يقتصر على صاحبة الدعوة ومضيفتها، بل سيمتد إلى دول كثيرة باعتبارها مستهدفة بشكل مباشر أو غير مباشر في مخططات إسرائيل، بخاصة مع إشاعة مخطط "إسرائيل الكبرى" وخريطتها التي تضم أجزاء كبيرة من مصر غرباً وصولاً إلى العراق شرقاً وأراض من المملكة العربية السعودية جنوباً وصولاً إلى أجزاء من تركيا شمالًا، وهو ما يعني شمول لبنان وسوريا والأردن ومعظم دول الخليج العربية.
إن انعقاد القمة في هذه الظروف الاستثنائية يعني أنها مطالبة أقله من معظم الدول المشاركة إن لم تكن جميعها بالتوصل إلى قرارات مغايرة عما سبق واتسمت بها القمم السابقة، ثمة خطر محدق يتربص بالمنطقة، وهو سيطال مجتمعات ودولاً، ويبدو أنها جميعها تدرك ذلك وهي جادة كما يبدو في اتخاذ مواقف وقرارات ذات وزن فاعل وقادر على التأثير في مسارات المشاريع المطروحة في المنطقة.
ثمة خطى ينبغي التفكير بها وحتى المضي في تنفيذها، وهي متصلة باتفاقيات معقودة مع تل أبيب، وبعضها الآخر مرتبط باتفاقيات معقودة مع الولايات المتحدة، وهي وسائل ضغط مفيدة في مواجهة ما يحضر للمنطقة. فإسرائيل تخطت المعقول، وانطلقت في مسارات متطرفة من الاستحالة القبول بها والتماشي معها. يعيش الشرق الأوسط اليوم مخاضاً عسيراً، يحضر لجغرافيا سياسية جديدة، في محاولة للإطاحة بكيانات المنطقة بأكملها، وهو أمر يستدعي أفعالاً متناسبة مع أحجام المخاطر المحدقة التي تلف المنطقة، صحيح أن ثمة توازنات جديدة وضعت فيها المنطقة، لكن لا يعني ذلك عدم القدرة على محاولة التأثير في المسارات المطروحة.
ربما تكون القمة العربية الإسلامية الاستثنائية مناسبة متاحة اليوم لتأسيس واقع مختلف، أقله إيجاد آليات تنفيذية قابلة للتطبيق، بخاصة أن مواقف الدول الوازنة في هذا التجمع الإقليمي الواسع وهو أقرب إلى تجمع دولي، قادر إذا اجتمعت النوايا على التأثير والتغيير. فدول المنطقة تمتلك من القدرات الوازنة في حال أحسن استخدامها على التأثير، وذلك في وقت حرج جداً يحتاج إلى أفعال لا أقوال.
(الخليج الإماراتية)