الأمن الغذائي والمائي

مع تشغيل "سد النهضة".. تنسيق مصري سوداني لضمان الأمن المائي!

القاهرة - آية أمان

المشاركة

بالتزامن مع بدء مراسم الافتتاح الرسمي لسدّ "النهضة" الإثيوبي على حوض النيل الشرقي، في 9 سبتمبر/أيلول، صعّدت القاهرة الحملة الديبلوماسية الرّافضة لاستمرار التحرّكات الإثيوبية الأُحادية منذ البدء في بناء السدّ وملء بحيرة التخزين، متهمةً إثيوبيا في خطاب رسمي لمجلس الأمن الدولي بإفشال كلّ مسارات التفاوض الفنّي والقانوني للحؤول دون الوصول إلى اتفاقٍ قانونيّ مُلزمٍ يضمن التفاهم والتنسيق بشأن قواعد ملء وتشغيل السدّ، بما لا يضرّ الأمن المائي لدولتَي المصبّ في مصر والسودان.

مع تشغيل

في خطاب وزير الخارجية المصرية لمجلس الأمن، اعتبرت مصر أنّ سدّ النهضة الإثيوبي بات يمثّل تهديدًا للاستقرار في حوض النيل الشرقي، الذي يمدّ مصر بالجزء الأكبر من حصّتها المائية السنوية من مياه النيل التي تبلغ 55.5 مليار مترٍ مكعّبٍ سنويًا بموجب اتفاقية 1959، وهو ما يعرّض المصالح المائية للخطر في وقت تعاني فيه الدولة من الشحّ المائي حيث يقلّ نصيب الفرد عن 500 مترٍ مكعبٍ سنويا.

حسب بيان الخارجية المصرية، فإنّ "قضية السدّ الإثيوبي لم تعد مجرّد قضية فنية أو مائية، بل أصبحت قضيةً سياسيةً وأمنيةً تمسّ استقرار المنطقة"، خاصةً بعد فشل كلّ جولات التفاوض على المستويات الفنية والسياسية، وكذلك فشل كلّ جهود الوساطة الأفريقية والدولية.

وعن التحرّكات المصرية أمام استمرار سياسة إثيوبيا في فرض الأمر الواقع، قال بيان الخارجية إنّ "مصر ستواصل دفاعها المشروع عن مصالحها المائية بكلّ الوسائل المتاحة، وستبقى متمسّكةً بحقوقها المائية غير القابلة للتصرّف"، مضيفًا: "القاهرة تحتفظ بحقّها في اتخاذ ما يلزم من تدابير مكفولةٍ بموجب القانون الدولي للدفاع عن المصالح الجيوسياسية لشعبها".

قبيل الافتتاح الرسمي للسدّ، أجرى وزير الخارجية المصري عددًا من المحادثات الهاتفية مع نظرائه في السودان وجنوب السودان وجيبوتي وأوغندا وكينيا والصومال، للتأكيد على الموقف المصري الرّافض للسدّ والإجراءات الإثيوبية التي تخالف القانون الدولي في حوض النيل الشرقي، إضافةً إلى تكثيف المحادثات مع السودان لتنسيق المواقف في مواجهة التصرّفات الإثيوبية.

الأمن المائي لمصر والسودان جزء واحد لا يتجزّأ

على الرَّغم من المحاولات الإثيوبية للتأكيد على النتائج الإيجابية للسدّ على السودان، وما انتشر إعلاميًا عن توقيع وثيقة فنية بشأن عملية ملء وتشغيل سدّ النهضة بين السودان وإثيوبيا من دون موافقة مصر، إلّا أنّ السودان أكّد مجدّدًا رفضه للتصرّفات الإثيوبية الأُحادية في ملء وتشغيل السدّ من دون التنسيق مع دولتَيْ المصبّ.

في اجتماع آلية 2+2 التشاورية لوزراء الخارجية والريّ في مصر والسودان في القاهرة في 3 سبتمبر/أيلول الماضي، تمّ تأكيد إصرار الدولتَيْن على الوصول إلى حلول سلمية وديبلوماسية والعمل المشترك للحفاظ على حقوق واستخدامات البلدَيْن المائية كاملةً، وفقًا للنظام القانوني الحاكم لنهر النيل في إطار مبدأ مجتمع المصالح المشتركة والمساواة في الحقوق، طبقًا للقانون الدولي واتفاقية عام 1959 المُبرمة بين البلدَيْن، وتنسيق وتطابق المواقف التامّ في مختلف المحافل الإقليمية والدولية لا سيما المرتبطة بالحقوق المائية للبلدَيْن - حسب بيان لوزارة الخارجية المصرية.

تشير الاتفاقية التي كان مقرّرًا توقيعها بين السودان وإثيوبيا حول قواعد ملء وتشغيل السدّ في 2020، إلى أنّ التزام إثيوبيا بتصريف كميات ثابتة من المياه إلى السودان لا تقلّ عن 300 مترٍ مكعّبٍ في الثانية، بهدف ضمان استمرار تدفّق النيل الأزرق والحفاظ على التوازن البيئي الطبيعي، والتعهّد بالتنسيق من أجل ضمان سلامة وتشغيل سدّ النهضة في إثيوبيا وسدّ "الروصيرص" في السودان، فيما تمّ الاتفاق على مستوى التشغيل الدائم لسدّ النهضة ما بين 625 و640 مترًا فوق سطح البحر.

عدم التزام إثيوبي

لاقت التعهدات الإثيوبية طوال فترة التفاوض حول سدّ النهضة قبولًا لدى عدد من الدوائر الفنية والسياسية في السودان، فيما نشرت العديد من وسائل الإعلام السودانية خلال السنوات الماضية تقارير تتحدث عن فوائد سدّ النهضة للأمن المائي السوداني مثل استقرار منسوب المياه الذي يُحسّن الريّ في الجزيرة، وتحسين الدورات الزراعية، وانخفاض تكلفة الكهرباء، وتقليل مخاطر الفيضانات المدمّرة. إلّا أنّ التعهدات الإثيوبية لم يتمّ تنفيذها على أرض الواقع، إذ تعرّض سدّ الروصيرص في السودان لعددٍ من المشاكل خلال السنوات الخمس الماضية التي تمّ ملء بحيرة سدّ النهضة خلالها، حيث انخفض منسوب المياه الواردة وتعرّضت بحيرة السدّ للجفاف في 2023.

وتتمثّل نقطة الخلاف الرئيسية بين القاهرة والخرطوم من جانبٍ وأديس أبابا من جانبٍ آخر، في عدم توقيع الأخيرة على أي اتفاق قانوني مُلزم يفرض عليها أي قيود تتعلّق بتشغيل السدّ، بما يضمن حماية حقوق ومصالح الدولتَيْن وتنظيم التدفّقات المائية من دون أي تصرّف أُحادي من الجانب الإثيوبي.

وفقًا لما تمّ التوصل إليه عبر اجتماعات الآلية التشاورية 2+2، فإنّه يمكن استغلال مبادرة حوض النيل التي تجمع الدول المتشاطئة على النهر كافّة وحلّ المشاكل العالقة والاحتفاظ بها باعتبارها آليةً شاملةً وركيزة التعاون المائي الذي يُحقق المنفعة لجميع دول حوض نهر النيل، وهو ما يثير التساؤلات عن مدى قدرة مصر على حلّ المشاكل العالقة التي تهدّد استمرار آلية مبادرة حوض النيل وفكّ تجميد أنشطتها المعلّقة منذ 2010، خاصةً بعد تصديق أغلب دول منابع النهر على الاتفاقية الإطارية التي لا تعترف بالحقوق التاريخية والاستخدامات الحالية لدول المصبّ من مياه النهر، فضلًا عن مشاكل أخرى تعترض عليها مصر والسودان مثل آلية التصويت (الأغلبية مقابل الإجماع)، وشرط الإخطار المُسبق قبل إقامة أي منشآت مائية على مجرى النهر.

وتبقى الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل هي الآلية التشاورية الأكثر أهميةً بين القاهرة والخرطوم للتعامل مع أي تطوّرات فنية في حوض النيل الشرقي، ودراسة وصياغة المواقف الموحّدة للبلدين، لكنّ خلافاتٍ في المواقف أعاقت عمل الهيئة فتوقفت اجتماعاتها خلال السنوات الماضية. إلّا أنّ البدء في التشغيل الرسمي لسدّ النهضة سيضع مصر والسودان أمام ضرورة العمل الفني المشترك لدراسة الحلول كافّة، أمام أي مخاطر فنية محتملة للسد الإثيوبي على معدّلات تدفّق المياه الطبيعية في مجرى النهر حتى بحيرة "ناصر" خلف السدّ العالي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن