قضايا العرب

إيران والعرب: يدٌ ترفع راية المصالحة.. وأخرى تعبث بأمن المنطقة!

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

مسافة شاسعة بين ما تُبديه إيران من تجاوب مع سياسة خفض التوتّر التي تتبنّاها دول المنطقة مؤخرًا وفي الصدارة منها دول الخليج، وبين الممارسات الفعلية التي تهدّد أمن الإقليم. ففيما تتصاعد الوساطات الدولية، من أجل تهيئة الأجواء التصالحية، تتوالى الخطوات الإيرانية التي من شأنها تهديد تلك الجهود، عبر وحدات تابعة للحرس الثوري، وتواصل طهران بسرّية بالغة أنشطتها التي لطالما اكتوى جيرانها بنيرانها.

إيران والعرب: يدٌ ترفع راية المصالحة.. وأخرى تعبث بأمن المنطقة!

في الثاني والعشرين من أغسطس/آب الماضي أزاحت وزارة الدفاع الإيرانية الستار عن الطائرة المسيّرة "مهاجر 10" القادرة على تنفيذ عمليات في مدى يصل إلى ألفي كيلومتر، مع انضمام صاروخي "خرمشهر" و"قاسم سليماني" الباليستيين إلى ترسانتها العسكرية، وذلك في خطوة من شأنها تسخين الأجواء بالمنطقة التي تعاني بالأساس من أوضاع أمنية هشة.

وكان النهج الإيراني قد تسبّب مؤخرًا في زيادة مستويات التوتّر بالممرات المائية المرتبطة بطرق التجارة الدولية، إذ دفعت عمليات احتجاز السفن عند مضيق هرمز (وهو الممرّ الرئيسي الذي يعبر من خلاله يوميًا نحو خمس إنتاج النفط العالمي) الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز تواجدها بمياه الخليج بأكثر من 3000 جندي أمريكي في محاولة من جانبها لردع طهران.

ولم تتسبّب الممارسات الإيرانية في تعزيز التواجد الأمريكي بالمنطقة فحسب، بل كانت بمثابة ذريعة لإسرائيل للسعي إلى توسيع نطاق التطبيع مع دول عربية، للدرجة التي كادت أن تسفر عن تحالف عسكري وأمني بين مجموعة من العواصم العربية وتل أبيب عنوانه "مكافحة الأنشطة الإيرانية" قبل أن تتراجع بعض القوى المعنية في اللحظات الأخيرة ما تسبّب في فشل تلك الخطوة.

ولطالما عكست التصريحات والمواقف المتكرّرة الصادرة عن ساسة وعسكريين إيرانيين بارزين، تطلّعات طهران التوسّعية التي تنمّ عن عمل ممنهج وفق خطط واضحة المعالم من أجل الوصول إلى ما يطلق عليه هؤلاء "إمبراطورية إيران الجديدة"، وهو الوصف الذي سبق أن صرّح به مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي عام 2015.

ثلاث أذرع

ثلاث وحدات في الحرس الثوري الإيراني، هي 340، 190، 400، يمكن القول بأنها الأذرع والأدوات الحقيقية التي تستند عليها إيران في تنفيذ خططها التوسّعية.

الوحدة 340، هي دائرة فنّية مكلّفة بالبحث والتطوير ونقل الخبرات والمعدات للجماعات التي تحظى بدعم إيراني، بما فيها "حزب الله" في لبنان وجماعة "الحوثي" في اليمن وحركة "الجهاد الإسلامي" في غزة، والميليشيات التابعة لإيران في العراق، وتقوم بتدريب عناصر من تلك المنظمات على كيفية إنتاج الصواريخ والطائرات المسيّرة محليًا، مما يقلّل الحاجة إلى تهريب الأسلحة من الخارج خاصة في ظل المراقبة الشديدة لكافة طرق التهريب القديمة.

ويرأس حامد فاضلي أحد أبرز قيادات "فيلق القدس"، الوحدة التي تساعد في تطوير منصّات جوية مختلفة، مثل الطائرات بدون طيّار سواء تلك اللازمة لاحتياجات إيران، أو التي تناسب أذرعها في المنطقة. ويقع ضمن مهام واختصاصات الوحدة 340، وفقًا لمعلومات تداولتها تقارير دولية مقرّبة من جهات استخباراتية، تدريب وكلاء إيران في مواقع مختلفة تابعة لها، على كيفية إنتاج الصواريخ واستخدامها.

وفي عام 2019 ، كشفت تقارير إعلامية أن المستشار التكنولوجي لـ"فيلق القدس" ماجد نباب كان يساعد "حزب الله" اللبناني في تشكيل بنية تحتية لتحسين دقة صواريخه بمساعدة قدرات التهريب الخاصة بالوحدة 190 التي تمكّنت من تهريب خلاطات الوقود وآلة CNC المعدّة لإنتاج أجزاء الصواريخ إلى لبنان، ليبرز إسم وحدة أخرى تنفّذ سياسات إيران الإقليمية لمدّ أذرعها حول خصومها.

وتعمل الوحدة 190 بصورة أساسية على مهمة نقل وتهريب أسلحة إلى داخل مناطق الصراعات لتقديمها إلى المجموعات المدعومة من طهران. ويقدّر عدد أعضاء الوحدة 190 التي يرأسها بهنام شهريار، ما بين 200 و300 فرد، وتشير تقارير أميريكية إلى أنّ هذه الوحدة نقلت آلاف الأطنان من الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن و"حزب الله" في لبنان وغيرها من أذرع إيران في المنطقة.

وعادةً ما يجري نقل مثل هذه الأسلحة المموّهة وفقًا للتقارير الأمنية، عبر سفن أو طائرات أو قطارات أو شاحنات تجارية، حيث تشير التقارير ذاتها إلى أنّ الكثير من تلك الأسلحة لم يجر تصنيعه داخل إيران.

وبحسب وسائل إعلام غربية، فإنّ الذراع البحرية للوحدة 190 كانت أهم العناصر التي خدمت برنامج "فيلق القدس" للالتفاف على العقوبات الأميريكية؛ إذ إنّ هذه الوحدة تملك غواصات صغيرة وقوارب سريعة لوحدات خاصة (كوماندوز)، وتقدّم خدمات قيّمة في تهريب مواد وتقنيات محظورة للبرنامجين النووي والصاروخي لإيران.

ووضعت الوحدة الفرق البحرية التابعة لها تحت تصرّف "فيلق القدس" لشنّ هجمات ضد خطوط الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر.

"الوحدة 400" والتي تعرف أيضًا باسم وحدة العمليات الخارجية الخاصة، التي يقودها اللواء حامد عبداللهيان، وتعدّ واحدة من أهم وحدات "فيلق القدس".

ويشير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في تقرير صادر عنه عام 2015، إلى أنّ هذه الوحدة تمّ الكشف عنها عام 2012، عندما أعلنت كينيا اعتقال إيرانيين اثنين، اتهمتهما بالتخطيط لتنفيذ عمليات ضد بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، موضحةً أنه في أثناء عملية محاكمة هؤلاء الإيرانيين ورد أنهما من أعضاء "الوحدة 400 بفيلق القدس".

اليمن "حقل تجارب" إيراني

مع تصاعد الأزمة اليمنية وسيطرة جماعة الحوثي التي تُعد إحدى الأذرع الإيرانية، حوّلت طهران اليمن لأكبر "حقل تجارب" واختبار تشغيلي تتلاقى فيه إمكانات الوحدات الثلاثة 190 و340 و400، حيث عملت الوحدة 340 من خلال الهجمات الحوثية المتكرّرة على أهداف في عمق السعودية والإمارات واستهداف نطاقات مختلفة بتحسين دقّة الصواريخ والطائرات المسيّرة، وزيادة القدرة على التدمير في المنطقة المستهدفة، فيما يقوم مدرّبون من الوحدة بتطوير القدرات الذاتية لخبراء ومهندسين من الحركات والمجموعات المدعومة إيرانيًا، بينما توظّف الوحدة 190 الأراضي اليمنية كقاعدة تنطلق منها شحنات الأسلحة التي يتمّ تهريبها إلى المجموعات المسلحة في لبنان والصومال وغيرها، وهو ما كشفت عنه تقارير دولية، حيث تعمل الوحدة على تنسيق عمليات نقل وسائل الإنتاج وتهريب المكوّنات الخاصة بصناعة الصواريخ الثقيلة والصواريخ مضادة للدبابات، وبنادق القنص، وقذائف الهاون في مناطق النزاع.

ومن خلال تواجد عناصر الوحدات الإيرانية المختصّة في اليمن، تراقب عن كثب تشغيل أنظمة الدفاع الجوي السعودية، وخاصة بطاريات "باتريوت" وأنظمة "ثاد" التي تعترض الصواريخ الباليستية على ارتفاعات أعلى من "باتريوت"، ومن خلال تلك المراقبة الدقيقة تعمل على تطوير أنظمتها الصاروخية لتصبح قادرة على تفادي الدفاعات الجوية.

نزعة توسّعية... و"مناورة" اقتصادية

في هذا السياق يرى الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، أنّ النزعة التوسّعية، باتت متأصلة في كافة جوانب الدولة الإيرانية، وقال لـ"عروبة22": "مهما أبدت طهران تجاوبًا مع مبادرات خفض التوتر إلا أن تلك النزعة يصعب تحجيمها كونها أصبحت متأصّلة دستوريًا هناك".

ولا يرى الأكاديمي الإماراتي أنّ "سلوك إيران تغيّر كثيرًا عقب القرار الإستراتيجي الخليجي بإنهاء الخصومة معها"، مشيرًا إلى أنّ "السلوك الاستفزازي لا يزال مستمرًا تجاه الخليج العربي، وكذلك خطاب التهديد والوعيد باستهداف الممرّ التجاري".

ويعتبر عبد الله أنّ الوضع الاقتصادي السيّء الذي تعاني منه إيران ربما يكون هو المحرّك الرئيسي لصانع القرار الإيراني، نحو التجاوب الشكلي مع الخطوات التصالحية في محاولة لكسر العزلة، ومواجهة العقوبات، لافتًا إلى أنّ "إيران بالنسبة لدول الخليج جار صعب التعامل معه في ظلّ الثقة المنقوصة بقراراتها وتوجّهاتها".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن