أدركت بلدان الخليج الوضع الفريد لمسألة الهجرة في بلدان الخليج، وانطلاقًا من التزاماتها الدولية، تعمل المنظمة الدولية للهجرة، بصفتها الوكالة الأممية والمنظمة الرائدة التي تعمل مع الحكومات في مجال الهجرة، بشكل وثيق مع الجهات المعنية الرئيسية لتعزيز الهجرة الإنسانية والآمنة والمنظمة، وتلتزم بمواصلة العمل مع شركائها في الخليج لضمان حوكمة شاملة للهجرة تراعي فيها الاعتبارات الجنسانية وتقوم على الحقوق ودعم جهود هذه البلدان لتحقيق نتائج إيجابية ومستدامة وتنموية تتماشى مع الخطط والرؤى التنموية الوطنية الخاصة بكل منها.
وفي سياق الهجرة في الخليج العربي، تتضمّن تدفّقات الهجرة إلى الخليج تنقّل اليد العاملة والهجرة من جنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، وأفريقيا، ومن داخل الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد من المهمّ الإشارة إلى أنه بينما يُستخدم مصطلح "عامل أجنبي" في سياق الخليج للإشارة إلى الأشخاص الذين ينتقّلون إلى بلدان المنطقة لغايات العمل، تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى هؤلاء الأفراد على أنهم مهاجرون، ويدخل معظمهم إلى الخليج بصفة عمّال متعاقَد معهم وفق عقود مؤقتة وبموجب نظام الكفالة، وفي هذا الإطار، نفّذت العديد من بلدان الخليج إصلاحات في نظام الكفالة، تضمّن بعضها اتخاذ خطوات رئيسية لمنع تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر والتصدي لهما، واعتماد أنظمة تصاريح عمل بالكفالة الشخصية للعمّال ذوي المهارات العالية.
ستستمر بلدان الخليج في الاعتماد على العمّال المهاجرين على الرغم من خطط توطين الوظائف والأتمتة
ونتيجة للتنمية الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها بلدان الخليج على مدى العقود القليلة الماضية، استقطبت المنطقة الملايين من العمّال المهرة، ومتوسطي المهارة، وقليلي المهارات، إلى مختلف القطاعات، بما في ذلك البناء والتشييد والصيانة والخدمات والبيع بالتجزئة والخدمات المنزلية، وتُعتبر الفروقات في الدخل بين بلدان المنشأ وبلدان المقصد، دافعًا رئيسيًا للهجرة، حيث توفّر بلدان الخليج أجورًا أعلى وفرص عمل أكبر للمهاجرين. ويتيح ذلك لهؤلاء العمال فرصة إرسال التحويلات إلى أوطانهم وتغذية اقتصادات بلدان المنشأ والمقصد، ما يبرز دورهم كعوامل تنموية.
وتشمل الهجرة إلى الخليج أيضًا تدفّقات الهجرة المختلطة، والتي تعود إلى دوافع اجتماعية واقتصادية وسياسية وأخرى تتصل بالبيئة والنزاعات، كلّها مترابطة ومتعدّدة، ولطالما كانت الهجرة على طول الطريق الشرقي، أي التنقّل من بلدان الشرق والقرن الأفريقي إلى اليمن وباتجاه البلدان الواقعة في شبه الجزيرة العربية، ممرًا هامًا للهجرة، ولطالما كانت حركة الهجرة على طريق العبور الممتد بين القرن الأفريقي والطريق الشرقي إلى اليمن، أحد أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم التي تؤثّر على مسألة الهجرة في بلدان الخليج.
تبنّت دول الخليج أهداف التنمية المستدامة وأدرجتها في أجنداتها ورؤاها الوطنية
أثّرت تدفّقات الهجرة إلى بلدان الخليج على التركيبة السكانية للعديد من تلك البلدان، بحيث أصبح المهاجرون يشكّلون النسبة الأكبر من سكانها، ولطالما ضمّنت بلدان الخليج خططها التنموية استراتيجيات وبرامج لتوطين الوظائف، بهدف تشجيع مشاركة مواطنيها في سوق العمل، وتنويع اقتصاداتها، والحد من الاعتماد على عائدات النفط، وسيكون لهذه الخطط تأثير كبير على سياسات هجرة اليد العاملة في المستقبل وبالتالي على المهاجرين، حيث سيصبح المزيد من الوظائف حكرًا على المواطنين. ومع ذلك، ستستمرّ الفوارق الاقتصادية الكبيرة في العالم في التأثير على قرارات المهاجرين بالهجرة إلى بلدان الخليج لتأمين سبل عيشهم، وكذلك في التأثير على أسرهم التي يعيش معظمها في بلدانهم الأصلية، وفي غضون ذلك، ستستمر بلدان الخليج في الاعتماد على العمّال المهاجرين على الرغم من خطط توطين الوظائف والأتمتة، والتي ستشمل الوظائف التي لا تتطلّب مهارات عالية، فضلًا عن الأعمال التي تتطلّب مهارات عالية.
وبخصوص الأولويات الوطنية لبلدان الخليج والتزاماتها الدولية في ما يتعلق بالهجرة، تبنّت دول الخليج أهداف التنمية المستدامة وأدرجتها في أجنداتها ورؤاها الوطنية، علاوة على ذلك، تشترك خطط واستراتيجيات التنمية الوطنية للحكومات الخليجية المختلفة في العديد من الأولويات، ومن بين تلك الأولويات، النموّ الاقتصادي التحويلي وتنويع الاقتصادات، التنمية البشرية والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك الصحة والتعليم، تنمية مهارات الأجيال القادمة والشباب، تمكين المرأة في القوى العاملة، التأهّب للكوارث البيئية والمناخية، الحفاظ على الهوية الثقافية والشراكة لتحقيق التنمية المستدامة.
(خاص "عروبة 22")