وجهات نظر

من يربح الحرب في نهاية المطاف؟!

لم تكن الحرب على غزّة أول الحروب في الصراع العربي - الإسرائيلي، لكنّها أخطرها ويتوقّف على نتائجها السياسية مصير المنطقة لحقبٍ طويلةٍ مقبلة. فمن سيربح الحرب أخيرًا؟.

من يربح الحرب في نهاية المطاف؟!

بحسابات السلاح تبدو إسرائيل على وشك أن تحسمها تغوّلًا على الإقليم كله، لا على الأراضي الفلسطينية المحتلة وحدها. وبما هو حادث من تفاعلات وأجواء عكستها الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة يصعب أن تربح أي نتائج سياسية تتصوّرها وتسعى إليها لفرض هيمنتها الكاملة.

لا التهجير القسري من غزّة إلى سيناء يمكن أن يمرَّ بلا مواجهات عسكرية محتّمة تخسر إسرائيل بعدها ما أُطلق عليها اتفاقيات السلام. ولا نزع سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان يمكن أن يمرَّ في ظلّ بلطجة القوة من طرف قوة الاحتلال. ولا التوسّع على حساب أراضٍ عربيةٍ في سوريا ولبنان والأردن والسعودية سهل المنال.

الزخم الدولي في الاعتراف بالدولة الفلسطينية إشارة إلى المستقبل تتجاوز الحاضر

الحقائق الديموغرافية والجغرافية والتاريخية سوف تقول كلمتها الحاسمة. إحدى معضلات إسرائيل إنّها تتغوّل بعضلات غيرها، تخترق القانون الدولي، كأنّها فوق الحساب، من دون خشية عقابٍ اعتمادًا على دعم أميركي استراتيجي وعسكري واستخباراتي شبه مطلق.

إذا ما تغيّرت توجّهات الرأي العام الأميركي، تفقد قدرتها على البقاء، كما توقّع ذات مرّة المفكّر الراحل عبد الوهاب المسيري.

حسب مجلة "الإيكونوميست" الاقتصادية البريطانية، فإنّ إسرائيل توشك أن تخسر أغلب الأميركيين.

العدوانية المفرطة من ناحية، وغياب أي تصوّر سياسي لليوم التالي من ناحية أخرى، ينذران بالخسارة السياسية الفادحة لحربٍ بلا أفق.

وقد كان الزخم الدولي غير المسبوق في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على الرَّغم من رمزيّته، إشارةً إلى المستقبل تتجاوز الحاضر بكلّ حساباته العربية المتخاذلة في نصرة شعب يتعرّض للإبادة والتجويع.

نعم الاعتراف رمزي، لكنّه يؤسّس لما بعده.

يُناقض الوضع الميداني، لكنه يهدّد القوة الباطِشة عند جذورها.

انقلاب تاريخي في الرأي العام الغربي

خسرت إسرائيل الصورة التي كرّستها منذ بدء الصراع العربي - الإسرائيلي، كدولةٍ محاصَرةٍ وضعيفةٍ في وسط عربي يمنع عنها حقّها في الحياة.

تهاوت سرديّتها عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023) أمام الصور المُفزعة للإبادة الجماعية والتجويع المنهجي في غزّة المحاصرة.

قبل شهور قليلة لم يكن ممكنًا لأحد أن يتخيّل ما يحدث الآن من انقلاب تاريخي في الرأي العام الغربي، حتى بدت إسرائيل دولةً منبوذة.

يومًا بعد آخر، مذبحة بعد أخرى، تتبدّد السرديّات الإسرائيلية وتعلن الحقائق عن نفسها بوصفها دولة نازية وعنصرية، وأنّ هناك شعبًا تُمارَس بحقّه واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصور الحديثة من دون أن ينهض أحد لنصرته، لا من النظام العربي المتهالك ولا من النظام الدولي، الذي تسيطر عليه قوة غاشمة لا تضع اعتبارًا لأي معنى أخلاقي أو قانوني.

بتقدير الخارجية الأميركية، فإنّ زخم الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول غربية نافذة يعود إلى أسباب داخلية تحت تأثير التظاهرات والاحتجاجات الشعبية ولا شيء آخر.

لا ضغط عربي وإسلامي.. ولا تغيّر جذري داخل مؤسّسات الحكم في النظر إلى الصراع العربي - الإسرائيلي.

إنّها قوة الضمير في مواجهة بطش القوة.

بدت الإضرابات والاحتجاجات، التي عمّت المدن الإيطالية، احتجاجًا على موقف حكومتها اليمينية من حرب غزّة موجةً جديدةً بالاتجاه نفسه، تُفضي إلى نزع أي شرعية سياسية وأخلاقية عمّن يتقاعس عن نصرة القضية الفلسطينية والاعتراف بحقّ شعبها في تقرير مصيره.

دفع الفلسطينيون ثمن ذلك التحوّل باهظًا على الرَّغم من المعاناة القاسية للتشبّث فوق أراضيهم.

لعبت وسائل الاتصال الحديثة دورًا أساسيًا في نقل المذابح المروّعة إلى كل بيت في أنحاء العالم وتعبئة الضمائر الحيّة.

بدأت تتفاعل داخل المجتمعات الغربية قوة هائلة لا يمكن كبحها تضغط على مراكز القرار.

هذه ليست نهاية قصة الحرب على غزّة، لكنها تؤسّس لها.

"لا شيء يبرّر استمرار الإبادة الجماعية في غزّة".

كان ذلك تعبيرًا دقيقًا للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، يعكس البيئة العامة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

تبنّت الأغلبية الساحقة من كلمات رؤساء الوفود صياغةً موحدةً تدعو إلى "عدم الإفلات من العقاب".

إنّه نزوع متصاعد إلى فرض عقوبات على دولة الاحتلال وعدم الاكتفاء بالشجب والتنديد.

هذا النزوع بدأ يتحوّل إلى إجراءات في إسبانيا ونقاش مفتوح داخل الاتحاد الأوروبي عمّا يمكن اتخاذه من عقوبات.

كيف نستثمر في قوة الضمير الإنساني؟ هذا هو السؤال الحقيقي

باستثناء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم يكن أحد في العالم مستعدًّا للدفاع عن إسرائيل وتبنّي سرديّتها بالحرف.

"الاعتراف بالدولة الفلسطينية مكافأة لحماس"، وليس حقًا أصيلًا للشعب الفلسطيني ولا التزامًا قانونيًا دوليًا وفق قرار إنشاء إسرائيل نفسها.

"علينا إنهاء الحرب في غزّة وبناء السلام وإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين".

هكذا رتّب أولوياته من دون أن يأتِ بحرفٍ واحدٍ على الأوضاع المأساوية لأهالي غزّة.

استغرق خطابه 58 دقيقة كواحدٍ من أطول الخطابات أمام الجمعية العامة.

تحدّث في كلّ شيء، كأنّه أمام محفل محلّي، أو انتخابي، هاجم المنظمة الدولية وأمينها العام "أنطونيو غوتيريش" لمجرّد أنه دعا الدول الأعضاء إلى عدم الخشية من إسرائيل.

أفلت اتزان تقديره للأمور وتناقضت رغباته مع مواقفه.

"يجب أن أحصل على جائزة نوبل للسلام تكريمًا لإنجازاتي، لكنّ أولويتي هي إنقاذ الأرواح"، كأنّه لا يشارك بالتواطؤ في أبشع حروب الإبادة.

بنرجسيّته المفرطة، أراد أن يقول إنّ الاعترافات بالدولة الفلسطينية "كلمات فارغة"، وإنّه وحده، الذي يمتلك خطة سلام!

كعادته في نسبة صفات الروعة والعظمة إلى أعماله، ووصف اجتماعه مع عددٍ من قادة الدول العربية والإسلامية: "كان عظيمًا"، على الرَّغم من أنه لم يُسفرْ عن شيء محّدد أو جديد.

إذا كان هناك مَن يزال يراهن على "ترامب" فهو واهم.

كيف نستثمر في قوة الضمير الإنساني؟ هذا هو السؤال الحقيقي، الذي يحتاج إلى مقاربات عربية أخرى.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن