لم تكُن الإشكالية الرئيسة في تقبل أو رفض أو التحفظ من حركة "حماس" علي الطرح الأميركي أيًّا كان شكله أو مضمونه، بل في صراع أدوار داخل حركة "حماس"، ووجود صراع على صنع القرار في ظل تجاذبات كبرى تحكم مسار الحركة، ومستقبلها بصرف النظر عما يجري داخل القطاع الذي مازال مهدداً بالاجتياح الكامل في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وقرب احتلال مدينة غزة، ما يؤكد أن إسرائيل، وفي كل الأحوال تريد الحرب تحت النار، وأنه لن يكون وقف لإطلاق النار إلا بعد تسليم كل المحتجزين والأسرى، ما يؤكد أن إسرائيل ماضية في مسارها السياسي، ولن تتراجع.
وما يجري داخل إسرائيل من حالة تصعيد غير مسبوقة من جانب، واستمرار النزعة العسكرية لحدودها القصوى، يؤكد أنها ستظل تحارب من أجل إتمام كامل أهدافها، حتى لو فشلت في إطلاق سراح كل المحتجزين أو عدد منهم، ففي ظل كل الخيارات الواردة من احتمال قتلهم في عملية الاجتياح الأخيرة لمدينة غزة، ما قد يرفع العبء النفسي على شخص نتنياهو، ويدفعه إلى إعادة تدوير حساباته الكبرى تجاه ما يجري.
نتنياهو يريد الاستثمار في المشهد الراهن داخل "حماس"، بصرف النظر عن ضغوطات تتعرض لها للانخراط جديداً في المفاوضات وبدء مرحلة تالية، فالقرار داخل حركة "حماس" مرجعيته في الوقت الراهن داخل الجناح العسكري في الداخل، وفي ظل حالة من الكمون لعناصر في الخارج، في ظل مخاوف استهدافهم على الرغم من التعهدات التي أكدت عليها الإدارة الأميركية لقطر، إلا أن كل السيناريوهات واردة مع إسرائيل، خاصة أن المكتب السياسي في الخارج له حساباته الكبرى في إطار إعادة ترتيب الأولويات المهمة للحركة، ومحاولة الحفاظ على الحد الأدنى من التوافقات بين رموزه، وفي ظل من يريد تحويل الحركة لحزب، والتحول السياسي في منظور البعض، سيدفع لقبول الحركة مع إبقاء ملف السلاح مؤجلاً لبعض الوقت على اعتبار أن الحركة تفكر في أن تكون بديلاً للسلطة في حال إجراء انتخابات.
وفي ظل ما يجري من تبدل في الخيارات الفلسطينية سواء بقي الرئيس محمود عباس أو رحل. وفي المشهد الراهن حرصت حركة "حماس" على الإبقاء على قنوات تواصل مع الإدارة الأميركية، في ظل وجود داعمي التعامل مع الحركة في البيت الأبيض من أمثال آدم بوللر وشخصيات أميركية نافذة من أصول فلسطينية، ما قد يعطي دلالات للتحرك نحو هذا الأمر ويقابل ذلك الجناح العسكري في الداخل.ومن غير المعروف في الوقت الراهن أين سيستقر قادة الحركة بعد استهدافهم، وما إذا كانوا سينتقلون إلى دول أخرى، وأن هذا الأمر سيُبحث لاحقاً، وأنهم قد يبقون في قطر أو يتنقلون منها إلى تركيا، أو ربما إلى مكان آخر يرونه أكثر أماناً.
ومن المتوقع أن ينتقل بعض قادة الحركة المؤثرين إلى دول مثل تركيا أو موريتانيا، وأنه جرى في فترة من الفترات بحث نقل بعض القيادات إلى الجزائر، وانتقال آخرين إلى ماليزيا، قبل أن يتم استبعاد الأخيرة لظروف أمنية معينة. والواقع أنه ومن خلال ما يجري داخل "حماس" الداخل، فإن عز الدين الحداد ورائد سعد هما من سيقرران مسار الحركة في الداخل على الأقل في الوقت الراهن، على الرغم من أن قيادة "حماس" السياسية في قطر هي من تتولى المفاوضات، فإن الموقف الحاسم سيكون بيد القادة العسكريين في الميدان، الذين سيقررون بين خيارين: إما الاستمرار في القتال بغزة أو إنهاء الحرب.
ويُعتبر سعد والحداد على رأس المطلوبين، ما يشير إلى أن القرار النهائي المتوقع سيكون لجناح "حماس" العسكري داخل القطاع وليس في الخارج، ما يؤكد أننا أمام احتمالات تغيير في موازين القوى داخل الجناح العسكري للحركة، خاصة أن قيادات الخارج تواجه أيضاً أزمة انقسام في الرؤى والمواقف بين تيار محمد درويش – خالد مشعل من جانب وخليل الحية ومحمد نزال وغازي حمد وغيرهم ما يشير إلى حالة التأزم داخل حركة حماس بالفعل الأمر الذي سيؤثر على توجهات الحركة في الفترة المقبلة، واحتمال صعود شخصيات في المستوى الداخلي (الجناح العسكري والخارج (المكتب السياسي).
يمكن التأكيد إذن أن الإشكالية الرئيسة باتت في حركة "حماس"، بمعنى أن قرارها سيحسم الأمر، فهل مطلوب الإقدام على تنازلات مؤلمة وصفرية في إطار ما يجري وفي ظل صراع مع الوقت مع حكومة نتنياهو التي تريد حسم الصراع والدخول والنفاذ ما يؤكد أن إسرائيل، وبرغم كل التوقعات لا تريد سوى إنهاء الصراع مع "حماس" في المديين القصير وطويل الأجل وعدم الالتفاف إلى أية خيارات توازنية وهو ما تدركه بالفعل حركة "حماس" في ظل تقييمات مقابلة ترى صعوبة العمل على خيار الاستمرار والمواجهة، بعدما ضاقت الخيارات السياسية والعسكرية بصورة كبيرة، ما يؤكد أن "حماس" الداخل أو الخارج باتت في دوائر متقاطعة ومتشابكة، وليس لديها أي فرصة للتحرك علي مسارات أخرى، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى استمرار الصدام مع الحكومة الإسرائيلية التي لا تريد سوى استمرار العمل بالحل العسكري أولاً وأخيراً.
(الاتحاد الإماراتية)