يشكّل حوثيو اليمن اليوم تهديداً أكبر للولايات المتحدة ودول الخليج العربية من الذي شكّلوه قبل حرب غزة. لذا على واشنطن وشركائها الإقليميين أن يضعوا مقاربة قادرة على مواجهة التهديد الجديد. لم تكن السياسة الأميركية تجاه اليمن ذات هدف محدد، إذ بعد هدنة رتّبتها عُمان في أعقاب حملة عسكرية استمرت شهرين على الحوثيين، انتقلت الولايات المتحدة إلى أولويات أخرى، في وقت كانت إسرائيل كثّفت حملاتها العسكرية الجوية عليهم في محاولة لوقف حملاتهم الصاروخية عليها، أو أقله تخفيفها. ولكن استناداً إلى تجارب الماضي، فإن حملات كهذه لا تروّع الحوثيين ولا تقضي عليهم، بل ربما تعمل لمصلحتهم في مراحل لاحقة.
كيف تطوّرت السياسة الأميركية تجاه اليمن وفيه؟ لقد تغيّرت على نحو دراماتيكي في السنوات الأخيرة. ففي بداية ولاية الرئيس جو بايدن كانت الديبلوماسية في المقدمة، وكان هدفها إنهاء الحرب الأهلية في هذه الدولة والعداوات التي دفعت المملكة العربية السعودية إلى تشكيل محور مناهض للحوثيين وقيادته. لذلك أوقف بايدن العمل بسياسة سلفه ترامب (الأول) الذي سمّى الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، وبدأ العمل لتلافي الانعكاسات الإنسانية السلبية للنزاع ومساعدة جهود التوسط التي كانت تقودها الأمم المتحدة. فضلاً عن أن بايدن زاد الضغط على السعودية من أجل دفعها إلى إنهاء الحرب بوقف بيعها الأسلحة ذات الطبيعة الهجومية. لكن الظروف تغيّرات في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بعد تنفيذ الحوثيين حملة منسّقة على الشحن التجاري في البحر الأحمر وضعوا لها عنواناً أو هدفاً هو دعم الفلسطينيين بعد بدء حرب غزة.
ردّت إدارة بايدن باستئناف بيع الأسلحة للسعودية ووضعت الحوثيين على قائمة الإرهاب الشامل، ونفّذت بضع ضربات على أهداف عسكرية في اليمن وأوقفت أي تحرّك ديبلوماسي. ثم أوضحت أن الولايات المتحدة ستعارض أي إتفاق يمكّن الحوثيين من الحصول على مكاسب مالية. ماذا جرى بعد تولّي ترامب ولايته الرئاسية الثانية للولايات المتحدة؟ يجيب باحثون أميركيون بالقول إن له مقاربة قوية لا تزال في بدايتها. إذ في 5 آذار/مارس الماضي أعاد إدراج الحوثيين في لائحة الإرهاب ومعها كل تنظيم أو مجموعة تدعمهم بالمساعدات والأسلحة. وبعد عشرة أيام نفّذ حملةً عسكرية جوية قوية كان هدفها استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر. وقد أصابت قادة عسكريين حوثيين وقدرات عسكرية لهم. في 6 أيار/مايو الماضي انتهت العملية على نحو مفاجئ أو قبل تحقيقها الأهداف المحددة.
الدافع هو عدم تبديد الموارد العسكرية على عملية لا نهاية سهلة لها، والحاجة إليها في ميادين أخرى. طبعاً فاجأ قرار ترامب هذا الحوثيين في عدن ودفعهم إلى متابعة الهجمات. وبالنسبة الى السعودية ولاعبين خليجيين رئيسيين في اليمن، أي الإمارات العربية المتحدة، قوّى القرار الأميركي المفاجئ عدم القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة وسياساتها "الهوائية". مكّن ذلك الحوثيين من البروز قوة غير مهزومة رغم ما تلقّوه من ضربات. واعتبر قادتهم أنهم حقّقوا انتصاراً على الولايات المتحدة. وشعروا بالارتياح لذلك، إذ أعادوا تجميع قواهم والتركيز على إسرائيل. طبعاً تابعت واشنطن الحوثيين عن بُعد ولكن لم يعد لها موفد خاص في اليمن. وأظهر ذلك أن الحوثيين لم يعودوا أولوية. كما أنها أوقفت المساعدات الخارجية لليمن الحوثي وغير الحوثي في آن واحد.
التهديد الحوثي الآن أكثر خطراً وتعقيداً من السابق. إذ بعدما كان يركّز على اليمن صار طموحه توسيع قدراته العسكرية والسياسية في الإقليم. فعاد يهدّد "كوريدور" البحر الأحمر ويقصف إسرائيل البعيدة 2000 كيلومتر عن اليمن، وساعده ذلك في تعزيز الأوضاع اليمنية للحوثيين ولكن خارج المناطق التي يسيطرون عليها. لا تبدو إعادة "الجنّي الحوثي إلى القنينة" سهلة ولا سيما بعدما ثبُت بوضوح انتماؤه إلى إيران الإسلامية واعتماده عليها في التمويل والتسليح والتدريب. علماً أن روسيا صارت ترسل مستشارين عسكريين للحوثيين في الحديدة التي يسيطرون عليها، وهي تفكّر في تزويدهم صواريخ ومستلزمات عسكرية أخرى. كان ذلك قبل تدخّل الرياض وواشنطن السنة الماضية.
في هذا المجال، المقلق هو تزايد التهديد الحوثي لدول الخليج العربي وخصوصاً السعودية الواقعة وسط مخططات إقليمية طموحة وتهدف إلى الابتعاد عن الاقتصاد المعتمد على النفط والإقدام على تحوّل جريء اجتماعي واقتصادي وحتى سياسي. كيف يمكن أن تواجه أميركا وحلفاؤها ذلك؟ بالآتي يجيب الباحث الأميركي المهم نفسه:
- العمل مع اليمنيين والشركاء الخليجيين لإعادة وضع التهديد العسكري الجدّي على الطاولة.
- توفير ضمانات أمنية واضحة للسعودية والإمارات بمزيد من بيع الأسلحة لهما ومن التدريب والتمارين وبالتزام الدفاع عنهما إذا هاجمهما الحوثيون.
- توفير دعم محدّد لإصلاح تنفذه الحكومة اليمنية.
- القيام بالمزيد لاستهداف السلاح والمال الحوثيين.
- إعادة تكريس حملة سياسية لاستكشاف إمكان وضع حل سياسي مدعوم من الخليج ولا سيما في مجالات التنمية وإعادة البناء والإعمار. ذلك كله لن يحصل إذا استمرت الضربات الإسرائيلية. على واشنطن بعد الاتفاق على خطة مع الحلفاء إبعاد إسرائيل عن هذا الموضوع ولا سيما بعد الإحباط والغضب اللذين شعر بهما الخليجيون إثر حرب غزة المستمرة.
(النهار اللبنانية)