صحافة

الأردن وخيارات قسوة الضرورة في الضفة الغربية

مالك العثامنة

المشاركة
الأردن وخيارات قسوة الضرورة في الضفة الغربية

لم يكن إغلاق جسر الملك حسين حدثا عابرا في الأيام الماضية، بل كان صفارة إنذار جديدة في وجه الأردن، فالمعبر لم يعد مجرد نقطة عبور، بل أداة ضغط استراتيجي، ومن يملك مفاتيح الضفة يفرض شروطه، وكل ما حدث مؤخرا من قيود على حركة المسافرين والبضائع يعيد ترتيب مشهد الضفة كتهديد مباشر لأمن الأردن الوطني.

في موازاة ذلك، تعلو في إسرائيل أصوات تطالب بفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية أو أجزاء منها، بدعوى أن المشروع الاستيطاني قد نضج، وأن اللحظة مناسبة لتكريس واقع نهائي، وهي ليست مجرد مواقف عابرة، بل مؤشرات على خطة قديمة تتجدد بغطاء سياسي داخلي وتحول دولي يفتح شهية الضم تدريجيا.

الخطورة ليست فقط في الفعل الإسرائيلي، بل في هشاشة الضفة نفسها، سلطة فلسطينية منتهية الصلاحية وضعيفة جدا، وانقسام داخلي بلا أفق، وقيادة لم تعد قادرة على حماية مشروعها ولا على تمثيل أهلها، وتبدو الضفة اليوم وكأنها في حالة فراغ استراتيجي، تتنازعها رغبات الاحتلال ومخططات إقليمية تتعامل معها كورقة لا كقضية.

وفي هذا السياق، برزت خطة ترامب الأخيرة ذات العشرين نقطة، والتي تضمنت بندا يشير إلى وقف سياسات الضم في الضفة الغربية، لكنها صياغة غامضة أكثر مما هي التزام واضح، وقد تمنح الأردن قدرا من الاطمئنان الحذر، إذ ما تزال المخاطر على الأرض قائمة، وما تزال مشاريع الاستيطان تتحرك بلا توقف. هنا، يدخل الأردن في قلب المعادلة، ليس كطرف داعم فقط، بل كطرف مستهدف أيضا، وإذا كان الأردن قد اختار دائما موقف الدعم الحذر والتنسيق الهادئ، فإن ما يحدث اليوم يضعه أمام امتحان جديد، امتحان الخيارات الصعبة، أو ما يمكن تسميته بقسوة الضرورة.

أحد هذه الخيارات هو تكثيف الجهد الدبلوماسي مع القوى الفاعلة دوليا للضغط ضد مشاريع الضم أو تغيير الوضع القائم، وهو خيار آمن لكنه لا يوقف التآكل البطيء، وخيار آخر أكثر قسوة يتعلق بإعادة النظر في بعض ترتيبات العلاقة مع إسرائيل، ولو على مستوى التنسيق الإداري في المعابر، لإيصال رسالة مفادها أن الضفة ليست ساحة فراغ سياسي.

لكن الأصعب، هو احتمال أن يضطر الأردن في لحظة مفصلية إلى التفكير بأطر جديدة لتمثيل الفلسطينيين، خصوصا مع تآكل شرعية السلطة، وهو خيار لا تريده عمّان ولا تسعى له، لكنه قد يفرض نفسه إذا استمرت الانهيارات، وإذا فُرض على الأردن أن يدفع وحده ثمن أي انفجار في الضفة، سياسيا أو ديمغرافيا. الضفة اليوم تتحول إلى ساحة مواجهة صامتة، والأردن وحده يقف في المنتصف، ممسكا بخيوط العلاقة بين الهوية والجغرافيا والأمن، لكنه لا يملك ترف الانتظار، ولا رفاهية الحياد.

(الغد الأردنية)

يتم التصفح الآن