عامان على حرب غزة ولا تزال المقتلة مستمرة من دون توقف على الرغم من موافقة "حماس" واسرائيل على الخطة الأميركية لإنهاء الحرب، والتي بدأت أولى المشاورات بشأنها أمس في مدينة شرم الشيخ وسط توقعات بأن تكون الطريق "وعرة" "وغير سالكة" نتيجة ما يحيط الاتفاق من "أفخاخ" وبنود غامضة تحتاج إلى تفكيك ألغازها. وعلى الرغم من الأجواء "الايجابية" التي رافقت الجولة الاولى من المباحثات غير المباشرة، إلا أن الخوف يكمن في التفاصيل وبظل رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومن خلفه اليمين المتطرف، بالاستمرار في الحرب.
فهذه الحرب التي حملت أهدافًا معينة عند بدايتها فشلت في تحقيقها، فلا استطاعت تل أبيب إعادة الأسرى المحتجزين ولا تدمير "حماس" بشكل كامل وإنهاء وجودها رغم كل القصف والتدمير الممنهج وأعداد الشهداء الذين ناهز الـ67 ألفًا. بينما كشفت حرب غزة اللثام عن مدى وحشية وإجرام القوات الاسرائيلية وهو ما فجر مظاهرات "تاريخية" في عواصم أوروبية تظهر مدى العزلة التي تعيشها اسرائيل على وقع تزايد اعتراف الدول بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته. ووسط آمال معقودة بإمكانية وقف القتال، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن المحادثات الحالية الأقرب على الإطلاق للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. فيما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية"، نقلًا عن مصادر مصرية، أن "الوسطاء القطريين والمصريين يبذلون جهودًا كبيرة لوضع آلية للإفراج عن الأسرى".
في غضون ذلك، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن المساعي الرامية إلى التوصل لاتفاق بشأن غزة أحرزت تقدمًا كبيرًا، وذلك بعد ساعات من بدء المباحثات غير المباشرة في شرم الشيخ. وقال إن "الحركة وافقت على أشياء مهمة"، من دون ذكر المزيد من التفاصيل. في وقت ألمح إلى أن إدارته تلقت "إشارة قوية جدا" من إيران مفادها أنها ترغب في إتمام الصفقة. وعليه سيكون المخاض طويلًا وسيناقش عدة مواضيع خلال الايام القليلة المقبلة وسط توقعات بمشاركة صهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر كما المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في المحادثات يوم غد، الأربعاء في حال تذليل العقبات. وتتلخص العُقد في نزع سلاح "حماس" وخطة الانسحاب الاسرائيلي من القطاع كما في مطالبة الحركة بضمانات دولية بألا تعود تل أبيب للحرب فور الإفراج عن الأسرى الأحياء والأموات وفق الخطة المعروضة. وكانت اسرائيل أبدت رفضها لمناقشة أي بند قبل إطلاق سراح الرهائن وهو ما يعكس مخاوف حقيقية من ألاعيب نتنياهو الملتزم سياسيًا مع وزراء اليمين المتطرف الذين وعدهم بالعودة إلى القتال في حال عدم نزع سلاح الحركة الفلسطينية.
وتظاهر أمس، الاثنين، ناشطون وعدد من عائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو بالقدس المحتلة، للمطالبة بإتمام الاتفاق معلنين بأنهم "لن يهدأوا ولن يسكتوا حتى يعود الجميع إلى ديارهم". وتُقدر تل أبيب وجود 48 أسيرًا إسرائيليًا، منهم نحو 20 أحياء موزعين على مناطق مختلفة من القطاع المنكوب ومن هنا مطالبة "حماس" بوقف القصف وتوفير الظروف الملائمة وتمديد المهلة المعطاة (72 ساعة) كي تستطيع أن تضمن سلامة إتمام العملية. تزامنًا، ذكر موقع "واي نت" الإخباري الإسرائيلي أن نتنياهو طلب من الوفد المفاوض عدم السماح لــ"حماس" بالخروج عن خطة ترامب أو الخريطة المرفقة بها والتي لم توافق عليها الحركة لأنها تكرس إحتلالًا جديدًا وتفرض واقعًا صعبًا بظل التحديات الجسام التي يعيشها سكان القطاع وتحاول إجراء بعض التعديلات عليها. ولكن الأوراق التفاوضية ومفاتيح الصفقة ليست في متناول "حماس" التي تدرك أنها امام "الفرصة الأخيرة" بعد التهديدات الأميركية. وكان نتنياهو رفض، في مقابلة إعلامية، فكرة أي تسوية جزئية، مؤكدًا أن على الحركة الاستسلام الكامل ونزع سلاحها دون تحفظات.
وقلّل نتنياهو من مستوى رئاسة وفده التفاوضي الذي كان مقرراً أن يقوده الوزير رون ديرمر، في حين وصل وفد "حماس" برئاسة القيادي خليل الحية الذي التقى وسطاء مصريين وقطريين قبيل المباحثات. وتدفع كل من الدوحة والقاهرة كما انقرة بإتجاه تذليل العقبات والتوصل إلى وضع حد للقتل المستمر في القطاع، لاسيما أن العمليات العسكرية متواصلة على مدينة غزة التي شهدت قصفًا مدفعيًا وجويًا جنونيًا فجر اليوم. في حين تتعمد قوات الاحتلال استهداف نازحين في خان يونس جنوبي القطاع ونسف المنازل المتبقية بواسطة آليات محملة بالمتفجرات. أما الحصار المطبق والنقص الحاد في الأدوية وعجز القطاع الصحي يزيدان من المعاناة اليومية للفلسطينيين، فيما يقبع العشرات في المستشفيات بإنتظار موافقة تل ابيب على خروجهم من القطاع لتلقي العلاج ما يضع حياتهم في خطر شديد. وتتلكأ قوات الاحتلال في منحهم الموافقات اللازمة ما يتسبب بمضاعفات حادة قد تؤدي إلى فقدانهم حياتهم.
في سياق متصل، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بحثا خلاله تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، بما في ذلك خطة الرئيس الأميركي بشأن إنهاء حرب غزة، والملف النووي الإيراني. وأكد البيان أن بوتين شدد على ضرورة التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية، وأهمية منع تفاقم التوتر في المنطقة. فيما واصلت تل ابيب إطلاق سراح النشطاء الذين اعتقلتهم من على متن "أسطول الصمود العالمي" الذي كان يسعى لكسر الحصار عن غزة وسط تأكيداتهم بأنهم تعرضوا لسوء معاملة وانتهاكات لفظية وجسدية عديدة. ولا تهتم اسرائيل بكل الانتقادات والمناشدات بل تضرب بالقانون الدولي عرض الحائط لأنها لم تحاسب يومًا على أفعالها التي تصل إلى حدّ الإبادة الجماعية في غزة والتهجير المُنظم في الضفة الغربية. يُشار إلى أن "هيئة مقاومة الجدار الفلسطينية" لفتت إلى تنفيذ المستوطنين الإسرائيليين 7 آلاف و154 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية منذ بدء حرب غزة، وقد تسببت هذه الاعتداءات في استشهاد 33 مواطنًا فلسطينيًا.
المستجدات الفلسطينية التي يأمل من أن تُبشر بنهاية للحرب التي تخطت كل المعايير تتزامن مع التطورات السورية بعد الاعلان رسميًا عن نتائج انتخابات مجلس الشعب التي أجريت يوم الأحد الماضي، ولأول مرة منذ سقوط النظام السابق. وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات في سوريا أسماء 119 عضوًا، في حين بقي 21 مقعدًا شاغرًا عن محافظات السويداء والرقة والحسكة والتي لم تًجرَ فيها الانتخابات بسبب الظروف الأمنية. وعكست النتائج التمثيل الخجول للنساء (4%) كما للأقليات، إذ حصد المسيحيون مقعدين فقط، وهو تمثيل ضعيف بالنظر إلى نسبة المسيحيين في سوريا، في حين لم يفز المرشح اليهودي الوحيد. وبحسب المعطيات سيعمل الرئيس احمد الشرع على "ترميم السلبيات" من خلال التعيينات التي تشمل 70 مقعدًا، وهي من حصته المباشرة. إلى ذلك، زار المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برَّاك، شمال شرقي سوريا، أمس، برفقة قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، حيث أجريا محادثات "جوهرية" مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، تمثل "تقدمًا ملموسًا في رؤية الرئيس دونالد ترامب، المتمثلة في إعطاء سوريا فرصة من خلال تمكين السوريين من الاتحاد"، بحسب ما أعلنه برّاك نفسه.
وتعد هذه الزيارة للمبعوث الأميركي إلى سوريا الأولى من نوعها إلى مناطق شمال وشرق سوريا، وتأتي في مرحلة شديدة الحساسية نتيجة الوضع السياسي الراهن في سوريا، حيث تتصاعد الاشتباكات بين قوات "قسد" والجيش السوري شرق محافظة حلب. وكانت قناة "الإخبارية السورية" نقلت عن مصدر رسمي أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب بعد أيام من القتال الذي أسفر عن سقوط قتلى ومصابين من عناصر الأمن والمدنيين وسط تبادل للاتهامات بين الجانبين. في الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أحبط محاولة لتهريب أسلحة إلى إسرائيل من داخل سوريا في وقت سابق من أمس الاثنين، حسبما أفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، التي أوردت أيضًا بأن جنودًا من مجموعة 595 القتالية الاستخباراتية الذين يقومون بتشغيل كاميرات المراقبة الحدودية، رصدوا اثنين من المشتبه بهم يقتربان من الحدود الإسرائيلية من جهة سوريا. وتتزايد الاعتداءات الاسرائيلية على سوريا في الآونة الاخيرة وسط "جمود" في المحادثات التي لم تفضِ حتى الساعة بالتوصل إلى إتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب.
على المقلب اللبناني، لا يزال موضوع حصر السلاح بيد الدولة يتصدّر الأولوية. وكانت جلسة الحكومة اطلعت على خطة الجيش في حين أبقت المداولات سرية. واكتفى وزير الخارجية يوسف رجي بوصف الاجواء بـ"الممتازة"، بعد أيام من السجالات والخلافات والتي اشتدت وتيرتها بين رئيس الحكومة نواف سلام و"حزب الله" وتحديدًا منذ أحداث صخرة الروشة وما أثارته من بلبلة إثر إضاءة الصخرة بصورتي الأمينين العامين السابقين لـ"حزب الله" حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، الأسبوع الماضي. وكالعادة سبقت الجلسة اتصالات سياسية وجهود على أكثر من صعيد في محاولة لململة الأوضاع التي لا تزال غير واضحة المعالم خاصة أن "حزب الله" يرفض المهادنة ويتمسك بسلاحه ويحمّل الحكومة المسؤولية المطلقة في ما آلت إليه الأمور. أما الاعتداءات الإسرائيلية فتشهد مزيدًا من التصعيد حيث أدت غارة إلى مقتل شخصين في زبدين الجنوبية بينما استهدف الطيران الإسرائيلي بسلسلة غاراتٍ عنيفةٍ جرود الهرمل، وحربتا، ووادي فعْرة. وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنه تم تنفيذ هجمات على "عدة أهداف لـ"حزب الله" في منطقة البقاع، ومن بينها معسكرات تابعة لوحدة قوّة الرضوان، والتي تم رصد عناصر من الحزب داخلها".
إيرانيًا، استبعدت طهران استئناف المباحثات مع دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) بشأن ملفها النووي، بعدما أعاد مجلس الأمن الدولي فرض العقوبات الأممية عليها. ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي موقف الدول الأوروبية الثلاث بـ"غير المسؤول والمدمر"، مضيفا أنهم استغلوا عمليا آلية تسوية الخلافات لفرض مطالب الولايات المتحدة. وتتزايد الخلافات بشأن برنامج إيران النووي فيما أبواب الحوار لا تزال موصدة ولا تشهد أي حلحلة تُذكر. هذا وكانت أفادت تسريبات نُسبت إلى شركة "روستيك" الروسية، المتخصصة في الصناعات الدفاعية، عن مباحثات محتملة لشراء إيران 48 مقاتلة متطورة من طراز "سوخوي سو-35"، في صفقة قد تكون من أكبر صادرات السلاح الروسي منذ حرب أوكرانيا.
مع حلول الذكرى الثانية لحرب إسرائيل على غزة، تكثفت في الصحف الصادرة اليوم أصوات التحليل لما يجري على الصعيد الفلسطيني بعد خطة ترامب، وإليكم أبرزها:
رأت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه "رغم الاتفاق على الخطوط العريضة للخطة الأميركية، إلا أن المفاوضات لن تكون سهلة، خصوصاً أن الجانب الإسرائيلي لا يبدو متحمساً جداً للتوصل إلى صفقة وسط معلومات تشير إلى خلافات بين المستويين العسكري والسياسي الراغب في إطالة أمد الحرب لأسباب استيطانية وأيديولوجية، ما يستدعى إطالة أمد المفاوضات على الرغم من الجدول الزمني الضيق الذي حدده ترامب". وتابعت "من الواضح أن الوفدين لا يملكان رفاهية إضاعة الوقت، إذ يتعرضان لضغوط كبيرة من جانب الوسطاء لإنجاز المهمة في أقرب وقت، أي في غضون أيام قليلة، وهي مهمة تتعلق أساساً بإطلاق سراح الرهائن والجثث الإسرائيلية والأسرى الفلسطينيين".
من جانبها، لفتت صحيفة "الدستور" الأردنية إلى أن "حلفاء نتنياهو الأكثر تطرفًا منه، يعملون، يسعون، يريدون أولاً بقاء الاحتلال لقطاع غزة، وثانيا إعادة المستعمرات الاستيطانية إلى قطاع غزة، وثالثاً لا يريدون أن يكون قطاع غزة مشروع دولة فلسطينية، لا منفردة، كما يرغب نتنياهو، ولا مرتبطة مع القدس والضفة الفلسطينية، وفق القرار الدولي"، موضحة أنه "رغم كل هذا لم يتمكن نتنياهو إلى الآن من عقد الحكومة الأمنية السياسية المصغرة (الكابينيت)، ولم يتمكن من دعوة الحكومة الائتلافية لمناقشة خطة ترامب خشية استقالة الحلفاء وسقوط الحكومة، والخروج نحو انتخابات جديدة، لن يعود من خلالها رئيسا للحكومة، ولن يحصل على العدد الكافي ليشكل ائتلافًا مع حلفاء السوء الذين يحتمي بهم"، بحسب وصفها.
الموضوع عينه تطرقت له صحيفة "الأهرام" المصرية، التي اعتبرت أنه "ورغم التحديات المتوقعة أمام المفاوضات، إلا أن نجاحها يتطلب توافر الإرادة السياسية خاصة من جانب الأطراف المتفاوضة سواء إسرائيل أو "حماس" من أجل إتمام الاتفاق، فتوافر تلك الإرادة سيسهم بشكل كبير في التغلب على أية عقبات متوقعة خاصة فيما يتعلق بالقضايا الفنية المرتبطة بعملية تبادل الأسرى والرهائن وكذلك خرائط الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وغيرها من قضايا تضمنتها خطة الرئيس ترامب وتحتاج إلى إرادة حقيقية في العمل على تجاوزها"، مشددة على أن "شروط نجاح المفاوضات الحالية تتطلب اضطلاع كل طرف بمسؤولياته خاصة الجانب الأمريكي في العمل على الضغط على حكومة نتنياهو لمنع وضع أية عراقيل أو عقبات أو شروط تعجيزية لإفشال المفاوضات كما حدث في جولات التفاوض السابقة".
وتحت عنوان "مواجهة إيرانية أميركية إسرائيلية برصيد مفتوح"، كتبت صحيفة "البلاد" البحرينية "الوضع الحالي وتدفق الأسلحة والدفاعات الجوية إلى القواعد الأميركية في الشرق الأوسط يمكن تفسيره بأنه إعداد لمسرح العمليات، حيث يتم فيه تحديد الأهداف والاستراتيجيات للمواجهة المرتقبة"، مستنتجة أنه "لا يمكن الجزم بأن المواجهة ستكون لها نهاية، وفي المقابل لا يمكن تأكيد أن طهران لن تقعد مكتوفة الأيدي في حال أي اعتداء عليها، ولا يمكن كذلك اليقين بأن أميركا لن توسع دائرة الصراع بالشرق الأوسط لتكون العراق واليمن جزءًا من المشهد، أي أن المواجهة وسوء التقدير لأي طرف قد يجر المنطقة إلى معركة برصيد مفتوح نهايتها تقررها الظروف المواتية أو المحيطة بها"، على حدّ تعبيرها
(رصد "عروبة 22")