يصرّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، مستعينًا بحلفائه الأميركيين "الاوفياء"، على تغيير معالم الشرق الأوسط. فأحداث 7 أكتوبر شكلت ذريعة لتل أبيب لتشنّ حربًا وحشية على قطاع غزة وتفتت الضفة الغربية المحتلة وتخنقها بمشاريع الاستيطان بينما يعيش لبنان مخاوف تجدّد الحرب مع مواصلة قوات الاحتلال عملياتها العسكرية بشكل شبه يومي. أما الوضع في سوريا، فعلى "كف عفريت"، مع تعمّد اسرائيل توسيع توغلاتها ومصادرة اراضٍ واعتقال مواطنين بحجة "الحفاظ على أمنها". فتحت هذه الذريعة تُخاض حروب عبثية لم تجلب حتى اللحظة سوى الدم والفوضى في حين يرفع "حليف" نتنياهو، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شعار "السلام"، الذي يبدو "وهمًا" كما سبق وصرّح الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط توم برّاك.
ووفق هذا المشهد تُعقد مفاوضات شرم الشيخ بين وفدي "حماس" واسرائيل التي تريد للحرب أن تستمر ولخطة ترامب أن تسقط أمام التعقيدات، لاسيما انها تتمسك بشروط وترفض الحديث عنها، في محاولة لخلق العراقيل والعثرات. إلا أن الضغط الأميركي من جهة ومحاولة الدول الوسيطة وضع حدًا للقتال يمكن أن يسهم في تحقيق ثغرة ما في جدار الأزمة التي دخلت عامها الثالث. وفي أخر التطورات الواردة بشأن المباحثات، فقد ركزت على خرائط الانسحاب وجدولة الإفراج عن الأسرى. وكشفت مصادر أميركية وإسرائيلية لموقع "أكسيوس" أن جلسات اليوم الثاني اتسمت بطابع فني، وتركزت على معالجة الفجوات المتبقية بين الأطراف. في وقت بدا الجانب المصري "متفائلًا" إذ أكد مصدر مطلع أن إنجاز المرحلة الأولى من الخطة الأميركية "قد يحسم قبل الجمعة المقبل، في حال استمرت الأجواء الإيجابية التي تشهدها مفاوضات شرم الشيخ المصرية حاليًا"، موضحًا في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، أن "العقبة الرئيسية الحالية استمرار العملية العسكرية، و"حماس" تناقش اللوجستيات المطلوب توافرها وتضغط لأخذ وقت وإطار زمني يمكنها من الإيفاء بتسليم الرهائن، سواء برفع الحواجز والانسحابات ووقف التحليق أو الحصول على أسرى من فصائل أخرى".
فالوقت الزمني الذي حدده ترامب بـ72 ساعة يبدو غير كافيًا للحركة خصوصًا أن الأسرى الاسرائيليين، الأحياء منهم والاموات، موزعين على مختلف أنحاء القطاع المدمر وبالتالي تحتاج عملية جمعهم وتأمين خروجهم إلى توفير الظروف الملائمة واهمها وقف القصف والعمليات العسكرية التي لا تزال مستمرة على الرغم من المفاوضات. وهو ما تدفع نحوه "حماس" إلى جانب السعي للحصول على ضمانات اميركية بعدم تجدد الحرب والافراج عن كبار المعتقلين كمروان البرغوثي، الذي تؤكد تل أبيب بأنه لن يكون ضمن عداد المشمولين في الصفقة، وصولًا إلى دخول المساعدات الانسانية وتدفقها إلى المحاصرين في القطاع لإنهاء معاناتهم. وفي السياق، قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، إن الاجتماعات شهدت "محادثات دقيقة امتدت إلى 4 ساعات"، وننتظر المخرجات "الأيام المقبلة". وأضاف: "هناك وفد قطري موجود بالمفاوضات يعمل عن قرب بهدف التوصل لخطة عملية لا تكون بها عقبات تتخذها إسرائيل فرصة لعودة عدوانها".
من جهته، قال الرئيس ترامب إن هناك "محادثات جدية جدًا" جارية حول غزة، مجددًا تأكيده بأنه سيقوم بكل ما يلزم لضمان أن يلتزم الطرفان بالاتفاق بشأن غزة، وأضاف "الضمان الأساسي الذي نقدمه بأن إسرائيل لن تستأنف الحرب لاحقًا هو أننا سنبذل كل جهدنا لضمان التزام الجميع"، مشيرًا إلى أن "هناك فرصة حقيقية لتحقيق إنجاز في محادثات غزة وما من دولة أبدت معارضتها لخطة إنهاء الحرب". وتضغط واشنطن على كافة الأطراف من أجل إبرام الصفقة التي تعتبرها تصب في صالح اسرائيل وتمهد "للسلام في الشرق الأوسط" على الرغم من الانتقادات والغموض في معظم البنود التي تنص عليها الخطة التي تفتقر إلى آليات تنفيذية. وكان ترامب عقد اجتماعًا مع فريقه للأمن القومي لمناقشة تقدم المحادثات، حضره نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، وذلك قبيل توجه المبعوث الخاص ستيف ويتكوف و"صهره"، جاريد كوشنر إلى القاهرة للإنضمام إلى المفاوضات.
وتكمن أهمية مشاركة ويتكوف وكوشنر، عراب "صفقة القرن"، بأنهما من رعاة الخطة وأبرز المشرفين على بنودها والذين رشحوا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ليكون مشرفًا على "اليوم التالي" مع أن سيرته الذاتية وحربه على العراق تشكل وصمة عار في تاريخه بوصفه "مجرم حرب". ولكن المصالح و"الرؤية المشتركة" أسهمت في إعادته إلى الواجهة، إذ نشرت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية تفاصيل الخطة التي تؤكد إناطة إدارة القطاع بـ"السلطة الدولية الانتقالية لغزة والتي جرى إعدادها من قِبل فريق مرتبط بمعهد "توني بلير للتغيير العالمي" ودوائر أميركية - إسرائيلية مقربة من إدارة ترامب"، وستتراوح مدتها الزمنية ما بين 3 و 5 سنوات. واللافت أن الوثيقة عينها لا تشير إلى الجهة التي يعود إليها تشكيل هذه "السلطة"، إذ مجلس الأمن لا يظهر في الصورة، ولا أي جهة دولية رسمية. وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل القطاع ومدى القدرة على تطبيق الخطة التي رسمت لتُجسد المصالح الاسرائيلية – الأميركية في المنطقة.
هذا وتباهى نتنياهو أمس بأنهم "يحاربون على 7 جبهات"، واضعًا ذلك في إطار "الحرب المصيرية من أجل الوطن، الحرب من أجل وجودنا ومستقبلنا"، مهددًا من يسعى لإلحاق الضرر بإسرائيل "من يرفع يده علينا يُصاب بضربات ساحقة غير مسبوقة"، مكررًا الحديث عن أنه تمكن من تغيير "وجه الشرق الأوسط وبقاء إسرائيل". وبالتزامن مع هذه المعطيات، تعيش الضفة الغربية أهوالًا متواصلة مع شنّ جيش الاحتلال حملة مداهمات واقتحامات واسعة لبلدات ومدن عدة بالضفة المحتلة من بينها الخليل وقلقيلية وسلفيت وطولكرم وجنين والبيرة، في حين واصل عشرات المستوطنين اقتحامهم للمسجد الأقصى إحياءً لما يسمى "عيد العُرش" وسط حماية مشددة من القوات الإسرائيلية. وأظهرت صور، نشرتها وسائل إعلام محلية، مستوطنين يحملون القرابين النباتية ويؤدون طقوسًا تلمودية عند أبواب المسجد، وتحديدا عند بابي حطة والملك فيصل. وهذه الاستفزازات ارتفعت وتيرتها بعد عملية "طوفان الأقصى" في وقت يسود الصمت والعجز المجتمع الدولي الذي ضربت تل أبيب بكل قراراته وقوانينه عرض الحائط.
ومع تفاخر رئيس الوزراء الاسرائيلي بتغيير معالم الشرق الأوسط، يبرز الملف اللبناني المحتدم نتيجة الحديث عن حصرية السلاح، الأمر الذي يرفضه "حزب الله" مطلقًا معركة وجودية وتحديدًا في وجه الحكومة وشخص رئيسها نواف سلام، الذي يكيل له قادة الحزب العديد من الاتهامات. وهذا ليس بجديد في إطار معركة شدّ الحبال والتجييش المذهبي والطائفي الذي أدخل البلاد سابقًا ولا يزال في أتون التعطيل والفوضى. وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية "سمير جعجع "أنه لا خيار أمام "حزب الله" سوى تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية"، داعيًا إياه إلى أن "يتعظ" من تجربة "حماس" في قطاع غزة. بينما يبدو أن الحزب في مكان أخر، فهو يتمسك بسلاحه بحجة الدفاع عن اسرائيل التي تسرح وتمرح دون أي رادع وتصعّد من عملياتها العسكرية التي تحصد يوميًا عددًا من اللبنانيين وأخرهم أمس ما أدى إلى سقوط شخصين، أحدهما في استهداف سيارة بين بلدتي دير عامص وصديقين، في قضاء صور، والآخر بقصف جرافة بين بلدتي زبقين وياطر. وتتعمد القوات الاسرائيلية مواصلة انتهاكاتها بذريعة القضاء على قادة الحزب ومخازن أسلحتهم ومنعهم من تجديد قوتهم العسكرية والتسليحية.
في الشق الإيراني، اتهم وزير الخارجية عباس عراقجي إسرائيل بـ"اختلاق تهديد وهمي" من قدرات بلاده الدفاعية، وذلك ردًا على تصريحات نتنياهو التي حذّر فيها من خطر الصواريخ الإيرانية وقدرتها المحتملة على بلوغ الأراضي الأميركية مستقبلًا، مشددًا على أن برنامج تخصيب اليورانيوم "سيبقى قائمًا"، كما حذّر من أن طهران لن تنخرط في أي اتفاق نووي يشترط وقف التخصيب. وغمز عراقجي من باب المفاوضات التي كانت قائمة مع الولايات المتحدة قائلًا "لو اطلع (ترامب) على محاضر تلك المحادثات، التي دوّنها الوسيط (ستيف ويتكوف)، لأدرك مدى قربنا من التوصل إلى اتفاق نووي جديد وتاريخي مع إيران"، داعيًا واشنطن إلى التعلم من تجربة حرب العراق التي قامت على "معلومات استخباراتية مضللة"، على حدّ تعبيره. في غضون ذلك، أعلن قائد الوحدة الصاروخية في "الحرس الثوري"، مجيد موسوي، أن قواته "على استعداد تام للتصدي الحاسم والسريع لأي تهديد، أو مغامرة من جانب العدو". وتدأب طهران على التأكيد بأنها مستعدة للدفاع عن مشروعها وبرنامجها النووي ولكنها تترك باب المفاوضات مفتوحًا دون إغلاق تام لأنها تدرك مدى مخاطر تجدد الحرب وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية.
سوريًا، برز الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية وقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يتضمن وقفًا لإطلاق النار بعد اشتباكات دامية في حلب امتدت لأيام. وجاء ذلك بالتزامن مع زيارة للمبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية، الأميرال براد كوبر. وأعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، أمس الثلاثاء، أنه اتفق مع قائد "قسد"، مظلوم عبدي على وقف فوري لإطلاق النار في شمال وشمال شرق سوريا في محاولة لاحتواء الأوضاع وتجنب التصعيد، والمضي قدمًا في المسار الذي حدده اتفاق 10 آذار/مارس الذي سبق ووقّعه الرئيس أحمد الشرع وعبدي برعاية أميركية، ويقضي باندماج البنى العسكرية والمدنية لـ"قسد" في الدولة السورية الجديدة، لكن تنفيذه لم يبصر النور نتيجة لخلافات بين الطرفين. وتحاول الإدارة السورية الجديدة تصفية الخلافات الداخلية وإيجاد حل لها سعيًا من أجل استعادة الاستقرار والامان ولكن ذلك دونه الكثير من العقبات والمشاريع والأحلام التقسيمية.
إلى ذلك، قالت القيادة المركزية الأميركية في بيان إن قوات تابعة لها قتلت قياديًا بجماعة مسلحة تابعة لتنظيم "القاعدة" في ضربة نفذتها بسوريا يوم الخميس الماضي، مشيرة إلى أن القتيل يدعى محمد عبد الوهاب الأحمد، وكان عضوًا بارزًا في جماعة "أنصار الإسلام" التابعة لتنظيم "القاعدة". وتلفت الأوضاع في سوريا الانتباه لاسيما وسط تحذيرات من مخاطر تجدد خطر الحركات الاسلامية المتطرفة التي، بحسب العديد من التقارير، تجد لها موطىء قدم في سوريا التي لم تخرج بعد من تداعيات الحرب التي استمرت زهاء 14 عاماً. في إطار منفصل، أعلنت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا أنها اختتمت زيارتها الأولى إلى المجتمعات المتضررة من العنف في محافظة السويداء، موضحةً أن الزيارة شملت مواقع داخل المدينة وفي المحافظة والمحافظات المجاورة.
وفي الشق المتعلق بالصحف العربية الصادرة اليوم، الأربعاء، إليكم ابرز ما ورد فيها:
انتقدت صحيفة "الصباح" العراقية خطة ترامب بشأن غزة قائلة "العالم قد ينظر إلى الخطّة بنوع من الجاذبية لأنها تبحث عن "وقف آلة القتل" فورًا، لكنها تتجاهل الرؤية البعيدة التي تضّمن عدم تكرار الحرب، خصوصًا وأن إسرائيل لا تحترم القرارات الدولية، بل قصفت حتى دولًا وسيطة كقطر". وأضافت "الأخطر أن المقترحات تصب في صالح الكيان عبر نزع سلاح "حماس" بالكامل وإقصائها عن الدور السياسي، وهو أمر صعب التنفيذ عمليًا وسياسيًا، بل يعتبر مستحيلًا من وجهة نظر الحركة التي ترى نفسها طرفًا مقاوماً. كما أن ربط وقف إطلاق النار بتبادل الأسرى يمنح نتنياهو متنفسًا أمام الضغط الداخلي في إسرائيل، ويدعمه في مواصلة القتل والدمار، بدلًا من التوجه الجاد لحل الدولتين".
"الأهرام" المصرية، من جهتها، عددت مكاسب الخطة التي حددتها بـ "وقف الحرب ووقف التطهير العرقي والحفاظ على ما تبقى من الارض والمطالبة بالمزيد. كما وقف وحشية المطامع الاسرائيلية التي تصورت في لحظة إمكان ابتلاع غزة والضفة وطرد السكان منها إلى دول اخرى. وهذا يتطلب موقفًا فلسطينيًا واحدًا يتمثل بإنهاء ما يسمى الفصائل الفلسطينية وتوحيدها تحت مظلة واحدة بناطق رسمي واحد". وخلصت إلى أن "مستقبل غزة يحتاج إلى خيال سياسي عربي يضع تصورات قابلة للتنفيذ ويحتاج إلى تضامن عربي حقيقي فقد أثبتت الوقائع أن التضامن لم يعد ترفا وان تمزيق العالم العربي يجب أن يتوقف الآن".
أما صحيفة "الغد" الأردنية، فرأت أن حرب غزة "أعادت اختبار مدى صدقية اتفاقات أبراهام؛ حيث تبين أن بناء علاقات طبيعية من دون حل عادل للقضية الفلسطينية هو بناءٌ على رمالٍ متحركة، وأن الرأي العام العربي ما يزال يرى في فلسطين قضية مركزية تتجاوز كل التحالفات"، مشيرة إلى أن "المفاوضات الجارية في القاهرة تمثل لحظة مفصلية، إن نجحت، فقد تفتح باب هدنة طويلة الأمد، وتعيد ترتيب البيت الفلسطيني، وتطلق مسارًا سياسيًا جديدًا ولو جزئيا. أما فشلها، فقد يقود إلى تصعيد جديد أو فرض وصاية دولية مؤقتة ستعمق الانقسام وتضعف فرص الحل الدائم.
بدورها، أكدت صحيفة "القدس العربي" أن "عددًا غير قليل من الديمقراطيات الغربية التي تهلل اليوم للخطة الأمريكية كانت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد انتهجت السكوت على حرب الإبادة الإسرائيلية، أو مساندتها بالمال والسلاح والدعم الدبلوماسي، أو تواطأت معها". وتابعت "وفي جدل التفاعلات بين معادلات قديمة وقواعد اشتباك مستجدة فرضها "طوفان الأقصى"، تبقى راسخة حقيقة كبرى مفادها أن التضحيات الجسيمة والأثمان الفادحة التي دفعها ويدفعها أبناء غزة، أسوة بالملحمة الفريدة التي سطرتها المقاومة الفلسطينية، إنما تفرض مجدداً ضرورات عاجلة لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية الداخلية، بما يزود الشعب الفلسطيني بمقومات أخرى إضافية للبقاء والصمود والمواجهة"، بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")