وجهات نظر

قراءة في ردّ "حماس" على خطة ترامب!

أشفق الكثيرون على "حماس" من الصعوبة البالغة للردّ على خطة ترامب لإنهاء الحرب، وذلك لأنّ الخطة كانت تجمع بين عددٍ من المكاسب التي لا شكّ فيها، كوقف الحرب ومنع التهجير أو الضمّ والدخول الفوري للمساعدات، ومحمّلةً في الوقت نفسه بمعضلات واضحة سواء في المحتوى، كما في غموض النصّ الخاص بالانسحاب الإسرائيلي "إلى الخط المتّفق عليه للتحضير لإطلاق سراح الرهائن"، فلا أحد يدري ما هو هذا "المتّفق عليه"، أو في وضوح النصّ على بقاء الجيش الإسرائيلي "في محيطٍ أمنيّ إلى أن يتمّ تأمين غزّة كما ينبغي من مخاطر أي تهديد إرهابي متجدّد". ومن السهولة بمكان أن نتبيّن أنّ هكذا نصًّا يمكن أن يسمح ببقاء الجيش الإسرائيلي في هذا المحيط الأمني إلى الأبد، ناهيك عن الخبرة المتراكمة في السلوك الإسرائيلي الذي لا يحترم اتفاقًا ولا يرعى عهدا.

قراءة في ردّ

يُضاف إلى الصعوبات أنّ "حماس" وغيرها من فصائل المقاومة كانت واقعةً تحت ضغط أنّ الجميع قد وافقوا، والدول العربية والإسلامية بالذات، وبالتالي كان المزاج العام أنّ "حماس" ستتحمّل مسؤولية استمرار الحرب، من دون أدنى إشارة لسابق تخريب إسرائيل لهدنتَيْن مع المقاومة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ويناير/كانون الثاني 2025، ناهيك عن تجاهل إسرائيل الردّ على قبول "حماس" آخر عرض قدّمه الوسطاء لها في أغسطس/آب الماضي، وانقلاب نتنياهو على هذا العرض أصلًا، على الرَّغم من أنه كان في الأصل مقترحًا أميركيًا.

قبول "حماس" التخلّي عن الحُكم لا ينسحب على دورها السياسي

وعلى الرَّغم من كل هذه الصعوبات، ردّت "حماس" في 3 تشرين الأول/أكتوبر ببيانٍ مقتضبٍ اتّسم بالذكاء الشديد من أكثر من زاوية، فقد تصدّرت الردّ عبارات التقدير للجهود العربية والإسلامية وللرئيس ترامب الداعية لوقف الحرب وتبادل الأسرى والدخول الفوري للمساعدات ورفض احتلال غزّة وتهجير الشعب الفلسطيني منها، وهي أبرز حسنات خطّة ترامب. وتلا ذلك مباشرةً إعلان "حماس" موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال، أحياء وجثامين، وفق الخطة، مع توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل، والاستعداد للدخول الفوري في مفاوضاتٍ من خلال الوسطاء لمناقشة التفاصيل.

كما أكّدت الحركة موافقتها على تسليم إدارة القطاع إلى هيئةٍ فلسطينيةٍ من التكنوقراط المُستقلّين بناءً على التوافق الوطني الفلسطيني واستنادًا للدعم العربي والإسلامي، مع تجنّب الإشارة لما سُمّي في الخطة بمجلس السلام برئاسة ترامب. أي أنّ "حماس" أكّدت استعدادها للتنازل عن حُكم غزّة من دون أن توافق على وجود الهيئة الدولية التي أشارت إليها الخطة، معتبرةً ذلك وكل ما ورد فيها بخصوص مستقبل غزّة والحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني أمورًا مُتطلِبةً لموقفٍ وطنيّ يستند إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، وتتمّ مناقشته من خلال إطار فلسطيني وطني جامع، ستكون "حماس" ضمنه، وتسهم فيه بكلّ مسؤولية، أي أنّها وإن قبلت التخلّي عن الحُكم فإنّ هذا لا ينسحب على دورها السياسي.

الوحدة الوطنية الفلسطينية شرط لا غنى عنه للانتصار في معركة استرداد الحقّ الفلسطيني

وقد أفضى هذا الردّ لتطوراتٍ إيجابيةٍ، إذ اعتبره ترامب ردًّا إيجابيًا يتطلّب من إسرائيل وقف العمليات العسكرية، وهو ما قيل إنّه انعكس في أوامر للجيش الإسرائيلي بالاقتصار على العمليات الدفاعية، غير أنّه لم ينعكس على عملية إعادة احتلال غزّة وفظائعها حتى كتابة هذه السطور. وثمّة مؤشرات أخرى إلى الجدّية في التنفيذ كتحديد موعدٍ بعد ثلاثة أيام من قبول "حماس" للخطة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل، ومن المهم للغاية أن يتوفّر دعم عربي وإسلامي، بل ودولي حقيقي لمسار المفاوضات، غير أنّ مفتاح النجاح الأكيد في خوض غمار هذه المعركة الديبلوماسية الضارية هو وحدة الصف الفلسطيني، فغيابها كان في تقديري سببًا في هدر إمكانيّةٍ لنصرٍ في هذه الجولة، ووجودها ضرورة للفوز في معركة التفاوض.

أعتقد أنّ أثمن ما جاء في ردّ "حماس" هو اعتبار القضايا المستقبلية الجوهرية مسألةً وطنيةً عامةً لا بدّ أن تشارك فيها جميع القوى الوطنية الفلسطينية. ولعلّ هذا الموقف في هذا الظرف العصيب الذي تواجهه حركة التحرّر الفلسطيني، يكون بدايةً لاستعادة وحدة وطنية فلسطينية أدّى غيابها إلى كوارث للنضال الفلسطيني، ومطلوب حضورها كشرطٍ لا غنى عنه للانتصار في معركة استرداد الحقّ الفلسطيني.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن