ثمانون مؤشّرًا اعتمد عليها تقرير أصدرته "الوكالة الدولية للمِلكية الفكرية" الصّادر مؤخّرًا، وتغطي الجوانب الرئيسية للابتكار، وهي إنشاء المؤسّسات المختصّة، والاستثمار في رأس المال البشري، والبحث العلمي، وإيجاد البنية التحتية الرقمية، وتطوير مناخ الأعمال، وتحويل المعرفة والتكنولوجيا إلى منتجات إبداعية، وقياس حجم براءات الاختراع وتأثيرها (الإيجابي) في حياة الناس، ومدى مُلاءمة التقدّم التكنولوجي مع التأقلم العالمي، في وقتٍ تسير الابتكارات والاختراعات بوتيرةٍ أسرع من قدرة المجتمعات على المواكبة.
اقتصادات متوسّطة الدّخل أظهرت تقدّمًا مطّردًا في التكنولوجيات الحديثة
وفي حين أنّ ترتيب مجموعة الدول الأكثر ريادةً في التكنولوجيّات الحديثة، لا يزال مستقرًّا على نطاق واسع، تتزعّمه سويسرا والسويد والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وسنغافورة (المراتب الأولى عالميًا)، فإنّ المشهد العالمي آخذ في التنوّع، حيث أظهرت العديد من الاقتصادات المتوسّطة الدّخل، تقدّمًا مطّردًا في هذه المجالات، وأصبحت تقترب تدريجيًا من المستويات العليا.
الإمارات والسعودية وقطر والمغرب
حقّقت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحسّنًا في مجال الابتكار العالمي، من خلال مؤشّر جودة التعليم، والبنية التحتية الرقمية، وتطوّر قطاع الأعمال والاتصالات. وتمكّنت دول عربية من تسجيل تقدّمٍ في ترتيب مؤشّر الابتكار العالمي لعام 2025. وحلّت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى عربيًا وفي المرتبة 30 عالميًا، في سلّمٍ شمل 139 بلدًا. وجاءت المملكة العربية السعودية ثانيةً عربيًا وفي المرتبة 46 عالميًا، تلتها قطر ثالثةً عربيًا و48 عالميًا. هذه الدول الخليجية بفضل سياسة الانفتاح على المعارف والعلوم والتكنولوجيا، واستثماراتها الضخمة في التعليم، والرقمنة، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، كانت ضمن الأسرع في ارتقاء سلّم مؤشّر الابتكار العالمي.
وحلّ المغرب في المرتبة الرابعة عربيًا و57 عالميًا، بتسلّق 9 درجات في عام واحد، واعتبره التقرير أكثر الدول تحسنًا في المؤشّرات بفضل صناعة السيارات، وأجزاء الطائرات، والانخراط المبكّر في ثورة الطاقات المتجدّدة، التي حقّق فيها تقدمًا في الخبرة والاستثمارات، بالاستفادة من تراجع أسعار كلفة الطاقات الشمسية والريحية، التي تراجعت 56 في المئة مقابل كلفة إنتاج الطاقات الأحفورية. وصنّف التقرير مملكة البحرين خامسةً عربيًا و62 عالميًا، وعُمان سادسةً عربيًا و69 عالميًا، تليها الكويت سابعةً عربيًا و73 عالميًا، وتونس 76، ومصر 88، ولبنان 90، بعد أن كان صُنّف في المرتبة 61 عالميًا في مؤشّر عام 2012.
ولم يشمل التقرير دولًا مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن وموريتانيا وفلسطين. بينما صنّف التقرير إسرائيل في المرتبة 14، بعد فرنسا 13، واليابان 12، وألمانيا 11 عالميّا. وحلّت الجزائر في آخر الترتيب العربي في المرتبة 115، واعتُبرت بلدًا "غير مواكبٍ للثورة التكنولوجية" بمعدّل 18.9 نقطة من مائة، وفي المستوى نفسه لتوغو وبنين وهندوراس والكاميرون. وصنّف التقرير المملكة العربية السعودية كأكثر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سرعةً، في تسلّق سُلّم مؤشّر الابتكار العالمي منذ العام 2019.
من جهةٍ أخرى، كشف مؤشر الإبداع العالمي أنّ "جامعة القاهرة في مصر هي مركز الابتكار الأفريقي الوحيد، الذي ورد ضمن قائمة أفضل 100 مركز في العالم. واحتلّت شركة "Si-Ware Systems" المرتبة 83 بين أفضل 100 مركز للابتكار في العالم".
وأظهرت العديد من الاقتصادات المتوسّطة الدّخل تقدمًا مطّردًا في هذه المجالات. وارتقت الصين إلى مجموعة العشر الأوائل، بعد أن كانت في المرتبة 34 عالميًا قبل 13 سنة. وهذا الانتقال هو اعترافٌ بما تحقّقه الصناعات الصينية، ومنها صناعة السيارات الكهربائية، التي أصبحت الرّائدة والقائدة في العالم، وباتت تهدّد صناعة السيارات الأميركية والأوروبية، التي تجاوز عمرها مائة سنة، عندما كان الفلاح الصيني لا يُنتج ما يكفيه من الغذاء، وعاش عقودًا من الجوع. وتمّ اختيار شركة "CATL" لصناعة البطاريات الصينية، نموذجًا للتفوّق العالمي في مجال إنتاج الطاقة المتنقّلة. كما تمّ اختيار "جامعة سان خوسيه" و"سان فرانسيسكو" في ولاية كاليفورنيا أفضل تجمّع عالمي للتكنولوجيا. وتمّ اختيار جامعة "هلسنكي" من بين أفضل مراكز البحوث في أوروبا، التي تفوّقت فيها الجامعات البريطانية مثل "أُكسفورد" و"كامبريدج"، إلى جانب جامعات "بوسطن" شرق الولايات المتحدة.
في الجانب العربي، تمّ وضع المغرب في قائمة الدول الناهضة صناعيًا إلى جانب البرازيل، وتركيا، وإندونيسيا، وفيتنام، والهند، وجنوب أفريقيا وأوزبكستان، وهي دولٌ لها قاعدة استقبالية للاستثمارات التكنولوجية العالمية. ويُنظر حاليًا إلى الابتكار كمحرّك أساسي للنموّ الاقتصادي، والقدرة على التنافسية الدولية، حيث تتعاظم الفرص بزيادة الدعم، وانتهاج سياسات مدروسة، وإطلاق استثمارات ذات مغزى، وتعاون بين القطاعات المعنية.
الحروب تُعيق الاستثمار في البحوث العلمية
لوحظ تراجعٌ في نموّ البحث والتطوير إلى 1 في المئة عام 2025 على مستوى العالم، بعد أن كان بلغ 4.4 في المئة عام 2023، وذلك نتيجة الحروب والنزاعات وتباطؤ الاقتصاد العالمي، خاصّةً لدى شركات تصنيع السيارات والسلع الاستهلاكية، في سياق انخفاض الإيرادات. في المقابل، قامت شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وشركات البرمجيّات والأدوية، بتوسيع ميزانيات البحث والتطوير، خاصّةً الروبوتات والقطارات فائقة السرعة.
العالم مقبل على ثورة تكنولوجية هائلة قد تُبعثر ترتيب الدول الصناعية
وأظهرت الأرقام ارتفاعًا في رأس المال الاستثماري، وزيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي، واستمرار حذر المستثمرين خارج مجموعة ضيّقة، من القطاعات والمناطق الجغرافية، أي أنّ دولًا لن تحظى بمقوّمات التطوّر التكنولوجي، وهو نوعٌ من العقوبات الناعمة.
تُشير كلّ التوقعات إلى أنّ العالم مقبلٌ على ثورة تكنولوجية هائلة، تُوازي سنوات أو عقود من التقدّم العلمي، قد تُبعثر ترتيب الدول الصناعية.. ومن يستطيع التأقلم مع هذه التحوّلات، سيكون له موقع أقوى في النظام العالمي الجديد.
(خاص "عروبة 22")