صحافة

"المشهد اليوم".. توتر أميركي - إسرائيلي حول "الضم" و"البرغوثي"!الهجمات الإسرائيلية تتصاعد في لبنان وبوتين يتمسك بالحوار بعد العقوبات الأميركية

مستوطنون وجنود إسرائيليون يقفون في حقل بينما يُمنع المزارعون الفلسطينيون من قطف الزيتون في قرية سعير قرب مدينة الخليل في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

التماهي الأميركي التام مع مخططات اسرائيل والذي مكنّها من مواصلة الحرب على غزة لعامين كاملين وسمح لها بنقض اتفاق وقف النار مرارًا وتكرارًا في لبنان وغض البصر عن التوسع الميداني في الجنوب السوري، يبدو أنه وصل نقطة مفصلية بعد اعلان واشنطن رفضها التام لضم الضفة الغربية المحتلة إلى السيادة الاسرائيلية. فمن الرئيس دونالد ترامب إلى نائبه جي دي فانس ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي مايك روبيو، توالت التصريحات المشددة على عدم القبول بالتوجه الذي تسلكه تل أبيب اليوم خصوصًا بعد اتفاق وقف النار في غزة وتعهد ترامب شخصيًا للدول العربية والاسلامية بعدم السماح بأي خطوة بإتجاه ضم الضفة الذي يُعتبر بالنسبة لهم بمثابة "خط أحمر".

وهذا الموقف أثار حنق وغضب اليمين المتطرف المستنكر للتدخلات الأميركية الواسعة في السياسة الاسرائيلية خاصة بعد ما أسموه فرض خطة "شرم الشيخ للسلام" على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو واضطراره مرغمًا للقبول بها، بينما كان هؤلاء ينادون باستمرار الحرب دون هوادة على غزة. والاختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب، لا يُعتبر تغيرًا استراتيجيًا، بقدر ما هو محاولة من الولايات المتحدة الحفاظ على مصالحها في المنطقة ولاسيما مع الدول الخليجية التي ترفض رفضًا تامًا ضم الضفة الغربية لما سيكون لمثل هذا القرار من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار. ولهذا سارعت اسرائيل على لسان وزير خارجيتها جدعون ساعر إلى الدفاع عن النفس في مواجهة "موجة" الانتقادات الأميركية، وقال إن "حكومته لن تسعى إلى التقدم في سن قانون الضم، الذي ما زال في طور التمهيد". أما نتنياهو "المُحرج" فقد حاول أن يوجه أصابع الإتهام إلى اليمين والمعارضة ويتبرأ من مصادقة "الكنيست" ويتراجع عن مواقفة السابقة خوفًا من غضب "افضل صديق لإسرائيل"، ترامب.

ومما ما زاد الطين بلة هو مواقف الرئيس الأميركي، والتي أعلن عنها لمجلة "تايم"، محذرًا تل أبيب من أنها ستفقد كل الدعم إذا مضت قدمًا في قرار الضم، الذي شدد على أنه لن يحدث، "لأنني وعدت الدول العربية بعدم حدوثه". كما تناول أوضاع غزة واصفًا "ضربة قطر" بأنها "خطأ تكتيكي استراتيجي"، معلنًا أنه سيتخذ قرارًا بنفسه بشأن احتمال أن تفرج إسرائيل عن القيادي الأسير في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مروان البرغوثي لقيادة غزة ما بعد الحرب. تزامنًا، لا تزال الأوضاع في القطاع "كارثية"، بحسب "منظمة الصحة العالمية" التي لفتت إلى عدم تسجيل أي تقدم يُذكر على صعيد كميات الأغذية التي يُسمح بإدخالها إلى غزة منذ وقف إطلاق النار، أو أي تحسن ملحوظ لناحية الحدّ من الجوع في القطاع. ومناشدات المنظمة وغيرها تأتي مع استمرار اسرائيل في اغلاق معبر رفح وتحكمها التام بالمعابر الأخرى وسيطرتها في تحديد ما يمكن أن يتم ادخاله إلى غزة من عدمه وبالتالي وضع "فيتوهات" أمام احتياجات رئيسية يحتاجها السكان هناك للاستمرار في الحياة وسط كميات هائلة من الركام والدمار والمخاوف المتزايدة من انتشار الأوبئة والأمراض.

في غضون ذلك، تطرح مسألة إعادة الإعمار نفسها على سلم الأولويات منعًا لتهجير الفلسطينيين كما لضمان التخفيف من معاناتهم وهو ما تدفع بإتجاهه القاهرة بقوة. ولكن الطرح الأميركي الأخير والذي تحدث عن "تقسيم قطاع غزة" إلى منطقتين منفصلتين؛ إحداها تسيطر عليها إسرائيل، والثانية خاضعة لحركة "حماس"، مع البدء في إعمار مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي، أثار العديد من تساؤلات حول الآليات التي سيتم إعتمادها. وكان صهر ترامب، جاريد كوشنر، أضاء على هذه النقطة مؤخرًا خلال زيارته إلى تل أبيب وهو ما تناولته صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير، موضحة أن "جوهر هذه الخطة يتمحور حول كيفية نزع سلاح "حماس" وتشكيل سلطة بديلة يمكنها إدارة القطاع وخلق بيئة آمنة لتدفق استثمارات بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار". وبحسب التقرير عينه، فإن "تلك الخطة أثارت قلقًا لدى وسطاء عرب شاركوا في محادثات السلام؛ إذ قالوا إن "الولايات المتحدة وإسرائيل طرحتا الفكرة خلال المفاوضات، وأكدت الحكومات العربية معارضتها الصريحة لفكرة تقسيم غزة"، منبهة من أن "هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام تكريس وجود دائم لإسرائيل داخل القطاع".

هذا وتستضيف مصر في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار قطاع غزة، وسط محاولات من قبلها لدفع هذا الموضوع المحوري قدمًا بينما تجهد لتقريب وجهات النظر والحدّ من الخلافات الداخلية من خلال استضافتها محادثات فلسطينية – فلسطينية بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة في ما يتعلق بـ"اليوم التالي" في غزة ومستقبل القوات الدولية التي يُحكى عنها وغيرها من الترتيبات الأخرى. وفي هذا الصدد، كشفت مصادر خاصة لـ"الجزيرة" أن اجتماعًا عُقد في القاهرة بين وفد من "حماس" برئاسة خليل الحية مع وفد حركة "فتح" برئاسة نائب رئيس اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج. ووفق ما نُقل عن الفصائل فإن النقاش تركز حول كيفية التوصل إلى برنامج وطني توافقي، يضمن تجاوز مقترحات "الوصاية الدولية" التي يُراد فرضها في المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب في غزة.  وتتضمن المرحلة الثانية من خطة ترامب التي لا تزال عالقة ولم تبدأ المفاوضات بشأنها بسبب "التعنت" الاسرائيلي، نشر قوة دولية لحفظ السلام في القطاع وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي ونزع سلاح "حماس"، كما إنشاء جهاز إدارة مؤقت تابع للهيئة الانتقالية الدولية الجديدة في غزة يسمى "مجلس السلام". 

الوضع الهشّ في غزة والتحركات الاسرائيلية المقلقة في الضفة الغربية المحتلة يرافقها ما يجري على الأرض اللبنانية من تصعيد عسكري ذات دلالات خطيرة والذي اتسع نطاقه في الأيام الأخيرة، في خطوة أثارت قلقًا واسعًا بشأن عودة شبح الحرب. ففي التفاصيل، شنّ الجيش الإسرائيلي، مساء أمس الخميس، غارة على محيط بلدة عربصاليم في جنوب لبنان، أسفرت عن سقوط شخصين، مجددًا غاراته التي بدأت منذ الصباح واستهدفت عددًا من المناطق في قضاء بعلبك، حيث طالت الغارات أيضًا جرود منطقة جنتا على سلسلة جبال لبنان الشرقية وأدت إلى سقوط شخصين وعدد من الجرحى فيما سادت حالة من الهلع والخوف لدى الأهالي لاسيما ان بعض هذه الغارات بالقرب من مرافق حيوية ومؤسسات تعليمية وتربوية. بدوره، دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون رئيس لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار في جنوب لبنان الجنرال الأميركي جوزيف كليرفيلد إلى تفعيل عمل اللجنة لوضع حدّ للاعتداءات الإسرائيلية. كما طالب مجلس الوزراء اللبناني الولايات المتحدة وفرنسا بالتدخل لدى إسرائيل لوقف انتهاكاتها.

ومن لبنان إلى إيران التي أيضًا تعيش على وقع الخوف من تجدد الحرب عليها بظل إنسداد أفق المباحثات بعد فشل الجولات السابقة وإعادة دول "الترويكا" الاوروبية فرض العقوبات الأممية عليها. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن أي هجوم جديد على منشآت طهران النووية "سيكون تكرارًا لتجربة فاشلة لن تفضي إلا إلى الفشل"، وذلك بعدما عبر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، عن قلقه من "عودة لغة القوة إلى الواجهة" إذا أخفقت الدبلوماسية. وأفاد مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة بأن إيران "ما زالت تحتفظ بمخزون من اليورانيوم المخصب، يقدر بنحو 400 كيلوغرام بنسبة تخصيب تبلغ 60%، أي أقل بقليل من مستوى التخصيب اللازم لصنع السلاح النووي. وإذا مضت طهران خطوة إضافية، فسيكفي هذا المخزون لإنتاج نحو عشر قنابل نووية". ومن المرجح أن يقدم غروسي تقريرًا جديدًا بشأن البرنامج النووي الإيراني بداية الشهر المقبل، لمجلس المحافظين التابع للوكالة الدولية في فيينا، وذلك في ظل المسار المتعثر من التعاون بين الطرفين.

على المقلب الدولي، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، إلى مواصلة الحوار بعد إعلان نظيره الأميركي تعليق التحضيرات للقاء بودابست، وفرضه رزمة عقوبات جديدة ضد روسيا. ونقلت وكالات أنباء روسية عن بوتين قوله إن "الحوار أفضل دائمًا من المواجهة والخلافات، بل وأفضل من الحرب". ولكنه في الوقت ذاته، هدّد بردّ "قوي جدًا" في حال استهداف الأراضي الروسية بصواريخ "توماهوك" الأميركية، التي تطالب أوكرانيا بالحصول عليها من واشنطن للرّد على هجمات موسكو التي تفاقمت في الآونة الأخيرة. في المقابل، أشار عدة دبلوماسيين بالاتحاد الأوروبي، لـ"وكالة الأنباء الألمانية"، إلى أن التكتل يعتزم المضي قدمًا في خطط لاستخدام الأصول الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا، فيما كلّف القادة المفوضية الأوروبية بتقديم خيارات لمواجهة الاحتياجات المالية لكييف.

ودوليًا أيضًا، أفاد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب سيلتقي نظيره الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل في إطار جولة آسيوية، ليتأكد بذلك موعد اللقاء الذي ثارت حوله شكوك عقب تصاعد التوتر التجاري بين البلدين. في حين صعّد ترامب من لهجته تجاه فنزويلا وقال سيكون هناك "عمل على الأرض قريبًا"، لكنه نفى إرسال قاذفات إستراتيجية للتحليق قرب أجوائها ردًا على ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في وقت سابق، الخميس، ومفاده أن قاذفتين تابعتين لسلاح الجو الأميركي من طراز "بي-1" حلّقتا قرب فنزويلا دون دخول أجوائها.

هذه التطورات وغيرها تناولتها الصحف العربية الصادرة اليوم الجمعة. وإليكم أبرز ما ورد فيها:

تحدثت صحيفة "عكاظ" السعودية عن "الدور المحوري والجهود البارزة التي تلعبها المملكة في تهدئة الأوضاع السياسية في لبنان، مع اهتمام خاص بالتهيئة لحوار وطني بين جميع الفرقاء السياسيين، وبالأخص بين السياسيين السنّة في لبنان"، منوهة إلى ان الدور السعودي في هذا السياق يرتكز "على تحفيز تيارات سياسية سنّية لبنانية على التعاون والابتعاد عن التأثيرات التي قد تزيد من الانقسامات، مع دعم تحالفات سياسية تعزز من الاستقرار الوطني"، واضعة ذلك في إطار "حماية التوازن اللبناني، ودعم أي مبادرة تصب في مصلحة الدولة ومؤسساتها. فالسعودية لا تبحث عن نفوذ بقدر ما تسعى إلى استقرار بلد عربي شقيق، له مكانة خاصة في وجدانها وتاريخه المشترك معها".

أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فرأت انه "على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية لتثبيت اتفاق وقف الحرب في غزة، سواءٌ عبر الضغط المباشر للجم جموح نتنياهو، أو من خلال التهديد الصارم لحركة "حماس" في حال عدم التزامها ببنود الاتفاق، وأحياناً عبر إغراء الطرفين بجزرة الاستقرار وإعادة الإعمار في حال نجاح التسوية، إلا أن الوضع في غزة ما زال هشاً، تسوده الضبابية والغموض بشأن مستقبل الصراع"، في وقت اعتبرت ان لبنان "وعلى الرغم من تمسُّك "حزب الله" بخطاب تصعيدي مرتفع النبرة، إلا أن أصواتًا داخلية بدأت ترتفع مطالبةً بإعادة تقييم واقعية، تمهّد لظهور وجوه جديدة تعبّر عن تطلعات شريحة واسعة من جمهوره المنهك، وتكون أكثر قبولًا لدى المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بإدارة المرحلة المقبلة"، على حدّ تعبيرها.

صحيفة "الخليج" الإماراتية، من جهتها، رّكزت على الحدث الاقليمي، لافتة إلى انه "فيما يترقب العالم ما إذا كانت القمة المؤجلة بين الرئيسين الأمريكي والروسي سوف تعقد أم لا، يتجه الوضع بين روسيا وحلف الأطلسي نحو التصعيد، في مؤشر على ممارسة ضغوط متبادلة، وكأن "لعبة عض أصابع" بدأت بين الطرفين لمعرفة حدود التنازلات المتبادلة، أو الذهاب نحو مواجهة مفتوحة"، مشددة على أنه "من الواضح أن هذه المواقف تؤشر إلى تصعيد في إطار ضغوط متبادلة، لكنها حذرة من أن تنزلق إلى مواجهة نووية رغم المناورات المتبادلة التي تعني أن الطرفين قادران على استخدام الأسلحة النووية، وأن أي تسوية سوف تتم من موقع قوة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن