صحافة

لبنان يعيش أجواء ما قبل اجتياح 1982... من يبرّدها؟

راغب جابر

المشاركة
لبنان يعيش أجواء ما قبل اجتياح 1982... من يبرّدها؟

يعيش لبنان أجواء تشبه أجواء ما قبل الاجتياح الإسرائيلي للبلاد عام 1982. ليس بالضرورة أن تكون نتيجتها مشابهة، لكن المقدمات المتشابهة تؤدي غالباً إلى سياقات متشابهة. قبل اجتياح الـ1982 تصاعد التوتر بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة فصائلها في الجنوب اللبناني إلى الذروة، وبات العالم ينتظر الشرارة التي ستشعل الحرب. كانت تصريحات قادة إسرائيل وتحركات جيشها على الحدود وتصريحات وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ تشي بحرب قريبة، وكان ياسر عرفات يطلق من بيروت خطاباته النارية المطمئنة إلى قوة الجبهة الفلسطينة متوعداً الإسرائيليين (والأميركيين) بمواجهة قاسية.

كان العالم يعرف حينها أن الحرب قادمة لا ريب فيها، ربما كان تحدي عرفات من قبيل رفع المعنويات، كان على رأس الولايات المتحدة رئيس جمهوري متشدد وداعم لإسرائيل إلى أقصى الحدود هو رونالد ريغان، وكانت تقود إسرائيل حكومة يمينية متطرفة يقودها اثنان من زعماء العصابات الصهيونية الدموية قبل إعلان قيام الدولة، هما رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الدفاع أرييل شارون، وكان لبنان كما اليوم مشتت القوى تتنازع أحزابه وميليشياته في السياسة والشارع في ظل نقمة شعبية على الجميع، لا سيما في الجنوب على مسلحي منظمة التحرير.

كانت إسرائيل قد أعدت العدّة للحرب بانتظار الذريعة التي لم تتأخر كثيراً، ففي 3 حزيران/يونيو تعرض السفير الإسرائيلي في لندن لمحاولة اغتيال نجا منها (يتهم بعضهم إسرائيل بتدبيرها)، ليبدأ بعدها بثلاثة أيام أكبر هجوم بري على لبنان استخدمت إسرائيل فيه عدد جنود يفوق العدد الذي استخدمته في حروبها مع مصر وسوريا. كان ما كان واحتلت إسرائيل جنوب لبنان وجزءا كبيراً من الجبل والبقاع والعاصمة بيروت، وأخرجت منظمة التحرير من لبنان ودمرت معظم سلاح الجو السوري في سهل البقاع....

لم تتأخر مقاومة الاحتلال، منذ الأيام الأولى بدأت العمليات ضد قواته في كل مكان، ما اضطره للانسحاب من بيروت أولاً ثم من باقي المناطق ليتمركز في الجنوب مستخدماً جيشاً من العملاء شكله من متعاملين معه من مختلف الطوائف اللبنانية. كان المقاومون الأوائل شيوعيين وقوميين سوريين ومن حركة "أمل" قبل أن ينضم "حزب الله" الذي كان ما زال جنينياً ثم يستأثر بالساحة بعد خروجه إلى العلن بتسميته النهائية في سياق تحالفات إقليمية وتداخلات إيرانية سورية كرّسته مقاوماً وحيداً مجهزاً تجهيزاً عالياً (نسبة إلى تجهيزات حركات المقاومة).

خاض "حزب الله" حرب تحرير ضد قوات الاحتلال. كان ظهره مؤمناً بالوجود السوري والدعم المالي والتسليحي الإيراني والتأييد الشعبي الكبير. ما كان أحد ليعترض على حرب تحرير من الاحتلال. استخدم الحزب أسلوب حرب العصابات والمجموعات القتالية الصغيرة المدفوعة بأيديولوجية تمجد الشهادة. لا يشك أحد في أنها كانت مرحلة صعبة قدم فيها الحزب مئات الشباب الذين سقطوا وهم يقاتلون من موقع إلى موقع. لم يقاتلوا بالمدافع والصواريخ والدبابات. حرب التحرير الشعبية، وكما في كل حروب التحرير في العالم، لم تكن تتطلب إلا القرار والعزيمة والإرادة وسلاحاً فردياً خفيفاً وبعض المتفجرات.

نجحت هذه الحرب، برغم كلفتها البشرية الكبيرة، في تحرير الجنوب وإخراج المحتل الإسرائيلي عام 2000 وسط تأييد عارم للحزب الذي بات يستخدم تسمية ثانية هي "المقاومة الإسلامية"، وقد بات أمينه العام الشاب حسن نصر الله رمزاً لبنانياً وعربياً، حتى، في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. لكن الحزب تحول مذاك إلى جيش نظامي. انتقل من العمل العسكري السري إلى العمل العسكري العلني. استعراضات عسكرية ومناورات علنية وأسلحة نوعية ومهمات خارج الحدود أثارت ردود فعل مناوئة ومعادية داخل البلد وخارجه، حتى كانت حرب غزة وإعلانه حرب الإسناد التي لم يكن أمامه مفر منها التزاماً بخطاب روّجه على مدى عقود عن التزامه نصرة فلسطين وتحرير القدس، وهي الحرب التي باتت نتائجها معروفة وما زالت تداعياتها تعتمل في الحياة السياسية داخل لبنان وتعقّد الحلول المطلوبة لأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الهجمة الديبلوماسية الأخيرة تجاه لبنان الذي زاره مبعوثون أميركيون وعرب، لا سيما المصريين منهم، تأتي في سياق التوتر المرتفع الحرارة والتهديدات الإسرائيلية المتصاعدة للبنان، مترافقة مع زيادة مطردة في عمليات القصف والاغتيال لقادة ميدانيين في "حزب الله". ما يعلن في وسائل الإعلام لا يعبر دائماً عن الحقيقة. التهديدات جدية والمعروض على "حزب الله" خياران أحلاهما مر، كما تراهما قيادته، وهما كذلك: إما تسليم السلاح أو مواجهة عدوان واسع قد يقضي على السلاح. ليس الأمر سهلاً وهو متروك لأصحاب المبادرات وصناع الحلول التوفيقية علهم يفلحون في ابتداع صيغ خلاقة تبعد كأس الحرب التي تلوح في الأفق.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن